recent
أخبار ساخنة

العميل .. قصة قصيره بقلم: ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية

عندما فتحت سلوى الباب ، كادت تشهق لهول المفاجأه . 

لم تكن تتوقع أن يأت شخص كهذا لزيارتهم . 

هو ليس من ثوبنا ، و لا نحن من ثوبه ! غواره... - 

قالت في نفسها بعد أن تسمرت عيناها بهذا الزائر الليلي المريب .

بقيت صامتة لبرهة ، تضاربت الكلمات ، و غربت البسمات عن الشفاه . 

لم يعد للياقة مكان في حضرة الزائر الاستثنائي . فكرت بإغلاق الباب ،

لكنه كان يتكئ بيده اليمنى على الباب ووضع اليسرى على الحائط ، 

و قد ادخل رأسه كمن يبحث عن شئ ! 

سألت بعد أن استعادت رباطة جأشها ، و احكمت السيطرة على خيالها : 

ماذا تريد ؟ -

مساء الخير -

ماذا تريد ؟ سألت سلوى من جديد . دون ان ترد التحية . -

الوالد موجود .. اريده بأمر خاص ؟ -

أخذ يجول بنظره هنا و هناك ، و يحدق بالفتاة بشكل

يعيبه هذا المجتمع الفلسطيني المحافظ ، و هو يبتسم إبتسامة ماكره .

لم تعتد سلوى على استقبال الضيوف بهذه الطريقة ، 

سيما و انها ترعرعت في بيت مضياف !

والدها رجل يقدره الناس ، وجيه من الوجهاء ، له مكانتة الاجتماعيه .

بيته لا يخلو من الزوار و المحبين و اصحاب الحاجات . 

- أمر خاص ! قالت بسرها ، ربما يريد أن يُلحق ابي بأخي سامر في المعتقل .

الكل يقول أنه كان وراء الوشاية به ،خصوصا بعد مشادة

جرت بينهما امام مرأى من الجميع . يومها قال له :

- ستندم يا سامر ، و ستدفع الثمن !

انتبهت بانها اطالت الوقوف امام الباب ، و كان الزائر 

لا يزال يمعن في نظراته الغريبة ، قالت : 

انتظر . صفقت الباب بشدة في وجهه ، و ذهبت مسرعه . -

- ما الامر ياسلوى؟ سأل والدها وقد لمح على وجهها الذهول .

- إنه .. إنه سميح يا ابي ، نعم سميح، ماذا افعل؟

كان الارتباك قد سيطر كليا على الصبيه التي لم تتجاوز الرابعه و العشرون ربيعا .

فتاة عُرفت بالاتزان و الالتزام و الذكاء . تقف حائره لا تدري كيف تتصرف .

هل كان يجب عليها ان تعنف الزائر ؟ تقول له إذهب بعيدا لا تدنس بيتنا الوطني الطاهر .

مثلك لا مكان له في منزلنا ... ضيوفنا رجال محترمون ، 

يخافون الله .. يحبون أوطانهم .

تشرف هذا البيت باستقبال الشهيد عماد و الشهيد كامل و الاسير

بلال ، و آخرين من الابطال الشجعان ، و لن يتلوث برخيص مثلك .

كل معارفنا من طينتنا الفلسطينيه الشريفه و الاصيلة . 

قطع استرسالها كلمات ابيها الذي لاذ بالصمت لبرهة و هو يفكر بالقادم غير المرحب به. 

إذهبي أنت يا ابنتي ، لا أدري ماذا يريد منا هذا البغيض ، أنا أتدبر الامر . -

كان سميح قد اقترب حتى التصق بالباب ، كأنه يسترق

السمع لأي حديث يساعده على ابتزاز هذه العائلة المناضلة .

كاد أن يقع إلى الداخل عندما فتح ابي سامر الباب لولا أن لقيه بيده !

- مهلا .. مهلا ، كل شئ على ما يرام ؟! سأل صاحب البيت و قد بدت الدهشة عليه .

- لا شئ .. لا شئ ، لعلي لم أكن متهئ لفتح الباب ، هذا كل شئ .

رد سميح و بدا وجهه ممتقع و جسده يترنح كالثمل ، ثم استدرك :

- مساء الخير يا عم ، هل تسمح لي بالدخول ، اريدك بأمر مهم .

بدت عليه نظرات خائنه من تحت نظارتيه السوداوتين التي يخفي خلفهما مكره .

- تفضل ،الحقيقة انا لا استقبل احدا في مثل

هذا الوقت ، إنه وقت نومي .

أراد أن يُفهمه أنه غير سعيد باستضافته .

بيد أن الرجل الذي اعتاد على كراهية الناس و اشمئزازهم لم يأبه بالكلام ،

بل انزلق إلى الداخل ، كما لو كان صديق للعائله ، أو احد أفرادها.

- اشتقت لك ، كنت أراك دائم الزياره لمنزل عمي ابو خالد ،

لم أرك منذ فتره ، قلت آتي لاطمئن عنك ! كيفك انت ، طمئني عن صحتك ..

ما أخبار سامر ، هل تذهبون لزيارته في المعتقل ؟

أخذ يسأل دونما انتظار للجواب ، تكلم بإعجاب عن المقاومين ، ترحم على الشهداء .

اظهر تضامنا مع الأسرى ! كان يتكلم كأنه واحد من قادة المنظمات الوطنيه ،

و أن الاخبار تأتيه أولا بأول ! قال أن بعض الأسرى بعثوا له برسالة 

سريه طالبوه بضرورة الاستمرار بالمقاومه ! توسع بسرد قصص كاذبة

لا اصل لها عن بطولاته و اعماله الكبيرة التي لا يحب التحدث عنها .

