شهدت الصحافة تحولات كبيرة ، على مستوى التكنولوجيات والاتصال ، خلال السنوات القليلة الماضية ، بعد أن ظهرت شبكة الانترنت كوسيلة إتصال فاعلة ومؤثرة أتاحت الفرصة للوصول إلى المعلومات بسرعة فائقة، أو إرسالها ونشرها على نطاق واسع لم يسبق له مثيل في التاريخ. ونظرا للفرص الكبيرة المتنوعة والمتعددة الأبعاد التي أتاحتها شبكة الإنترنت للتواصل والاتصال، أضحت استخداماتها المختلفة، ومنها على الخصوص الإعلامية، تمثل أحد أبرز تطبيقاتها المعاصرة ، حيث تسابقت المؤسسات الإعلامية والأفراد والمنظمات لاستغلال هذا المورد الهام في نشر وتبادل المعلومات بأشكالها المتعددة، مما أدى إلى إفراز أنماط إعلامية جديدة، وأبرزها ما يسمى بالصحافة الالكترونية أو صحافة الانترنت .
يرى بعض المتخصصين في مجال الاعلام ، أن الصحافة فن ، وأن الراغب في العمل الصحفي لابد أن يكون موهوبا ومتابعا ومثقفا ومطلعا . بينما يرى بعض آخر أن الصحافة مهنة ، كسائر المهن في المجتمع ، وتحتاج إلى الدراسة وإلى استعداد طبيعي ، وأن للصحافة مكوناتها (المعارف، والمهارات،والقيم )التي يمكن اكتسابها وتطويرها تعليما وتدريبا ، لذلك يقول الصحفي المجري جوزيف بوليتزر "إن الصفات الخلقية وهي لازمة للصحفي الناجح ، تنمو بالعلم والمعرفة والتجربة " ، ويرى كذلك"أن الصحافة هي أكثر المهن حاجة لأوسع المعارف وأعمق الثقافة" ، ويسأل بوليتزر الذي كان رئيسا لتحرير جريدة نيويورك ورلد "هل يصح أن تترك مهنة الصحافة ذات المسؤوليات الكبيرة ، تمارس من دون أي ضوابط أو تأهيل منتظم" .
وفي تطور العمل الصحفي وتطور تكنولوجيا المعلومات والكومبيوتر والانترنيت ظهر مصطلح ، الصحافة الالكترونية ، وترجع أهمية الصحافة الالكترونية إلى قدرتها على السرعة في توزيع وانتشار الخبر والتأثير في أوساط الرأي العام ، فاستطاعت سحب البساط من الصحافة الورقية ، ما جعل الصحافة أمام تحد كبير ، ودفع العديد من الصحف المطبوعة إلى اطلاق نسخة الكترونية وتحديثها ، إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي ، وأصبحت أحد أهم مصادر المعلومات وخاصة تويتر وتعد التسجيلات الصوتية والمرئية والوسائط المتعددة الأقراص المدمجة والإنترنت أهم أشكال الإعلام الاكتروني الحديث.
وكان لظهور الإعلام الالكتروني أثره الواسع والكثيف على المجتمع وفي كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وبرز ذلك في تداخل ذلك الإعلام الجديد وتوظيفه داخل ما يعرف بمجتمع المعلومات حيث المعرفة والمعلومات المكون الأساسي له ، كما أدى بروز الإعلام الالكتروني إلى بزوغ أدوات وآليات جديدة يستخدمها ناشطون جدد من المدونين ونشطاء الانترنت في محاولة منهم لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي داخل مجتمعهم ، لذلك يمكن القول ، أن الاعلام الإلكتروني( Electronic media) هو الإعلام الذي يتم عبر الطرق الالكترونية وعلى رأسها الإنترنت، ويحظى هذا النوع من الإعلام باهتمام متنامي في سوق الإعلام وذلك نتيجة لسهولة الوصول إليه وسرعة إنتاجه وتطويره وتحديثه ، كما يتمتع بمساحة أكبر من الحرية الفكرية.
