يَقُولُ اللهُ تَبَارَك وتَعالَى فِي القُرءانِ الكَريمِ: *﴿هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾* [سُورَةَ الْقَلَم:11]
أي يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُم، ويَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *"لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ.*
والنَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبِائِرِ وَهِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ أَوْ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى إرادَةِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِمَا يَتَضَمَّنُ الإِفْسَادَ وَالْقَطِيعَةَ أَوِ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمَا. وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ لأِنَّهَا قَوْلٌ.
وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ نَقْلُ كَلامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ لِهَذَا فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا وَيَقُولُ لِذَاكَ فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا حَتَّى يَتَقَاتَلا أَوْ يَتَعَادَيَا أَيْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلإِفْسَادِ بَيْنَهُمَا.
فَقَد ذَمَّ اللهُ تَعالَى فِعْلَ النَّمَّامِ وَجَعَلَ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةً لِمَا فِيهَا مِنَ الإِفْسَادِ وَإِثَارَةِ البُغْضِ والعَدَاوَةِ ونَشْرِ الخُصُومَةِ بَينَ النَّاسِ،
وهُوَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى قَد يُعَجِّلُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيَا لِمَنْ يَسْعَى فِيهَا، ويُذِيقُهُ العَذَابَ الأَليمَ فِي القَبْرِ والآخِرَةِ إنْ شَاءَ.
*فَقَد وَرَدَ فِي حَدِيثِ القَبْرَينِ الذَينِ مَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُما يُعَذَّبانِ وَأَن أَحَدَهُمَا كانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، فحرم الله النميمة وإن كانت صدقا وحقا لما فيها من إفساد القلوب وإثارة البغض والعداوة.*
وَالنَّمِيمَةُ أَشَدُّ إِثْمًا مِنَ الْغِيبَةِ وهِيَ تُذْهِبُ ثَوابَ صِيَامِ فَاعِلِهَا، وفَاعِلُهَا يَسْتَحِقُّ العَذَابَ الألِيمَ، ولَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلِينَ، بَلْ يَدْخُلُهَا بَعْدَ أَنْ يُقَاسِيَ مَا يُقَاسِي مِنْ أَهْوَالِ الآخِرَةِ، هَذَا إِنْ جَازَاهُ اللَّهُ وَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ.
فَهِيَ أَحَدُ أَكْثَرِ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ أجَارَنَا اللهُ مِن ذَلِكَ. فَقَد ذَكَر السُّيُوطِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله علَيهِ وَسَلَّم أنَّهُ قَالَ: *"إنَّ عَذَابَ القَبْرِ مِن ثَلاثَةٍ: مِن الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والبَوْلِ – أي عَدَمِ الاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ - فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ".*
وَقَالَ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ: "قَدْ يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالْكَذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ".
وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البِصْرِيِّ أنَّهُ قَالَ: "مَن نَمَّ إِلَيكَ نَمَّ عَلَيكَ" وَمَعْنَى هذَا أَنَّ النَّمَّامَ يُتَجَنَّبُ وَلَا يُصَدَّقُ بِمَا يَنْقُلُ مِن دُونِ قَرائِنَ لِفِسْقِهِ وَلَا يُصَاحَبُ بَلْ يُجْتَنَبُ إلَّا إنْ كَانَ فِي مُرَافَقَتِه زَجْرٌ لَهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ومَنْعٌ لَهُ مِن أنْ يَتمَادَ فِي هذِه الخَصْلِة الخَبِيثَةِ، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ وهُوَ فِيهِ مَا فِيهِ مِن فَسادِ القَلْبِ والخَصْلاتِ الشَّنِيعَةِ التِي تُؤَدِّي إِلَى الإفسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وفِعْلُهُ هذَا مِن أَخْطَرِ ءَافَاتِ اللِّسَانِ التِي يَجِبُ أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهَا.
وَقَد حَكَى بَعْضُ العُلَماءِ أنَّهُ كَانَ فِي المِائةِ الثّانِيَةِ لِلهِجرَةِ رَجُلٌ تُوُفِّيَتْ لَهُ أُختٌ فَدَفنَها وَبَعْدَ أَنْ دَفنَها تَذَكَّر أنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ دَنانِيرُ فِي القَبْرِ فأَرادَ أنْ يَفْتَحَ القَبْرَ ليُخْرِجَ الدَّنَانِيرَ، فانْكَشَف علَيهِ القَبْرُ فَرأَى النَّارَ تَشْتَعِلُ فِيهِ فَفَزِعَ فَرمَى علَيهِ التُّرَابَ وَتَركَه وَذَهَب إِلَى أُمِّهِ فَسَأَلَها عَن حَالِ أُخْتِهِ، فَقَالتْ لَهُ: مَا لَكَ وَلَها وقَد مَاتَت، فَأَصَرَّ عَلَيها حتَّى تُخْبِرَه، فَقَالَتْ لَهُ: *كَانَتْ تُخرِجُ الصَّلَاةَ عَن وَقْتِها وَكَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ إلى بُيُوتِ النَّاسِ تَتَجَسَّس لِتُفْسِدَ أَيْ لِتَعْمَلَ النَّمِيمَةَ بَيْنَهُم.*
يتبع....

