نعم هناك أجهزة أمنية لا حصر لها في كل بلد عربي ، و كذلك في كل حزب
و إطار تنظيمي ، و لكنها أجهزة غير مهنية و مترهلة و فاسدة و مخترقة و بلا عقيدة
وطنية حقيقية . تنحصر مهماتها في حدود الدفاع عن الاستبداد المتمثل بالدكتاتوريين
و سلطاتهم الموغلة بالتعفن و الجهل و التبعية . امن للمحافظة على انظمة انتهت
صلاحيتها منذ أمد بعيد في بلاد العالم الا في بلادنا ! قوى امنية تتجسس على
بعضها البعض و على المعارضة و على عموم ابناء الشعب ممن لهم نشاطات واضحة ،
بل و من الهامشيين الذين لا حول لهم و لا قوة . يستوردون الاجهزة الحديثة للتنصت
على مكالمات السياسيين و رجال المجتمع و الاقتصاد و رجال الدين و الاعلام ، و على
كل من يتناول السلطات و الزعماء بالنقد ، و على كل من يظهر امتعاظه من أداء
الرئاسة و الحكومة و النواب ، و على كل من يتحدث عن الفساد و تبذير الاموال
العامة و نهب ثروات البلاد و الارتباط بالدول الكبرى . كل هذا النشاط المحموم
و تلك المراقبة المتواصلة و التنصت و التجسس و الاعتقال العشوائي و التعذيب
الجسدي و النفسي و ارهاب الامنين ليس له علاقة من قريب او بعيد بشبكات التجسس
و الاختراقات المعادية و التدقيق و البحث بالحوادث ذات الطابع الامني ، الا اذا ساقت
الصدفة دلائل لايمكن ادارة الظهر لها ! نوع من الاستهتار و اللامبالاة تتحكم في عمل
الاجهزة الامنية و هو ما يسهل على العملاء التقاط المعلومات و مراقبة من يجب
مراقبتهم من قبل الموساد و الذي يؤدي في نهاية المطاف الى استهداف الرموز العلمية
و السياسية و رجال المقاومة ، و بث الفتن و الدعاية و التخريب الاجتماعي و الاخلاقي
سيما في الوسط الشبابي ، و كذلك في اعمال التجنيد و استغلال الظروف المادية و النفسية
و الاجتماعية و فقدان الفرص امام الشباب لحرفهم و تسهيل اصطيادهم و تشغيلهم .
اذن المخابرات الصهيونية تعمل ليلا نهارا لاطفاء اي بصيص نور في هذه الامة
عبر ملاحقة المبدعين و العلماء و المقاومين و اغتيالهم في اي ساحة من الساحات
يمكنهم الوصول اليها و نحن في سبات عميق نتلقى الضربات و نتأسف على النتائج
الكارثية التي تلحق بالامة من اطرافها بما يمنع تطورها و تقدمها في المجالات التي
يمكن ان تؤثر على امن ووجود الكيان الاحتلالي . كل علمائنا و مقاومينا و مبدعينا
في دائرة الاستهداف ، فيما الصهاينة و عملائهم يصولون و يجولون في عواصمنا
و مدننا ، حتى انهم دخلوا الى اقدس مقدساتنا دون عقبات . ليست هناك اجهزة
حكومية او غير حكومية تتابع الامور ، فلو ارادت المؤسسة الصهيونية
اخفاء اختراقاتها و اجرامها لما عرفناها او سمعنا عنها .
ان القوى الامنية العربية بلا استثناء مخترقة و معلوماتها تتحول مباشرة للدوائر
الصهيونية و الاجنبية المعنية بالاوضاع في بلادنا . فاغتال الصهاينة ابو جهاد في تونس
ثم محمد الزواري ، و ادخلت اكثر من عشرين عميلا من عملائها الى دولة الامارات
بالاضافة لعميلين مقيمان هناك لاغتيال المقاوم محمود المبحوح في الامارات ، و قامت
بعمليات في سوريا و لبنان و مصر و ربما في كل بلد عربي ! و لكننا لم نعرف لعدم
شهرة الضحية او للتعتيم من قبل السلطات . و من اكبر عملياتها اغتيال ابو عمار في
مقره و هو محاط برجال الامن و الحرس الرئاسي . و بالرغم من العدد المحدود
للاشخاص المتواجدين في المكان الا انه لم يكشف عن القاتل الى الان ، مع وجود
الامن الرئاسي و الوقائي و الخاص و الداخلي و مسميات امنية مختلفه و مازالت
الدعوة ضد مجهول ، و كأنه لا يراد كشف القاتل العميل الذي تلقى اوامره من تل ابيب .
