recent
أخبار ساخنة

في ذكرى.. يحيى عياش مهندس العمليات الذي منع التجوال في إسرائيل



ولد يحيى عياش في بلدة رافات، التي تقع بين نابلس ورام الله وقلقيلية، وبرز نبوغ وذكاء يحيى عياش منذ الصف الأول، واستمر تفوقه الدراسي حتى إنهائه المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة ا لثانوية العامة(التوجيهي)، وحصل على المرتبة الأولى دائماً خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في مدارس رافات والزاوية وبديا. 

أتم عياش حفظ القرآن الكريم كاملاً، وحصل على شهادة تقدير من مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس؛ لتفوقه في دراسة العلوم الشرعية وتجويد القرآن الكريم، وما تزال الشهادة محفوظة في صالة منزل والديه.

في العام 1984 انتقل عياش إلى مدينة رام الله للتسجيل في جامعة بيرزيت، وذلك خلال الانتفاضة الأولى، فبدأ عمله في المقاومة الفلسطينية، وظل مطارداً من قوات الاحتلال، وفي آذار من العام 1993م، تخرج يحيى مهندساً كهربائياً؛ لكنه غاب عن حفل التخرج الجامعي نظرًا لمطاردته من قبل جهاز الشاباك الإسرائيلي؛ لدوره في التخطيط لعملية "رامات افعال" بتل أبيب في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1992.

ونظراً لشح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة التي تدخل في تصنيعها المواد الكيماوية الأولية، استطاع عياش تجهيز بعض المواد المتفجرة التي استخدمها بعد ذلك في عمليات فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات افعال بتل أبيب، وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والاحتلال وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وبعد تحقيق شديد وقاس مع أعضاء في حركة حماس الذين اعتقلوا إثر العثور على السيارة المفخخة، طبع الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى. 

بعد ذلك، داهمت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، يرافقها ضباط ومحققون من الشاباك بلدات سلفيت وقراوة بني حسان بحثاً عن زاهر جبارين، وعلي عاصي، اعتقاداً بأن أحدهما قد نجح في التوصل إلى المعادلات الكيميائية.

وفي الربع الأخير من عام 1992 استكمل الفريق الرباعي المكون من المهندس يحيى عياش، بالإضافة إلى زاهر جبارين وعلي عثمان عاصي وعدنان مرعي مستلزمات الانتقال بالجهاد نحو مرحلة الدفع بقوة باتجاه تنفيذ العمليات العسكرية وتحديد الأهداف، وذلك بعد أن وصل المهندس إلى مبتغاه الذي كان يبحث عنه في المعادلة الكيميائية، وهو تحويل المواد الكيماوية والأولية إلى متفجرات.

يعتبر يوم الأحد الموافق 25 نيسان/ إبريل من عام 1993، بداية المطاردة الرسمية له، ففي ذلك التاريخ، غادر المهندس منزله، ملتحقاً برفاقه الذين كانوا يتخذون من كهوف ومغارات فلسطين قواعد انطلاق لهم ضد جنود ودوريات الاحتلال. 

وفي مساء ذلك اليوم، داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس، وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها، توجه أحدهم لوالده مهدداً: "يجب على يحيى أن يسلم نفسه، وإلا فإنه سوف يموت، وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم".

وقد كانت بداية المهندس مع تفجير الحافلات بتركيب العبوات التي قدّر وزنها بأربعين كيلو غراماً من المواد المتفجرة، ربطت بجهاز التفجير وأربع اسطوانات غاز لزيادة قوة التأثير،


وحسب الخطة، وضع المهندس بمساعدة أبو إسلام، العبوات في حافلة صغيرة من طراز (فان- فولكسفاغن) تحمل لوحات معدنية صفراء (اللوحات الإسرائيلية) سيطر عليها أحد أعضاء حركة حماس من مدينة تل أبيب مساء يوم الجمعة الموافق 20 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1992.

وعليه، يعد هذا التاريخ بداية (قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية)، كما يقول ألكس فيشمان في مقاله الطويل الذي نشره في صحيفة "معاريف" تحت عنوان (اعرف عدوك: المهندس هو المطلوب الأول) في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1994 م.

بدأ نجم عياش يسطع في العام 1993 بعد أن اكتشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية، أن ذاك الشاب هو مهندس العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، فشرعت بحملة مراقبة حثيثة ومداهمات يومية لبلدته ومنازل أقاربه وأصدقائه في محاولة لاعتقاله، وبعد اشتداد حملة المطاردة التي تعرض لها في الضفة الغربية، قرر الانتقال إلى قطاع غزة للتمويه؛ ولتدريب نشطاء كتائب القسام على صناعة المتفجرات.

وعبر الجنرال جدعون عيزرا، نائب رئيس الشباك السابق عن إعجابه بيحيى عياش ففي مقابلة مع صحيفة "معاريف" قال الجنرال عيزرا: "إن نجاح يحيى عياش بالفرار والبقاء حولته إلى هاجس يسيطر على قادة أجهزة الأمن ويتحداهم، فقد أصبح رجال المخابرات يطاردونه وكأنه تحد شخصي لكل منهم، وقد عقدت اجتماعات لا عدد لها من أجل التخطيط لكيفية تصفيته... لقد كرهته، ولكني قدرت قدرته وكفاءته".

