recent
أخبار ساخنة

و للحمقى دور في قيادة الشعوب !

الصفحة الرئيسية




"الأحمق المطاع " كان هذا وصف الرسول عليه الصلاة والسلام لزعيم قبيلة غطفان العربية العريقة

عيينة بن حصن . كان الرجل موصوفا بالحمق و التسرع و التردد و لكنه كان مطاعا في قبيلته

القوية و يتمتع بقيمة عالية لدى القبائل العربية المحيطة . قال ابن الاعرابي : الحماقة

مأخوذة من " حمقت السوق" إذا كسدت ، فالاحمق كاسد العقل و الرأي ، فلا يُشاور و لا

يُلتفت اليه في امر حرب . قال ابن اسحاق : اذا بلغك ان غنيا افتقر فصدق ، او حيا مات

فصدق ، و اذا بلغك أن احمق استفاد عقلا فلا تصدق . و للاحمق اسماء كثيرة منها : الرقيع..

الخطل.. المأفون.. الاهرج.. الاخرق.. الجعبس.. الهتور .. المائق ، و اسماء اخرى . قال

حليم العرب الاحنف بن قيس " إذا رأيت الرجل عظيم الهامة طويل اللحية فاحكم عليه

بالرقاعة و لو كان امية بن عبد شمس " و قال ابن سيرين : اذا رأيت الرجل طويل اللحية

فاعلم ذلك في عقله ، و اما زياد ابن ابيه قال : ما زادت لحية رجل عن قبضته الا كان

ما زاد فيها نقصا من عقله . و قال بعض الشعراء :

اذا عرضت للفتى لحيته .... و طالت فصارت الى سُرته

فنقصان عقل الفتى عندنا .... بمقدار ما طال في لحيته

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ما عدمت من الاحمق فلن تعدم خلتين : سرعة الجواب

و كثرة الالتفات . و من خصال الاحمق فرحه بالكذب في مدحه ، و تأثره بتعظيمه و إن كان

غير مستحق لذلك . و قال الاصمعي : إذا اردت ان تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه

بحديث لا اصل له ، فإن اصغى اليه و قبله فاعلم انه احمق ، و إن نكره فهو عاقل .

تناولنا قول بعض الاعلام عن اصحاب اللحى الطويلة من باب النظر في بعض الحمقى الذين

يحاولون استخدام الدين لتنفيذ حماقاتهم او للتدليس على الناس و تبرئة ساحة اسيادهم من الحكام .

اولئك الحمقى من اصحاب اللحى لا دين لهم ، قد يكونوا مسلمين او مسيحيين او يهود او بوذيين

او سيخ و قد يكونوا علمانيين لا يعترفون بالاديان و لا يقرون بالدساتير و لا بالكتب السماوية .

و من اخلاق الحمق : العجلة و الخفة و الجفاء و الغرور و الفجور و السفه و الجهل و الخيانة

و الظلم و التفريط و الغفلة و الخيلاء و المكر . و لقد فند العرب مزايا الحمقى و هي عديدة

قد لا يمكننا حصرها . فهناك احكام قامت على المظهر و اخرى على الفعل ، و كلها ممكنه

و قائمة و لا بد من ملاحظتها . و الحمقى ليست لهم طبقة معينة و ليسوا فئة اجتماعية واحدة .

فمنهم الفقراء و الاغنياء ، و الرعاع و القادة ، و اشباه المثقفين و الجهلة . و منهم من له

اصل و نسب و منهم بلا انساب ، و منهم من تسبب بقتل ملايين البشر و منهم من تسبب

بقتل نفسه ، و منهم الجميل في المظهر و منهم القبيح ، و منهم الطويل او القصير

و الهزيل و السمين و المتمدن و المتخلف و الاشقر و الاسود و العربي و غير العربي .

ان الاحمق البسيط عندما يقوم بافعاله الخرقاء يكون تأثيره في معظم الاحيان محدودا في

محيطه و على عائلته و جيرانه و بلدته و ربما يكون هو نفسه ضحية حماقاته . ان

فعل الاحمق يستنكره كل عاقل مهما كانت مكانته الاجتماعية او العلمية . هذه هي

القواعد المنطقية للتعامل مع الحمقى ووضعهم في مكانتهم و ضمن حدودهم حتى لا تؤثر

حماقاتهم على ارواح و ارزاق الناس . لكن الحقيقة مغايرة في كثير من الاحيان ،

فكم من الحمقى قادوا شعوبهم الى الهلاك و بلدانهم الى الدمار و أعادوا البشرية

قرونا الى الوراء . المشكلة لا تكمن هنا ، بل كيف وصل الاحمق الى سدة الحكم

و كيف تمكن من اصدار قرارات مصيرية و أين حكماء القوم و المثقفون و المتعلمون

و أين افراد الشعب ؟ بل الحقيقة التي تثير العجب عندما يكون الاحمق -الزعيم- قد

تم اختياره من الشعب او من قادة الحزب، و عندما يقوم الاعلاميون و المثقفون ووجهاء الامة

بدعمه و الوقوف الى جانب قراراته ، ثم ينخدع الشعب و يسير خلف قادته و رجال اعلامه

و يقبل ان يكون ضحية رجل احمق يسير بهم الى الدمار و الكراهية و الحقد و الحروب العبثية .