ان الحقيقة المؤلمة بأن عدونا يعمل في الليل و النهار لرصد كل تطور فردي أو جماعي
و دراسة كل ظاهرة سلبية كانت أم إيجابية و مراقبة دوائر الدولة و الأحزاب و الأفراد .
يشكل العدو لجان متخصصة لدراسة كل شيء عندنا ، كل ما يتعلق بالاوضاع التي
تؤثر على أمنه و مستقبل وجوده ثم يقوم بما يلزم لتدمير تلك الحالات الواعدة،
و اغتيال العقول المبدعة التي تجتهد من أجل نهضة الأمة و عزتها . و هناك دائما أدوات
تقوم بالمهمة نيابة عنه ، أدوات تحمل أسماء عربية و تتحدث بلسان عربي و تتبع
لقبائل عربية و تتصدر وسائل الإعلام و لها مسؤوليات و مراكز رسمية و غير رسمية .
ربما يكون بعضها في مواقع كبيرة و حساسة في مؤسسات امنية و عسكرية
و سياسية و اجتماعية و اقتصادية و اعلامية ، كل يقوم بدوره في خدمة العدو ،
و حسب الخطة المرسومة من الأسياد في تل أبيب . الأمة تنزف الأدمغة و تخسر
الابطال و المقاومين و الأوفياء الوطنيين فيما تبقى البلاد رهينة الجهلة و المفسدين
و العملاء و تحت السيطرة الكاملة من العدو و لكن من خلف الستار . فالى متى يبقى
هذا النزيف و كيف الخلاص ؟ اذا اعتمدنا على الدول و اجهزتها فاننا سنبقى تحت
الرماح الصهيونية ، فإن كانت القوى " النظيفة" في هذه الامة تريد ان تدافع عن
الحق في التطور و صناعة القوة يجب عليها ان تحمي العقول المبدعة التي يمكن
ان يتعرضوا لما تعرض له اقرانهم من اعمال اغتيال على مساحة الكرة الارضية،
و هذا يكون من خلال توجيه كل الطاقات لمواجهة المتعاملين مع العدو .
بما فيهم اؤلئك العملاء الاعلاميين و السياسيين الذين يدافعون بكل بجاحة عن كيان
الاحتلال و يتعرضون لرجال المقاومة بكل اساءة و اتهام . ان هؤلاء لا يقلون خطرا عن
العميل الذي ينفذ بيده او بتقريره ، و لا عن القاتل الصهيوني الذي ينفذ بادواته الاجرامية
الدموية . ان كل من يسفه الشهداء و قادة المقاومة و ابطال الامة كصلاح الدين الايوبي
و خالد بن الوليد و غيرهما من الاعلام الابطال الذين اقاموا مجد الامة على مدى
التاريخ انما يقومون بمهماتهم التي تريد سلخ الامة عن ماضيها و مسخ حاضرها
و الحؤول دون صناعة مستقبلها . لا يمكن ان نعتبر هذه الحملات نابعة عن جهل
و بانها عفوية و غير مدبرة ، ان هذه مكملة لتلك فهي كلها حلقات تكمل بعضها البعض .
يجب على الطليعة الثورية و الوطنية العربية ان تمتلك زمام المبادرة ، و تعمل
لتشكيل لجان متخصصة تراقب و تبحث في الشؤون الصهيونية ، و ان تعمل
لامتلاك المعلومات التي تمكن من معرفة العلماء و القادة العسكريين و الامنيين
و دراسة تحركاتهم و استهدافهم مثلما يستهدفون علماؤنا و قادتنا و ابطالنا .
يجب ان يرتدع الصهيوني و يدرك بان صاعه بصاعين و ان دماء ابناءنا ليست رخيصة .
و قبل كل شئ يجب تنظيف ساحتنا من الاعين التي تقدم المعلومات ، فهؤلاء هم الخطر
الاول و لولا المعلومات التي يقدمونها للعدو لما تمكن من استهداف علمائنا و كوادرنا .
ماهر الصديق