عمليات خطط لها

بحسب الشاباك الإسرائيلي فان الشهيد يحيى عياش خطط لتنفيذ عمليات كثيرة ضد الجيش.

عملية تفجير سيارة مفخخة بالعفولة 6 نيسان 1994 والتي نفذها الشهيد رائد زكارنة وأدت لمقتل ثمانية إسرائيليين وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين، وقد كانت هذه العملية أولى الردود على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.

عملية مدينة الخضيرة في 13 نيسان 1994 والتي نفذها الاستشهادي عمار عمارنة الذي فجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة، مما أدّى إلى مقتل 7 إسرائيليين.

تفجير داخل حافلة ركاب في شارع ديزنغوف في تل أبيب نفذها الشهيد صالح نزال في 19 تشرين الأول 1994، مما أدّى إلى مقتل 22 وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
عقب هذه العملية، طالب الجمهور الإسرائيلي، باستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي انذاك اسحق رابين ومحاسبة القيادات العسكرية والأمنية على التقصير وعدم قدرتها على اغتيال يحيى عياش، فاضطر رابين لقطع زيارته لبريطانيا فور سماعه الخبر، وعاد لتل أبيب ليعقد اجتماعاً طارئاً لقادة الأجهزة الأمنية ومن ثم اجتماع للحكومة لدراسة الخطوات والإجراءات المضادة لحركة حماس.

اغتياله

اغتيل عياش يوم الجمعة 5 يناير 1996 م، وذلك بعد أربع سنوات من وضع اسحق رابين ملف تصفية المهندس على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية.

فقد وضع له جهاز الشاباك مادة متفجرة وصلت إلي 50 جم في تليفون محمول لأحد أصدقائه وكان يأخذ التليفون منه ويعيده إليه فشك عياش يوماً في احتمال وضع الشاباك لجهاز تنصت في التليفون ففكه ولم يجد شيئاً، وكان عياش ينتظر مكالمة من والده صباح يوم الجمعة 5/1/1996 م وكان الخط المنزلي مقطوعاً يومها، فاتصل والده بالتليفون المحمول وعن بعد تم تفجير التليفون عن طريق طائرة كانت تحلق في نفس الوقت، فاستشهد يحيى على الفور.

عقب إعلان خبر اغتيال الشهيد يحيى عياش، عم الإضراب الشامل مدينة القدس وضواحيها، وألصقت صوره في الشوارع، ووقعت صدامات ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين وجنود الاحتلال بينما شهدت مدينة رام الله أيضاً إضراباً عاماً ومسيرة جماهيرية حاشدة في صباح يوم السبت، شارك فيها أكثر من 30 ألفاً رددوا الهتافات والشعارات الوطنية، وأحرقوا الأعلام الإسرائيلية. 

وقد شارك في المسيرة إلى جانب حركة حماس، كافة الفصائل الفلسطينية ومحافظ المدينة وعدد كبير من قادة وكوادر القوى والأحزاب السياسية وضباط في الشرطة الفلسطينية، حيث ألقيت كلمات باسم حركة فتح وحزب الشعب والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي والكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، بالإضافة إلى كلمة حركة حماس ألقاها القيادي في حماس حسن يوسف.

ردود فعل إسرائيلية

يهودا باراك، وزير الخارجية آنذاك، قال في تعليقه على عملية الاغتيال ستمنع المزيد من سفك الدماء على المدى البعيد، واكتفى الوزير يعقوب تسور بالقول: "أزال الله كل أعدائنا" أما وزير الأديان الإسرائيلي، شمعون شتريت، فقد أشاد بالمسؤولين عن تنفيذ الاغتيال، واعترف في تصريح إذاعي بأنه علم بمقتل المهندس قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، مضيفاً، "نحن على علم بأنه قتل، إنه يوم سنتذكره، لأنه الرجل المسؤول عن عدد كبير جداً من الهجمات".

أما الجنرال أوري أور - نائب وزير الجيش وعضو الكنيست عن حزب العمل- هاجم فيها بشدة السياسيين الذين أصدروا تصريحات تعقيباً على اغتيال المهندس، ومما جاء في كلامه، "ها أنا أسمع عدداً من أعضاء الكنيست الذين لا يعرفون شيئاً، يوزعون الثناء والمديح، من الأفضل لنا أن نصمت، لقد مات وانتهى مضيفاً، سمعت أن المهندس قتل -هناك العديد من الطرق للموت، ولكن ما يهم هو أن هذا الرجل قتل".

أما بنيامين نتنياهو، زعيم تكتل الليكود آنذاك فقال "إذا كانت تلك عملية اغتيال فيجب أن نبارك الذين قاموا بالعمل، وقدموا خدمة هامة للغاية لدولة إسرائيل، فالشخص المذكور قتل الكثير منا ونشر الرعب بيننا".
google-playkhamsatmostaqltradent