وكالة القدس للأنباء – مريم علي
أصدر الكاتب هيثم أبوالغزلان كتابه الجديد " نقش الجرح".وهو عبارة عن مجموعة من النصوص تجسد وجع اللجوء،والإنسان والوطن والمقاومة والشهداء،يجمع بينها رابط واحد هو فلسطين.
وفي هذا السياق، تحدث أبو الغزلان، لـ"وكالة القدس للأنباء"، عن الرابط الذي جمع نصوص "نقش الجرح"، قائلاً: "إن الرابط وكلمة السر فيه هي فلسطين، بكل ما تحمله هذه الكلمة، وكل ما تحويها من مفردات الشهادة والقوة والمخيم والعودة والتحرير.."، مبيناً أن "الكلمات الصادقة تعبير يستكنه لواعج القلوب، وصرخة مُجلجلة عندما يضيق الخناق وتكْثُرُ الرزايا، ويَظُنّ البعض أن القلوب قد تُوَقَّف، أو يغادرنا الليل دون فجر مشرق.. هي تعبير عن حبنا للحياة على أرض الله بين أشجار التين والصنوبر، والدالية وقطوف العنب، و"المسخّن"، ونافورة الماء، وكرسي الجدّ والجدّة، ولِحَاف الوالد، و"كاسة" الشاي عند العصرونية.. وبصهيل الخيل، وبموج هادر عند أسوار عكا، وبحر حيفا، وجبال صفد، يناجي وطناً سليباً، ويخترق لجج التيه، يُحدّق على مدى النظر بسهول مرج بن عامر وحقول السنابل، على مساحة الوجود ناثرين كل أمل في غد مشرق، وفجر قريب".
وأشار إلى أن "نصوص "نقش الجرح" هي تعبير عن النفس، والإنسان، والوطن، والمقاومة، والشهداء، وذكرى حبيبٍ لا يفارقني.. تُعبّر عن الشوق اللاهب لاحتضان أرض فلسطين الحبيبة، وأشجارها، وحبل الغسيل، ومناديل "فاطمة"، وهواء "الجليل"، وتراب "حيفا" وبياراتها، وشمّ رائحة عطر ليمون وبرتقال يافا، و"الأقصى"، و"الناصرة"، والسير بطرق القدس العتيقة".
وأوضح أنه " لا ينبغي نزع كتاب "نقش الجرح" عن سياق عام من الكتابة التي تناولت بها قضيتنا فلي مثلًا: "لفلسطين حبر العشق"، 2016. و"الإسلاميون الفلسطينيون: الأيديولوجيا والممارسة"، وكتيّب "اللاجئون الفلسطينيون والتوطين.. مخاطر عديدة وحلول تصفوية، 2008"، وكتبت مئات المقالات.. وأنهيت رواية ستصدر بإذن الله هذا العام".
وعن أقسام الكتاب، قال: "في الواقع تم تقسيم الكتاب إلى قسمين: قسم تحدثت نصوصه عن "..وانفرجت أسارير "غزة" بانتصار"، و "غزة تُعلن جدارتها بالحياة"، و "لاجئ من عين الحلوة"، و "تل الزعتر المخيم الذبيح"، و" تسلّلٌ إلى شقوق الأرض"، و "الشهداء: هل يحبُّون الموت حقاً؟"، و "الشقاقي والميلاد الجديد"، و "إلى شهيدات فلسطين"، و "نشأت ملحم بطل المواجهة"، و "علي دوابشة.. يا من بالنار تلفّع"، و "فتى القدس"، و "تمرُّد الروح وزيتون الأرض"، و "جنين سر الشهادة وأول"الانتصار" و "طائر الحريّة يعود إلى حيفا"، و "شاتيلا يا عيناً بكت دماً وألماً وحزناً"، " و "وصايا أم"، و "أيها المتفجر غضباً ولهباً"، و "عروس فلسطين"، و "رمز جيل متمرد"، و "سنبقى في بلادنا ويرحلون"، و "نشيد الزلزلة"، و "سر القدس"، و "الحرية المشتهاة"....
والقسم الثاني تناولت النصوص فيه وفاة والدي وما كتبت عنه وبطبيعة الحال أن يكون التناول فيه من شفافية المشاعر الموغلة في حرارة الفقد والغياب فهذا أمر أكثر من طبيعي، يقول تعالى: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)".
وجع اللجوء
وبيّن أبو الغزلان أنه "تطرقت إلى وجع اللجوء من خلال الكلام عن المخيم، وأقصد هنا بالتحديد مخيم عين الحلوة، الذي ولدت فيه وترعرعت ومشيت في زواريبه، فكنا امتدادًا لأهلنا رغم أن خيمة المخيم ذهبت، لكن أناسه ظلّوا يحفرون في صخر الجبال قصة جديدة لفجر العودة القادم بالتأكيد"...