قال: ان الناس تظن بي على غير حقيقتي ، لاني لا ارغب بالحديث

عن افعالي و نضالي و دفاعي عن شعبي ! 

كانت سلوى جالسه في الغرفه المحاذيه تستمع لاكاذيبه،

تتبرم و تزداد حنقا و بغضا له . قررت أن لا تقدم له شيئا من واجبات الضيافة .

قالت : يجب أن يعرف أنه غير مرحب به في دارنا . 

تابع في سرد قصص و حكايات بطوليه قام بها ... لكنه توقف عندما

سمع شخير ابو سامر الذي تظاهر بالنوم ، لعل الزائر الغليظ

يغادر بأقصى سرعه . 

- هل نمت يا عم ، يظهر أنك متعب ؟

- قال بصوت عال ، و هو يربت عل كتف صاحب البيت . 

تصنع ابو سامر أنه قام من كبوته ، أخذ يفرك بعينيه . 

- لا ادري ما أن تُصادف الثامنه حتى أشعر بالنعاس ، تخور قواي

و لا اتمكن من فتح عيناي من التعب .

المعذرة ، ما سبب الزياره لم اسمع من شدة نعاسي ؟ - 

آتيك بوقت آخر ، عقب سميح ! - 

. لا.. لا ، قل ما تريد ، أنا مريض لا اتمكن من مقابلة الناس في هذه الايام - 

أراد ابو سامر أن ينهي الامر حالا ، و أن لا يدعه يأتي مرة اخرى . 

. - كنت .. كنت اريد أن أتشرف بطلب يد ابنتك ، أنا متأكد بأنك لا ترفض لي طلب 

كان يتلعثم بكلماته ، و بدت عليه الخيبه ، فقد كان متأكد من الإجابة.

حاول أن يخفي انفعاله بإبتسامة صفراء ، تلفت يمينا و شمالا ، كأنه يبحث عن شئ ما.

كان يتحرك بشكل ملفت ، ليس من عادة الضيف أن يمارسها .

انتظًر برهة ، و لما لم يسمع جوابا ، التفت فجأة نحو الرجل الكبير ،

و قد جحظت عيناه ، و احمرت وجنتاه ، و تبدلت لهجته :

- ماذا قلت ؟ سأل بنبرة عاليه كما لو كان يريد إجابة سريعة موافقه مؤكدة! 

- البنت منذ استشهاد خطيبها كامل عزفت عن الزواج ،

لا تريد أن تتزوج في الوقت الراهن . 

. لا تستعجل بالإجابه ، إسألها ربما تغير رأيها ، سأعود في الغد لأخذ الجواب -

عاجَله ابو سامر بعد ان انتصب واقفا . 

. أقول لك من الآن ، ليس لك نصيب عندنا - 

كلكم .. كلكم تكرهونني ! - لما .. لماذا تكرهوني ،

ماذا فعلت لكم ، الكل يتهمني ، لم يعد لي صديق ، لا يكلمني أحد،

عندما القي السلام لا يرد على تحيتي احد من الناس ،

ماذا افعل حتى اثبت لك عن حبي للوطن مثلك بل و اكثر منك ؟

كان يتحدث بصوت عال كالذي فقد توازنه . لم يحترم وضعه كضيف

و في حضرة رجل كبير ، و ان الموقف يستدع قدر اكبر من اللياقة و الهدوء . 

- نحن لا نعرفك حتى نحبك او نكرهك .

أنا أعرف والدك ، كان رجل شهم جرئ محبوب من الناس .

و كان وطني مخلص ، و أعمامك رجال محترمون ، هذا كل ما أعرفه عنكم . 

- أبي وطني مخلص ، أما أنا فلست وطني ، انا جاسوس ، أليس كذلك ؟

خرج مسرعا دون أن ينبس ببنت شفه، دفع الباب بقوة

و هو خارج مما خلف صوتا كبيرا قطع سكون الليل .

سمعه الجيران يسب بأقذع الالفاظ و بصوت عال . 

لم يكن أحد يعرف ما الامر. لكن كل من رآه

كان يعرف أنه شخص منبوذ ، لا يحبه أحد .

تقدم لخطبة عشرات الفتيات ، لم تقبله واحدة منهن . 

حتى من فاتهن سن الزواج لم يقبلنه . قريباته من بنات أعمامه و أخواله رفضنه .

كان ينتقم من العائلة التي ترفضه ، فيقوم بالوشاية على الشباب ،

او يتعمد استفزازهم في الشوارع بقصد استدراجهم للعراك حتى

يتمكن من اخذ مبرر للوشاية ، و تعريضهم للاعتقال و الاذى .

لقد صعقت سلوى عندما اخبرها ابيها برغبة سميح ! قالت:

- لو لم يبق رجال في هذا العالم الا هذا الساقط لما تزوجت منه ! 

بعد أشهر قليلة من هذه الزياره انتشر خبر مقتله في حقل قريب من القريه . 

تضاربت الانباء حول السبب ، قيل أنه انتحر بإطلاق النار على رأسه .

و قيل أن بعض المقاومين استدرجوه إلى مكان منعزل و أعدموه .

و قيل أن العدو قام بقتله بعد أن استنفذ كل ما عنده و لم يعد قادرا

على تقديم المزيد و انكشف امره للناس .

بقي سبب قتله مجهولا إلى الآن ، الا ان موته لم يأسف له حتى اقرب المقربين .

فيما بقيت القرية عصية على العملاء، و بقي جهاز الاستخبارات كالخفاش،

لا يدر شيئا عن المقاومين الملثمين الذين يخرجون من القرية

في اعمالهم العسكرية و مواجهاتم مع جنود الاحتلال .

google-playkhamsatmostaqltradent