وتجمع الصحافة الالكترونية كافة فنون العمل الصحفي المطبوع التي يتم عرضها والتواصل معها عبر شبكة المعلومات في قالب الكتروني من الضروري أن يتميز بمهارات وآليات تقنيات المعلومات ومقسم لأبواب ويحتوي على أخبار ومواضيع متجددة ويقوم عليه هيئة رقابة تحريرية محترفة .
ولذلك ، يعتبر الإعلام الإلكتروني امتداد وتطور طبيعي للإعلام التقليدي، لذلك فإن العلاقة بين الإعلام التقليدي والإعلام الإلكتروني علاقة تكاملية يعتمد فيها كل منهما على الأخر…
خصائص وسمات الصحافة الالكترونية:
لاشك بأن للصحافة الالكترونية خصائص وسمات محددة وشكلت خطوة متقدمة في العمل الصحفي ، ومن أبرز هذه الخصائص والسمات :
= تعدد الوسائط ، فإذا كان الراديو يقدم الصوت والتلفزيون يقدم الصوت والصورة ، والصحافة الطبوعة تقدم النص ، فإن الصحافة الالكترونية هي الوسيلة الوحيدة التي بإمكانها أن تقدم الثلاثة معا وبشكل مترابط.
= إمكانية التغيير والحذف والتعديل والتبديل والاضافة في الاعمال المنشورة .
= انخفاض التكلفة بالمقارنة بالصحافة المطبوعة .
= قلة عدد العاملين وقلة الجهود المبذولة .
= السرعة في نشر الخبر وامكانية النشر المطبوع من موقع الحدث .
وهذا بالتالي ، جعل الصحافة الإلكترونية أمام تحد أيضا وسباق على التواصل مع الرأي العام من خلال الشكل الجذاب والامكانيات الجديدة في عرض الصورة والفيديو وسهولة الوصول إلى للمعلومة ، كما أن الموقع الالكتروني استطاع إضافة رابط التواصل مع مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب ، لتقوم الوسيلة الالكترونية أو الصحافة الالكترونية ، بجمع كافة عناصر الصحافة المطبوعة وفنونها مع فنون تكنولوجيا المعلومات .
لقد أصبحت الصحافة الالكترونية مصدرا للخبر والرأي والتحليل والتحشيد والتحريض ، وهذا ما أدى إلى :
أولا : انتشار وسائل الاعلام الالكتروني بصورة منظمة وغير منظمة وبصورة هادفة وغير هادفة وأيضا انتشارها بشكل واسع ومنها أو بعض منها بحالة من الفوضى والعبثية .
ثانيا: وجود قطاع واسع من الشباب وجد في الصحافة وبسبب سهولة إنشاء موقع إلكتروني أو مجموعة وتس اب أو فيس بوك مجالا للعمل والتعبير بشكل إبداعي حينا ، وبشكل فوضوي أحيانا ودون أي وعي إعلامي أو ثقافي أو معرفي حول قواعد اللغة أو شروط صياغة الخبر.
ثالثا:انتشار عدد هائل من مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكتروني الاخبارية وغير إخبارية مما جعلها تعيش حالة من التخبط والفوضى والارتهان .
من هنا ، فإن على الاعلامي في ميدان الصحافة الالكترونية أن يتمتع بمواصفات وأخلاقيات الصحفي المحترف وأن يكون لديه إلمام كامل بالانترنيت ومعرفة كاملة بكافة مواقع التواصل الاجتماعي كاليوتيوب والفيس بوك .
لاشك أن سهولة عمليات التواصل والتكنولوجيا والتطور التقني ساهمت بتطور الاعلام وانتشاره ليس في مجال القدرة على سرعة نشر الخبر والوصول إلى الرأي العام فحسب ، بل أيضا أصبح من السهل على أي شخص أن يطلق على نفسه لقب "صحفي" دون علمه وتعلمه ودون معرفته لأصول الكتابة الصحفية وأصول اللغة وقواعدها كذلك ، لم يعد الكثير من العاملين في وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية يمتلك الصفات والمميزات والقدرات التي من المفروض أن يمتلكها أي صحفي محترف .
ومن أجل الاستفادة من تطور العمل الصحفي والانترنيت والتكنولوجيا، ومن أجل وضع حد لحالة الفوضى والتشويه التي أصابت الاعلام الالكتروني أو بعضا منه لا بد أولا من تنظيم هذا القطاع وضبط مساره ومنع المتسللين والمتسلقين إلى بنيته . وإعادة الأصول والضوابط للعمل الصحفي والمحافظة على أركان الكتابة الصحفية (الخبر والتحقيق والحوار).
لقد أحدثت الصحافة الإلكترونية تغييرات في الصحفي وصياغة الخبر ومصادره ، وبالتالي أحدثت انقلاباً كبيراً فى عالم الصحافة، وأدخلت تطويراً فنياً وعملياً ليس فقط على مستوى القارئ بل على مستوى الصحفي نفسه، وفي مصادره الصحفية وكذلك في شكل الصحيفة وتناول المادة الصحفية بأشكالها المتعددة، ووهذا ما جعل الصحفي مطالب بأن يتمكن من الأدوات الحديثة ومعرفة جيدة بالكومبيوتر، وبقدرته على الكتابة بشكل جيد ، وعلى استخدام الإنترنت، وأحياناً ببعض برامج الجرافيك لاستخدامها في إدخال صورة على الكمبيوتر وتعديلها من حيث الحجم والشكل لتناسب النشر على الإنترنت.
كما يتميز الصحفي الذي يعمل على الإنترنت بسرعة نقله للأخبار كما هو المراسل الصحفي في وكالة الأنباء أو القنوات الفضائية، ويقوم ببث الخبر بمجرد معرفته لينشر في لحظات معدودة لملايين من القراء، كما تعطيه التقنية الفرصة لتجديد الخبر كل فترة زمنية وكتابة المزيد وتطورات الحدث أولاً بأول، مزوداً تقريره بالصور وقد تكون بلقطات الفيديو أحياناً، وإن كانت هذه السرعة أثرت على جودة الصياغة الخبرية وعلى التدقيق في صحة الإملاء وأخطاء النحو وتركيب الجمل وصياغة الخبر وفق أصوله العلمية.
وعلى كل صحفي إلكتروني أن يشعر بمسؤولية انسانية واخلاقية ووطنية كما هي مسؤولية الصحفي العمل في وسائل الاعلام الأخرى ، ذلك لأن ارتهان الصحفي وعدم التزامه بالقوانين والضوابط ، يفقده الاحترام وثقة الرأي العام. وبذلك على الصحفي أن يبذل الجهد من اجل توفير المعلومات الكاملة والسعي وبإصرار للحصول على الحقيقة وتقديم الأخبار بدقة، دون تشويه . وعليه أيضا إعداد تقارير تحليلية مبنية على فهم مهني وليس على انحياز شخصي بهدف كسب ود أو دعم المسؤول أو الزعيم أو الحزب والتنظيم ومقاومة أية مصلحة شخصية يمكن أن يؤثر على الواجب الصحافي في خدمة الشعب .
وعلى الصحفي في ميدان الصحافة الالكترونية أن يستخدم الأدوات التقنية بمهارة وتفكير، متجنبا التقنيات التي تشوه الحقائق، وتزور الواقع، وتخلق إثارة من الأحداث.
يبدو أن الصحافة ، أمام قفزة جديدة ، من التطور والتأثير في أوساط الشعوب والأمم ، وأمام ثورة ستساهم في تغيير مجرى التاريخ ، وحتى لا يتم تشويه مسار الثورة الاعلامية ويصيبها كما أصاب الثورات في الوطن العربي من فوضى وتشويه وانحراف ، وعلى الصحفي أن يكون بمستوى المسؤولية ومستوى تطور وسائل الاعلام والتقنيات والتكنولوجيا والانترنيت ، وأن يكون صحفيا عصريا يؤدي واجبه بأمانة ومسؤولية عالية حتى لا يفقد دوره الطبيعي والريادي في خدمة الشعب والوطن .