recent
أخبار الساخنة

التعداد السكاني الفلسطيني.. تساؤلات في العمق؟

الحجم




سمير أحمد


الأرقام التي أظهرتها النتيجة الرسمية لـ"التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان"، التي أعلن عنها من مقر رئاسة الحكومة اللبنانية الخميس 20 كانون الأول/ ديسمبر، بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، وحشد من الوزراء والنواب والديبلوماسيين وقيادات سياسية لبنانية وفلسطينية ورؤساء منظمات دولية وممثلون عن المؤسسات العسكرية وباحثون وممثلون عن المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني، أثارت الكثير من التساؤلات، والاستغراب في الأوساط الفلسطينية واللبنانية على حد سواء. بسبب الهوة العميقة التي أظهرتها تلك النتيجة بين الأرقام المتوهمة وأرقام التعداد السكاني للاجئين الفلسطينيين في لبنان... بقدر ما أثار التعداد السكاني من شكوك لدى الغالبية العظمى من الفلسطينيين حول الهدف منه: التوطين، التهجير، تقليص الخدمات؟.

هذا التعداد وهو الأول الذي يتم بقرارٍ رسمي لبناني- فلسطيني (سلطة رام الله) منذ استضافة لبنان للاجئين الفلسطينيين قبل نحو 70 سنة. لم يشمل كل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وإنما اقتصر التعداد على اللاجئين الذين يقيمون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات اللبنانية، كافة.

وقد تحقق هذا التعداد في وقت لم يجر فيه لبنان أي تعداد لعدد سكانه اللبنانيين، ما دفع رئيس "لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني" الدكتور حسن منيمنة لتوجيه رسالة تجاوزت الملف الفلسطيني، موجهة إلى من يعنيهم الأمر في الداخل اللبناني، مفادها أن لبنان "يستطيع إجراء تعداد لمواطنيه على أرضه ويمكن ذلك من دون الإشارة إلى طائفتهم"!..



أرقام متناقضة.. ومتناقصة

أظهرت النتائج أكثر من مفاجأة، أذهلت معظم الحاضرين من لبنانيين وفلسطينيين وأجانب على اختلاف انتماءاتهم، ومستوياتهم ومسؤولياتهم. إذ تبين أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو 174422 الف فلسطيني، وهذا الرقم هو أدنى كثيراً من الأرقام المتداولة في السوق السياسي والإعلامي والتي تتراوح بين 450 ألف و600 الف لاجئي فلسطيني في لبنان... وأقل من الأرقام الموجودة في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية التي تبين وجود 592 ألفًا و711 لاجئًا فلسطينيًا مسجلًا حتى ديسمبر/ كانون الأول 2016، فيما يبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى "وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينييين" (الأونروا)، 459 ألفًا و292 لاجئًا حتى مارس/آذار 2016. (حسب وكالة أنباء الأناضول) وهذا العدد من شأنه "تعرّية" كل الذين يستخدمون أرقام اللاجئين الفلسطينيين للتحريض عليهم، ولتخويف بعض اللبنانيين منهم، بـ"فوبيا" التوطين التي لطالما أعلن الفلسطينيون على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية رفضهم المطلق لها، ومقاومة مشاريعها، وإشهار تمسكهم بحق العودة إلى اأرض الآباء والأجداد التي اقتلعوا منها في الداخل الفلسطيني المحتل.

كما كشفت النتائج أن نسبة 55 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون خارج المخيمات الفلسطينية؛

وأن 3707 أسرة، الزوج فيها لاجئ فلسطيني، والزوجة لبنانية؛ وهذا العدد يكشف هو الآخر حجم الزيف الذي كان يغلف هذا الملف، بخاصة في فترات الحديث عن حق المرأة اللبنانية إعطاء جنسيتها إلى أولادها، حيث يصار إلى رفع الأرقام لتبرير حالة التمييز التي توضع فيها المرأة اللبنانية.

وأظهرت أن 1219 أسرة الزوج فيها لبناني والزوجة فلسطينية لاجئة؛

أما عدد سكان مخيم عين الحلوة، وهو الأكبر في لبنان، بكل جنسياتهم بمن فيهم النازحون الفلسطينيون من سوريا هو 21209 من بينهم 18763 لاجئاً فلسطينيا فقط لا غير، وهو ما يعاكس كل الطروحات التي كانت متداولة طوال السنوات الماضية، والتي كان فيها المخيم تحت الأضواء الكاشفة لمعظم وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية!..

وأن عدد اللاجئين الفلسطينيين في 12 مخيماً هو: 74687 لاجئاً؛ في حين أن عدد الساكنين في ال12 مخيماً من مختلف الجنسيات هو: 114206 فرداً؛ بمن فيهم من بنانيين ونازحين فلسطينيين من سوريا وجنسيات أخرى!..



مفاجآت بالجملة

إن إعلان هذه النتائج وفي مؤتمر أقيم في السراي الحكومي ومنقول على الهواء مباشرة، بحضور هذا الحشد من امسؤولين اللبنانييين والفلسطينيين والدوليين سمح للمتابعين والمراقبين ولكل المشاهدين رؤية حجم المفاجأة والصدمة التي ارتسمت على وجوه الحاضرين، وترجمها رئيس الحكومة سعد الحريري بالقول إن"الحكومة ستتبنى كل المقترحات التي رفعتها اللجنة". (التي تضم في عضويتها كل الأحزاب اللبنانية الممثلة بالمجلس النيابي اللبناني) والمتعلقة برصد أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وتحديد المقترحات العملية لتحسين ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

فهذا الإعلان المفاجيء والصادم لأعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذه الأرقام التي تتناقض بشدة مع التقارير التي كانت تتحدث عن وجود أكثر من نصف مليون لاجيء فلسطيني في لبنان، وهو الرقم الذي كان يستند إليه سياسيون وأحزاب لإثارة المخاوف من الوجود الفلسطيني في لبنان، وبث كل صنوف الحقد والكراهية والبغضاء والإذلال للاجئين الفلسطينيين... هو ما دفع بكثر بعد انتهاء المؤتمر إلى الدعوة لإعادة النظر بجملة السياسات والمفاهيم السائدة حول اللاجئين الفلسطينيين والمحرمات التي كانت مفروضة عليهم طوال العقود السابقة...

وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في معرض كلمته، التي قال فيها "كنا نهول ونسمع أرقاما قياسية، وكانت تستخدم الارقام في التجاذبات السياسية، اللجنة وضعت الامور في نصابها والحكومة أطلقت الاحصاء واليوم لدينا النتائج، العدد واضح مائة و77 ألف"، مشدداً على أن "هذا الرقم الحقيقي، وعلينا واجبات أن نقوم بها كدولة تحت سقف الحوار والتفاهم".

واعتبر الحريري أن "الاهم أن نستمر بالحوار، الارقام التي توصل اليها التعداد الشامل ترسم صورة واضحة وصادقة عن حقيقة أوضاع اللاجئين، فلبنان الذي عانى تداعيات الازمة من حولنا بالاضافة الى المشاكل الداخلية يعتبر أن الجهات الدولية والعربية تتحمل المسؤولية"، ذاكراً أن "ازمة الاونروا​ في الفترة الأخيرة والأزمة المالية تنعكس سلبياً على متطلبات اللاجئين في لبنان"، مطالباً الدول المانحة بـ"زيادة مساعداتها لتأمين حاجات اللاجئين وضمان حل عادل لقضيتهم".



تساؤلات مشروعة

والسؤال الأبرز الذي طرح نفسه بشدة بعد إعلان النتائج هو: هل ينهي التعداد السكاني للاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات، والذي "تجاوز وكسر الكثير من المحرمات التي طالما سادت في البلد" الخلافات الحادة بين السلطات اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين، من جهة، وبين الأحزاب والسياسيين اللبنانيين فيما بينهم من جهة أخرى؟..

هل يسقط هذا التعداد المحرمات التي حالت حتى اللحظة دون إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية، بما فيها حق العمل والتنقل والملكية، إلى آخر ما هنالك من حقوق؟..

وهل يوجه هذا التعداد ضربة قاضية لخطر فزاعة التوطين على التركيبة الديموغرافية اللبنانية، والتي

كان يتذرع بها البعض من أحزاب وسياسيين لرفض إعطاء اللاجئين الفلسطينيين الحقوق المدنية والاجتماعية؟

وهل يشكل هذا التعداد مدخلاً لأوثق تعاون وتنسيق لبناني فلسطيني على كل الصعد والمستويات لمواجهة مشاريع التوطين الأميركية – "الإسرائيلية" التي قد تطل برأسها في المقبل من الأيام من خلال ما يسمى "صفقة القرن" التي بدأ تنفيذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه القدس عاصمة لكيان العدو الصهيوني... إذ أن قضية اللاجئين الفلسطينيين، عامة، ومن هم في الساحة اللبنانية، بخاصة، كانت وستبقى العقبة الكأداء التي تؤرق صناع التسويات الدوليين والإقليميين في المنطقة... وهو ما أشار إليه رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة بقوله: "إن محاولة تسوية وضع القدس ضمن ما يسمى "صفقة القرن" التي تكافئ المحتل على عدوانه وجريمته المستمرة منذ 70 عاما، يعني أن انهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا هو التالي على جدول التصفيات القائمة".

ولم يخف كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، وبخاصة الفريق الذي يرئسه جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب، والذي يضع مشروع "تصفية القضية الفلسطينية" حقيقة التوجه الأميركي المطروح لإنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين، والذي يقوم أساساً على رفض حق العودة إلى أي جزء من الأرض الفلسطينية (المغتصبة عام 48 أو المحتلة عام 67)، وتوطينهم في أماكن تواجدهم، ونقل بعضهم إلى قطاع غزة بعد توسيع حدوده داخل أراضي سيناء المصرية!..

فهل يُسقط التعداد السكاني "مخاوف" بعض اللبنانيين، ويفتح الأبواب لعلاقة جديدة بين اللاجئين الفلسطينيين والسلطة اللبنانية تقوم على الثقة المتبادلة والحوار الإيجابي، وتتجاوز النظرة الأمنية في العلاقة، والهواجس و"فوبيات" "التوطين" و"الديموغرافيا" المصطنعة وتوصل إلى الحقوق المدنية والاجتماعية؟.. وإلى مواجهة مشتركة لمشاريع التوطين الأميركية الصهيونية، وصون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منها؟.

إن غداً لناظره قريب.
إعلان منتصف المقال

تعديل
author-img
Www.albuss.net
مدير تحرير موقع البص محمد سليمان عبد الرازق موقع مخيم البص هو موقع اخباري اجتماعي يهتم بأخبار مخيم البص والمخيمات الفلسطينية واخبار الجاليات الفلسطينية حول العالم، وهو يتضمن اخباراً وتحقيقات متنوعة واخبار محلية ودولية ورياضية بالاضافة الى اخبار المنوعات والمجتمع والفنون والثقافة واقسام اخرى ممتعة ومشوقة. INFO@ALBUSS.NET http://www.albuss.net/ 03066158 009613066158

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent