26/7/2017
اجتمعت في الراحل الكبير عميد "اللواء" ومؤسسها المغفور له بإذن الله عبد الغني سلام جملة فضائل وقيم وكفاءات جعلت منه على مدى اربعة عقود ونيف منارة بيروتية لبنانية عربية اسلامية مضيئة تشع انوارها في حواري بيروت، ومناطق لبنان، ودنيا العروبة وديار الاسلام...
فاذا كانت منارة بيروت البحرية ترشد السفن العابرة للبحر المتوسط فان " منارة" عبد الغني سلام كانت، وستبقى، ترشد اجيالاَ من أبناء الوطن والامة، ترشد الى الوحدة في زمن التشتيت، والتضامن في زمن التناحر، والخير في زمن ازدحام الشرور، والوعي في زمن اتساع نطاق الجهل...
كان في بيروتيته الاصيلة دعوة مستمرة لوحدة العاصمة التي استهدفت دوما بالتشطير سواء في زمن الحرب او في زمن سموه لنا سلماَ، فإذا فشلوا في تقسيمها بمتاريس الحرب المتعددة الاوجه والابعاد، فهم يحاولون تقسيمها بقوانين واجراءات انتخابية او غير انتخابية بحجة مراعاة هواجس متضخمة ومصالح صغيرة عابرة...
وكان في لبنانيته الراسخة دعوة مستمرة الى تغليب الوطني على الطائفي والمذهبي، الى اعتباروطنه الصغير رسالة تشع الى كل ارجاء وطنه الكبير بل في ارجاء العالم الواسعة...
وكان في عروبته العميقة الجذور، دعوة مستمرة الى التكامل بوجه التنابذ، والى الوحدة بوجه الانقسام، والى التحرر بوجه الهيمنة الخارجية، بل دعوة الى احتضان فلسطين، قضية وشعباَ، ارضاَ ومقدسات، ثورة وانتفاضة، مدركاَ ان تحرير الامة الحقيقي لا يتحقق إلا بتحرير فلسطين التي طالما سبح من اجلها عميد اللواء ورفيق مسيرته الاستاذ صلاح سلام، عكس التيار متحملاَ كل ما يمكن ان يتحمله القابض على حق الامة في فلسطين كما القابض على الجمر....
وكان في اسلامه، مؤمناَ دون تعصب، متديناَ دون تزمت، مجسداَ في حياته قيم الدين الحنيف، فلم يفهم شهررمضان المبارك شهراَ للصيام عن المأكل والمشرب فحسب، بل فهمه ايضا شهرا للعطاء المستمر كما شهدت بذلك مآدب رمضان التي اقامها كل عام، والتي زينها بلافتتها التي يعرفها كل من يمر بجانب مكاتب "اللواء" في قلب العاصمة، وكما شهدت له بذلك مساهماته الكريمة في العديد من الاعمال الخيرية والاجتماعية حيث كانت كان يده اليسرى لا تدري ما تقدمه يده اليمنى....
وكان في انسانيته، جسراَ وطيداَ بين الناس، يمد يده لكل محتاج استطاع الى مساعدته سبيلاَ، ودفاعاَ عن كل مظلوم انتهك حقه على يد وحوش الاحتكار والفساد...
بل كان في كل هذه القيم والمثل صحفياَ قديراَ، وقلماَ شفافاَ، وموقفاَ جريئاً عرّضه للاعتقال كما عرّض مكاتب جريدته للتفجير...
لم يكن "عميد" اللواء ورفيق مسيرته رئيس تحريرها صلاح سلام، مجرد منارة ترشد، بل كان ايضا جسراَ لتواصل بين من انقطعت بينهم جسور التلاقي والتراحم والتفهم المتبادل....
كان في الصحافة مناضلاَ يواجه كل انواع التحديات، كما كان في النضال من اجل حقوق شعبه وامته، قلماَ مشعاَ، وصوتاَ هادراَ، يميّز الخط الرفيع احيانا بين صحوة الايمان والاعتدال وبين غلواء التطرف والغلو....
كان وجهه الباسم ابدا سلاحه في مواجهة الصعاب والافتراءات والتحديات التي عرفتها حياته المليئة بقيم المؤمن ومثل المبدئي...
كان في مدينته منارة اخرى... ولكنه كان منارة لم ولن تعرف الانطفاء، لأن في كتاباته ومسيرته وعطاءاته ما يجعل من حياته شعاعاَ مضيئاَ رغم مرور السنون...
عبد الغني سلام، لفرض مشاعره الرقيقة، واحاسيسه المعبّرة، حرص ان يعطي عائلته الصغيرة، واسرة "لوائه" الغراء، والاسرة الكبيرة من الاصدقاء والمحبين والمتابعين انذاراً مبكراَ برحيله قبل سنوات حتى لا يكون رحيله صاعقاَ او مفاجئاَ، فإذا برحيله، رغم كل هذا، يشعل في مدينته والوطن حريقاَ من الاحزان والاسى والاحساس بالفقدان..
لم يحمل "اللواء" على مدى عقود فحسب، بل كان منارة بيروتية لا تنطفئ رغم مرور الايام والسنون.
رحمه الله.