لقد مر على الامم و الشعوب القديمة و الحديثة حمقى قادوا اممهم للهلاك و كانت اممهم

مستعدة للفناء من اجل ارضاء غرور و حماقة الزعيم . عندما دخل بعض العقلاء

على الزير سالم التغلبي لوضع حد للحرب بين ابناء العمومة بني تغلب و بني بكر

قالوا له اطلب ما تريد دية عن اخيك كليب فرد عليهم : اريدكم ان تردوا الي كليب حيا .

فدامت حرب البسوس مدة اربعين عاما تخللتها ممارسات وحشية لا يقبلها عقل كقتل الاطفال

و بقر بطون الحوامل ، و تسببت هذه الحرب بقتل عشرات الالاف من الطرفين .

اما الحرب بين قبيلتي عبس و ذبيان العربيتين العريقتين فكان يمكن حلها في جلسة

بسيطة توزع فيها الحلوى و يرتشف الحاضرون قهوتهم و يتسامحون و تنتهي العداوة .

لكنهم اختلفوا على سباق داحس للغبراء ، و لان افراد من ذبيان غدروا بداحس بعدما

تأكدوا من فوزه على الغبراء فقامت الحرب الطاحنة التي افنت القبيلتين معا .

فإن كان العرب قد عرفوا مثل تلك القيادات الخرقاء في جاهليتهم ، و انقادوا

لحروب يخطط لها مجموعة من الحمقى المتخلفين ، فإن غير العرب قد اشتهروا

بمثل هذا في الماضي و الى ايامنا الحاضرة . فهذا جنكيزخان يقود شعبه المتوحش

الصغير و الذي يعيش في مناطق نائية على حدود الصين الى غزو بلدان العالم الكبرى .

احتل هذا الشعب الصغير روسيا و الصين و اليابان و الهند و معظم اوروبا و الشرق

الاوسط و انهى الخلافة العباسية عندما اقتحم بغداد في عام 1258 و قتل الخليفة المستعصم .

لكن بالنهاية ماذا كان يريد سوى سفك الدماء ، لم تكن له رسالة و لا غاية لاخضاع الشعوب،

لم يكن يريد سوى القتل ! حتى انتهت اسطورة المغول على ايدي المسلمين المماليك

في عين جالوت عام 1260 بقيادة القائد المسلم سيف الدين قطز ، ثم استكمل الحكام

المماليك مهمة انهاء الدولة المغولية . قبل ذلك حكم نيرون الامبراطورية الرومانية

و لحمقه و كراهيته لوالدته و اقاربه و حاشيته احرق روما بعدما قتل الكثير من السياسيين

و رجال الدوله و رجال الكنيسة الكاثوليكية ، كان هذا جزاء اختيار القادة الروم لامبراطورهم .

و حكم مجموعة من الحمقى دولهم و قادوها الى الهلاك كما كان الحال مع نابليون وستالين و

هتلر و موسوليني و غيرهم من الذين لا يمكن حصرهم على مدى التاريخ البشري . لم تتعلم

الشعوب من الماضي فبقيت هذه العينات من الحمقى تصل الى اعلى مستوى من المسؤولية

في بلدانها و تركت على غواربها تتخذ قرارات مصيريه و تضع شعوبها في صراعات لا طائل

منها و عداوات لا ضرورة لها و اقتصاديات منهارة و خسائر بشرية بلا اسباب موجبة .

و ربما يكون ابرز احمق في العصر الحالي هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، و اختياره

يعبر عن مستوى التدني في العمل السياسي و الحزبي في الولايات المتحدة و عن مستوى

تدني المسؤولية في الاختيار لدى الناخب الامريكي . هذا رجل غير سوي اطلاقا ، و لولا

ان هناك مؤسسات تحكم البلاد و قضاء قوي فوق الاشخاص لكان الرئيس ترامب

قد قاد بلده الى حرب عالمية جديدة لا يدري احد كم ستكون خسائرها مع تطور الصناعات

الحربية و امتلاك الدول للاسلحة النووية المدمرة . قد يقف المرء حائرا امام اختيار

الشعب الامريكي لهذه الشخصية غير المتوازنة و المختلة عقليا و التي يمكن لحمقها

ان ترتكب كل شئ و تورط الدولة في مشاكل و صراعات دولية لا مصلحة للشعب الامريكي

بها . بدأ بتهديد كوريا الشمالية التي يقودها صبي لا يخلو من الحمق ايضا . و افتعل مشكلة

بخصوص المبادلات التجارية مع جارتيه كندا و المكسيك ، و مشكلة في التصدير و الاستيراد

مع الصين و اوروبا . و مشكلة مع ايران و مع غيرها من الدول على مساحة الكرة الارضية .

