يجب ازالة احدهما حتى يُزال الاخر ، هذه المعادلة الصعبة لا بد من حلها لدحر الاحتلال .
النكبة و الاستبداد صنوان متلازمان ، كل منهما شرط من شروط بقاء الآخر ، فلولا هذه
الشرذمة التي توالدت جيلا بعد جيل لما حصلت النكبة و لما تمكن الصهاينة من احتلال
فلسطين في ايار 1948 ثم الاجهاز على ما تبقى منها بالاضافة لبعض الاراض العربية
في حزيران عام 1967 . كان لا بد من بعض المقدمات التي تمهد للنكبة ، اهمها
التخلص من الدولة الكبيرة التي كانت تشكل مانعا قويا في وجه الحلم اليهودي للسيطرة
على فلسطين ، و التي اصدرت مراسيما سلطانية تمنع الهجرة اليهودية ، و رفضت
الاغراءات المالية و السياسية الطائلة في مقابل السماح بالهجرة . فما كان من اليهود
الا ان يشعلوا فتيل الحرب العالمية الاولى ، و لكن بعد ان مهدوا لاضعاف الدولة من
الداخل عبر الحركات الماسونية و على رأسها حركة تركيا الفتاة ، ثم السيطرة الفعلية
على السلطة عام 1909 من خلال حركة الاتحاد و الترقي ، و بهذا ضمنوا دخول
الدولة الضعيفة المثقلة بالديون تلك الحرب الخاسرة و التي ستؤدي بدورها لانهاء
وجود الدولة القوية في فلسطين و احلال الانتداب البريطاني مكانها ، بعدما كان
الانكليز قد وعدوا باقامة الوطن القومي لليهود على لسان وزير الخارجية
اللورد بلفور . و تفتيت الوطن العربي لدويلات هزيلة و عميلة من خلال اتفاق
بريطانيا و فرنسا على تقاسم المنطقة المحيطة بفلسطين و هو ما سمي باتفاق سايكس-بيكو
1915-1916 . وضع اليهود حجر الاساس لكيانهم الاحتلالي مع هزيمة الدولة العثمانية
و سيطرة الحركة الماسونية" اليهودية" عليها ، و مع دخول القوات البريطانية الى
فلسطين و البدء باستقبال موجات المهاجرين اليهود . و في المقابل نصبوا عملائهم على
الدويلات العربية التي نشأت بعد اندحار العثمانيين لحماية الكيان الاستيطاني .
الدعم الغربي و بروز الطغاة المستبدين مع انتشار العملاء في الجزيرة العربية
و في الدول المحيطة بفلسطين كل هذا كان يشكل الارهاص الممهد للنكبة . و ما كانت
النكبة لتحدث لولا تآمر الطغاة المستبدين الذين كانوا ادوات بايدي ضباط الانكليز
الذين عملوا بجهود كبيرة لاحباط الثورة الفلسطينية التي كانت تواجه الانكليز و العصابات
الصهيونية على حد سواء . ضاعت فلسطين و معها اراض عربية اخرى بفضل الطغاة
المأجورين و بقي الفلسطيني يبحث عن سبيل للتحرير لا يثنيه تآمر المتآمرين و لا تمنعه
الحواجز التي وضعها العملاء في كل بلد عربي لمنعه من التخلص من النكبة و تداعياتها .
توالد الطغيان و استشرس و زاد من ارتباطه بالقوى المعادية و طور في دكتاتوريته و قمعه
و استئثاره بالسلطة و افقر الشعوب و افشى الفساد و الجهل و الآفات و حول البلاد
الى مزارع عائلية و الشعوب الى قطعان تساق بالسياط . هكذا حتى وصلت الامة الى
هذا الحد من الحضيض و الظلام . اوطان تنتهك فيها كل القيم الانسانية ، تمتلئ بالمعتقلين،
تنتشر فيها القبور الجماعية ، تنهب ثرواتها و تداس كرامة الانسان، فيما يُهتف في الساحات
بحياة القائد -الزعيم الاوحد الذي لا بديل له ، و يُهتف معه لعائلته و حاشيته و معاونيه !
نعم الامة في خطر ... لقد تمكنت الصهيونية و معها فروعها الماسونية من زرع العملاء
الطغاة على رأس كل بلد عربي و في المقدمة بلاد الحرمين الشريفين . فيخرج من الخليج
العربي من يجهر "بحق" اليهود في فلسطين و ينكر الحق الفلسطيني و يعتبر المقاومة
الفلسطينية ارهاب و اعتداء على "الآمنين" الصهاينة ! و يُحتفل على ارض الكنانة
بذكرى النكبة ، و يرقص الاعراب بحطاتهم جنبا الى جنب و يدا بيد مع اصحاب القلنسوات
الذين يكرهون كل ما هو عربي فضلا عن المسلم ، يرقصون على انغام " مجد اسرائيل" ،
و يتبركون باليهودي الملطخة اياديه بدماء الفلسطينيين و العرب . هذه هي النكبة الحقيقية ،
فالنكبة الاولى ليست نكبة فعلية مادام هناك من يقاوم و يعمل على نسفها و التخلص
من نتائجها . النكبة الحالية هي الاستبداد الجاثم على عروش العرب و الذي يشكل الدرع
الواقي لكيان الاحتلال ، و يعمل بجهود حثيثة لقتل العداء تجاه الصهاينة في روح
و فكر المواطن العربي ، و النكبة ان تستنزف العقول المبدعة و تقتل في بلادنا و على
مسافة الكرة الارضية بايدي العرب و اليهود حتى يتحطم الامل بالتغيير و تمنع قيامة
الامة و نهضتها . انا على موقفي بان النكبة تزال بزوال الاستبداد و الطغيان و العكس
بالعكس فإن زوال الاحتلال سيكنس معه العملاء المستبدين المتربعين على عروش بلادنا .
لا بد من زوال واحد منها حتى يزال الاخر ، و ما ذلك على الله بعزيز . اننا من امة
نجيبة ، و ربما يكون التغيير اسرع بكثير مما يتخيله البعض و مما يخطط له الاعداء .
ماهر الصديق
إعلان منتصف المقال