وأضاف أنه: "وفي نص عن المخيم كتبت:"أطلق يديك والغضب، أطلق شعلة النار ولهيب الألم.. احمل الروح تقذفها... احمل كلّ أماني الطفولة، ودموع النساء والأحبَّة والأطفال، اجعل الجسد جسر عبور بين الوطن والوطن. دع الأمل يَعْبرُ عبر حقيبة الشظايا، دَعْها تلوّن: سماءنا، أشجارنا، زهورنا، أسماءنا... دعها تنتفض عبر خيوط الصباح تجتاح نهارنا المسبي... وتصل للقدس رسالة وعنوان...تمر السنون، وأيام العمر تتشابه، ووحدهم الذئاب قادرون على البقاء؛ فلا ورد يُزهر، ولا عمر يكبر عند طغيان. ويصبح الوطن وحده في المنفى بلا تضاريس، ولا عنوان ... ويضيع فيه الإنسان.
هنا نكتب بأمل الواثق بالنصر الأكيد؛ أن الأعداء يمكن أن يُحاصروا القمر، ويأخذوا كل نور الشمس، ويكسّروا عظام الأطفال، ويدمّروا المنازل، ويحطّموا الأبواب، ويجعلوا الدنيا سجناً للأبطال، ويمزّقوا أكفان الشهداء، ويحرقوا كلّ شيء كما التّتار، لكنّهم لن يستطيعوا منعنا من عشق الأرض والتّشبث بالتراب فنحن «نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً»".
فجر جديد
وعن سؤاله حول ما إذا كان متفائلاً بفجر جديد، رغم السواد في بعض النصوص، قال: " يقول الله تعالى" "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين"..و"نحن محكومون بالأمل" كما يقول الكاتب المسرحي "سعد الله ونّوس"..ونرى هذه الطريق المعبّدة بدماء الشهداء هي طريق تؤدي إلى النصر..
والروائي إبراهيم نصرالله في روايته "أعراس آمنة" يشير إلى أن "الدموع ليست هي الحزن، الحزن هو أن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تبكي أمام أحد من أجل هذا الأحد"..
وأضاف: "يُشرّفني أن أنقل هنا، ما كتبه الكاتب والروائي الفلسطيني المقيم في الإمارات العربية المتحدة الأستاذ "أنور الخطيب" عن "نقش الجرح" أنهما مفردتان تعبران عن الصبر، والفلسطيني سيد الصابرين في عصر يهرول فيه الجميع نحو رفع الراية البيضاء بلا حياء، ومنهم من يحسب نفسه على القضية الفلسطينية زوراً وبهتاناً."
وأوضح أن "النقش عملية بطيئة، فإذا كانت في الجرح فإنها بمعناها المادي ستكون العذاب الحقيقي، إلا أن الأديب أبو الغزلان ربما أراد من وراء هذا العنوان أن يكتب الجرح، وهو فعل يتم بعد أن يكون الجسد قد أُثخن بالجراح، ولا بد من الكتابة عنه، وهنا تتحول الكتابة إلى معاناة، لا تقل عن فعل المعاناة نتيجة القهر والظلم والهزيمة والخيانة. وأضاف الأديب الخطيب أن واقع الفلسطيني النازح واللاجئ أو المقيم في وطنه تحت الاحتلال، يحتاج إلى مجلدات كي يكتب جرحه النازف منذ أكثر من سبعين عاماً، وهي الفترة التي تؤرخ للنكبة، وأشار إلى أن الكاتب يرصد يوميات اللاجئين في المخيمات، من عين الحلوة إلى شاتيلا، حيث يكابد الفلسطيني يوميا ويلات التهميش ونكران حقوقه الإنسانية، دون أن يمسسه اليأس، ويبقى يغني للأمل كمن يحفر في الصخر الصلد.."
وفي نهاية حديثه، أكد أبو الغزلان، أن "النص الذي يكتبه الشهداء يبقى فوق كل شيء، ولذلك مهما كانت كلماتنا منمقة وقوية وجديرة بالحياة، تبقى عاجزة عن التعبير عن دمعة أم، أو نقطة دم من شهيد، أو عذابات الأسرى والجرحى.. يقول أحد الأدباء: تبقى كلماتنا عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبّت الحياة فيها.. ويقول الروائي إبراهيم نصرالله في روايته "أعراس آمنة" "الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحس لحظة أنه هزمنا وإن عشنا سأذكرك أننا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرر!"، مشيراً إلى أن "الوقت الآن للتحرر، وبعد التحرر للعمل والبناء".