منذ ان اعلن المأفون الامريكي عن قراره بنقل سفارة بلادة للقدس،
و اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال ، اظهرت هذه المدينة
المباركة المقدسة مكانتها العربية و الاسلامية و حتى الدولية . هتفت
الحناجر من المحيط الى الخليج بهتاف الغضب و السخط على المسخ
المعتوه و على موقفه و مواقف بلاده، و على من يتحالف معه و يؤيده
من الحكام العرب . و خرجت الجموع من المسلمين و العرب في كل
بقاع الارض يعلنون عن رفضهم لهذه المواقف العدائية الجائرة من قبل
الدولة الامريكية تجاه المسلمين و مقدساتهم . بل و ان كل حر شريف
من غير العرب و المسلمين شارك بالفعاليات المتضامنه مع الشعب
الفلسطيني و مع حقه في وطنه و عاصمته الابدية المقدسة . برزت
مواقف قوية من احزاب و شخصيات شعبية و رسمية تدعو للوقوف
بحزم ضد محاولات تهويد الارض المقدسة . كلها مواقف رائعة و معتبرة
و تدل على القيمة الحقيقية لعاصمة العرب و المسلمين و مكانتها في وجدان
كل عربي حر و شريف ، كونها تمثل شرف الامة و عزتها و حاضرها
و ماضيها . لم يشذ عن هذه القاعدة الا العربان المتآمرون على قضايا
الامة بالسر و العلن ! خرست مع اؤلئك الحكام أفواه شيوخ السلاطين
الذين يتخفون بعباءة الدين و هم اعداء الدين ، فلم تؤثر فيهم هذه الخطوة
التهويدية لاقدس مقدسات المسلمين ، و لم يلحظوا خيانات حكامهم الذين
قدموا مئات المليارات لدعم الرئيس الامريكي الاهوج عدو المسلمين الاول .
ان الخطوات التي اتخذت و المواقف التي اطلقت تستحق الاشادة و التقدير
و لكنها ليست كافية ما لم تتبعها مواقف عملية تجعل هذا الامريكي يتراجع
عن قراره، و تنذر من يريد ان يسير على ذلك الطريق من الزعماء العرب
و غيرهم و تجعلهم يفكرون الف مرة قبل الشروع في اية خطوة
تمس عروبة و اسلامية القدس . ان اقل ما يمكن فعله يكون بطرد سفراء
امريكا . او على الاقل التقليل من مستوى التمثيل الدبلوماسي
و طرد الموظفين الذين يعملون لاجهزة الاستخبارات بعباءة
دبلوماسية ، و يبحثون و يتدخلون في كل صغيرة و كبيرة تجري
في بلادنا . و يجب قطع العلاقات الاقتصادية و التعاون الامني و غيرهما
من العلاقات التي لا تخدم سوى الدولة الامريكية و من ورائها كيان
الاحتلال الصهيوني . المطلوب منا مواصلة الحملات في المحافل الدولية
و على المستويات الاعلامية و ابراز القدس الموحدة عاصمة لفلسطين .
ان الامريكي المتغطرس لا يعبأ بالخطابات و بالكلمات المنددة ، بل بالافعال
التي تهدد مصالحه في بلادنا في جميع النواحي . الجميع يعلم بان الظروف
العربية ليست في احسن احوالها و غير قادرة بواقعها الحالي ان تقوم
باعمال عسكرية لاستعادة القدس ، لكنها قادرة على دعم المقاومة في
فلسطين و على فك الحصار المفروض على قوى المقاومة . كذلك
يمكنها اطلاق الحريات للجماهير العربية حتى تعبر عن غضبها و رفضها
لاي اجراء يمس بالقدس الشريف . انه وقت الفعل امام القوى الطليعية
لمواجهة اعمال التطبيع و الاتصالات السرية و العلنية مع كيان الاحتلال .
يقع علينا كفلسطينيين الدور الرئيسي في مواجهة ما يحاك علينا من
مؤامرات ، حتى وصلنا الى مرحلة الوقاحة و البجاحة و التصريح
الواضح بالعداء لقضيتنا الوطنية و مقدساتها من قبل اطراف و شخصيات
عربية رسمية و غير رسمية و بالاخص في مصر و دول الخليج . فيتحتم
علينا اتخاذ المواقف التي تمليها علينا مسؤولياتنا الوطنية ، و في الاساس
منها اعلان موت اتفاق اوسلو بعدما تم نقضه من قبل دولة الاحتلال،
و بهذا فإن كل ما ترتب على اوسلو من تنسيق امني و مفاوضات
و اتصالات يجب ان تعتبر تجاوزا و تفريطا بالحقوق الوطنية الثابته
لشعبنا و يجب ان يواجه بقوة من الفصائل مجتمعة . و يجب ان توحد
الصفوف بافضل تجلياتها كما وحدت القدس شعبنا في المواجهات
و الفعاليات . علينا تشكيل غرف عمليات و هيئات تنسيق فورية
لتوحيد الموقف و مواجهة المخاطر بالطرق الخلاقة المؤثرة . ان الامة
العربية و الاسلامية موحدة خلف الموقف الفلسطيني . و لا يثبطنا تخاذل
بعض الرسميين من الملوك و الرؤساء الذين هم جزء لا يتجزأ من
المشروع الامريكي الصهيوني ، فليس هناك عربي حر شريف يقبل
بالتخلي عن القدس مهما كانت الاثمان . انهم الرعاع الحقيقيون الذين
ذهبوا مهرولين للاجتماع بترامب في الرياض و اداروا ظهورهم للقمة
الاسلامية في استنبول ، لا اراهم الا ادوات ينفذون المشروع الامريكي
ضد امتنا العربية و الاسلامية . ان شعوبنا العربية و الاسلامية تغلي
غضبا على حال الامة و هوانها . لكن دورنا مهم في صقل المواقف
و في استنهاض الامة . لقد وحدت القدس الامة في الماضي ، مع وجود
حكاما خونه من الدولة العبيدية في مصر ، و عاجزة كالخلافة العباسية
في بغداد . استطاع صلاح الدين ان يوحد الامة و تمكن من الانتصار في
حطين و بعد ذلك من فتح بيت المقدس . لم تكن الامة باحسن من حالها
الان ، لكن كان هناك قادة مخلصون حريصون على امتهم و مقدساتهم .
ان شعبنا في الاراضي المحتلة عام 48 و معه اهلنا في القدس و الضفة
و غزة و في الشتات و من خلفهم الامة العربية و الاسلامية موحدون
في موقف واحد من مسألة القدس ، انها فرصة للبناء على اساساتها
لافشال عملية التهويد لقدسنا و اراضينا المحتلة .