لكن اهم ما ارتكبه هذا الاحمق المطاع هو نقل سفارة دولته الى القدس و هو بهذا لا يعادي

الشعب الفلسطيني و الامة العربية و المسلمين فقط بل انه يخالف القانون الدولي الذي

لا يقر بالاحتلال الصهيوني للقدس و للاراضي المحتلة عام 1967 . هذا القرار الذي

لا يعدو كونه عن قرار متسرع و موغل بالكراهية و العنصرية و العداء ، فهو ليس في مصلحة

الشعب الامريكي الذي يضعه ترامب في دائرة المواجهة مع الامتين العربية و الاسلامية

و ذلك خدمة لاهداف الاحتلال الصهيوني . فلو كانت الامة العربية في وضع افضل

و كان حكامها يتمتعون بشئ من الكرامة الوطنية و القومية لكان لهذا القرار تداعياته

الاقتصادية و الامنية و السياسية على الولايات المتحدة . و بكل الاحوال فإن هذه الحماقة

الامريكية لا تؤخر أو تقدم بالحقيقة و بالحتمية التاريخية بأن القدس عربية إسلامية

و أن عودتها و معها كل ذرة تراب من فلسطين هي مسألة وقت . فوجود سفارة أو قنصلية

أو حتى قاعدة أمريكية لا يتعدى عن كونه هروب للإمام من أجل طمأنة الاحتلال

و إدارة الظهر للحقيقة الثابته بأن الشعب الفلسطيني و من ورائه الأمتين العربية و الاسلامية

لن يتخلوا عن فلسطين مهما تقادم الزمن . القدس لم تكن يوما رهينة بأيدي زعيم غربي

أو عميل عربي أو مستسلم فلسطيني. انها شرف الأمة و من يتخلى عن شرفة إلا كل رخيص؟

فلو اجتمعت امريكا و معها كل دول العالم لن يصنعوا من الاحتلال شرعية مادام أصحاب الأرض

متمسكين بأرضهم ، و شعب فلسطين لم و لن يتخلى عن ارض فلسطين التاريخية الا من قبل

بعض اليائسين المستسلمين الذين لا يرون آفاقا للمستقبل ، و يعتقدون ان هذا الواقع باق كما هو

الى يوم القيامة ! على الشعب الفلسطيني أن يطالب و يتحرك و يستنكر لكن دون أن يعطوا

هذه الخطوة أكثر من حجمها ، فمادام هذا الشعب يقاوم و يمارس كفاحه المسلح

فإن كل مؤامرة تتكسر على صخرة صموده و على قوة تمسكه بالحقوق و عدم المساومة

على شيء منها. نعم ان في البيت الابيض احمق ، و هناك في كثير من الدول حمقى يقودون

بإرادة شعوبهم و باختيار حر ، و عندنا اثنان و عشرون احمقا مفروضين على الامة . منهم جاء

بقوة السلاح و بالتزوير و بالخداع و بما تفرضه علينا الدول الكبرى و المنظمات الماسونية . حمقى

يقدمون المليارات للاحمق الاكبر و يتآمرون على شعوبهم و امتهم . حمقى يقتلون و يدمرون من اجل

كراسيهم ، حمقى يحبون انفسهم و يحبهم اعداء الامة و تكرههم شعوبهم . بعضهم دخل في خرفه

بعد طول عمر من الحكم حتى صدأ الكرسي تحته ، و بعضهم جاءه الحكم بالتوريث و على طبق

من ذهب فعاث فسادا و تنكيلا . و اغرب ما في الامر ان هناك حمقى من العامة هم الاكثر تضررا

يصفقون و آخرون من الشعراء و الاعلاميين و رجال " الفكر" و الانتهازيين و الوزراء و المستفيدين

يطبلون، و اصحاب عمائم على المنابر يدعون له بطول البقاء ، فأية طامة اكبر من هذا !

هؤلاء الذين يجب ان يقفوا في المحاكم ليحاكمون على ما فرطوا بحق الامة ، و على ضياع القدس

في عهودهم تقال فيهم القصائد و تكتب المقالات و تتصدر صورهم الصحف و تلوى اعناق

الآيات و الاحاديث للحث على طاعتهم و الانصياع لارادتهم . حماقات مركبة ، فيما العقلاء يقبعون

في المعتقلات او يمنعون من الكلام او مهددون او منفيون . و مع هذا فالخير في الامة موجود،

و الامل كبير و التغيير قادم ، و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .



ماهر الصديق





.

google-playkhamsatmostaqltradent