أي تقدم في شبكة المواصلات ، او في مجالات الاعمار و الخدمات العامة .
هو عمل حضاري يعبر عن الازدهار الاقتصادي و الاجتماعي ، و عن مسؤولية
الدولة في تطوير اوضاع البلاد و ينعكس ايجابيا على المواطن في كافة مجالات
حياته . لا يختلف اثنان في هذا الاستنتاج القائم على رؤية بعيدة عن المعاناة
التي لحقت بمجموعة بشرية معينة كانت ضحية لهذا العمل " الايجابي" ، لان
العمل نفسه قام دون الاعتبار للحاجات الانسانية و النفسية لهذه المجموعة .
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و تحديدا بين عامي 1859-1869
قام الخديوي سعيد الحاكم المصري باعطاء الامر لحفر قناة السويس بين البحرين
الابيض و الاحمر بطول 190 كيلو متر ، اوكل لهذه المهمة شركة فرنسية ، و اجبر
مليون و نصف مليون عامل مصري ان يعملوا " بالسخرة" لانجاز هذا المشروع !
كان من نتيجته بعد كل شيئ ان اصبحت القناة تعمل لمصلحة شركات غربيه مساهمه،
و اغرقت مصر بالديون و الفقر و الفوائد الكبيرة . لكن الامر المؤلم ليس هذا
فحسب، بل الضحايا البشرية التي كلفها المشروع ، فلقد مات حوالي 125 الف
انسان مصري فقير من العمال نتيجة الجوع و العطش و الامراض و التعذيب .
نعم انجزت قناة السويس و لم تستفد منها مصر في ذلك الحين و لعشرات السنين
و كلف 125 الف عائلة ان تتحسر على اربابها و اولادها ممن هلكوا نتيجة
هذا المشروع التنموي، فهل كان المشروع فعلا لخدمة الانسان المصري ام لقهره؟
الحقيقة انه كان يخدم سياسيين من اركان الدولة و رجال اعمال و مؤسسات
اجنبيه ؟!ان اي مشروع في ظاهره تنموي يقوم على آلام و جراح الناس هو مشروع
جدير بالتنديد و الاستنكار ، لان القائمين عليه غير مبالين بالاضرار المادية و
النفسية التي ستلحق بالفقراء الذين سيكون مصيرهم على قارعة الطريق . و لم
يفكروا ببدائل خلاقة تغير مسار الطريق ليتجنب الاضرار في البيوت الفقيرة . او
لم يؤمنوا مبالغ مادية كافية تكفل للعائلات المتضررة بايجاد بدائل توازي
خسارتهم او اقل منها بقليل ! ان هذه اللامبالاة تظهر مستوى التعامل مع
المواطن الفلسطيني المقيم في لبنان ، الباحث بكل ما اوتي من قوة للعودة
الى وطنه السليب ليتخلص من عنصرية العدو و الشقيق على حد سواء .
ان الحكومات في اي بلد من البلدان بما فيها البلدان المتخلفة عندما تريد
انجاز مشاريع عامة تخدم المواطنين تقوم بالاتفاق مع المتضررين
و ارضائهم حتى لا يكونوا ضحايا لهذه الاعمال التطويريه المهمه . و نأمل
من الحكومة اللبنانية ان تاخذ بالاعتبار حقوق هؤلاء الفقراء الذين سيتركون
منازلهم و اراضيهم لمصلحة العمل العام .
ماهر الصديق