وكالة القدس للأنباء - خاص
تنتشر في بقعة مخيم شاتيلا الصغيرة في بيروت، حوالي عشرين صيدلية، تعطي نوعاً من الحيوية والتنافس، حيث يعمل فيها عدد لا بأس به من أبناء المخيم، بعضه متخصص في الصيدلة وآخر اضطر للعمل في هذا المجال بعد أن سدت القوانين اللبنانية المجحفة أبواب العمل في وجهه.
هذا الانتشار لهذا العدد من الصيدليات، يحمل أكثر من وجه، فهو من جهة يفعَل الحركة وينشط الدورة الدموية للحياة الاقتصادية والمعيشية، لكنه من جهة أخرى يحمل في طياته مشاكل قد تتسبب ببعض المخاطر ، لأن بعض العاملين ليست لهم علاقة مباشرة بهذا العمل، ما اقتضى المطالبة بمزيد من الحرص والرقابة والإشراف.
"وكالة القدس للأنباء"، ومن منطلق حرصها على صحة المواطن، وسبل توفير العيش الكريم له، جالت على عدد من الصيدليات وحاورت العاملين فيها، والتقت اللجنة الشعبية والمواطنين، لمعرفة آرائهم بأداء هذه الصيدليات، وانعكاسه سلباً أو إيجاباً على أهالي المخيم.
حول واقع هذه الصيدليات وأساليب عملها، كشفت صاحبة صيدلية الأسعد، الحائزة على إجازة الماجستير في الصيدلة، فاطمة الأسعد، والتي زاولت مهنتها منذ أكثر من عشرين سنة، أن هناك "مضاربات تحصل في المخيم لكثرة الصيدليات للأسف، كل واحد يعرف يقرأ علبة "بانادول" وصار يعرف يضرب إبرة، فكر حاله صار صيدلياً، وطبعاً صار عنا كتير منهم في المخيم."
وأضافت الأسعد:"من المعيب أن نرى دكاترة في المخيم أصبحوا يفتحون صيدليات، ولم تعد المسألة تقتصر على الأشخاص "المتعديين" على مهنة الصيدلة، فالدكاترة ينافسوننا بهذا الموضوع، رغم أن شغلهم ماشي ولديهم عيادات".
وأعربت عن أسفها لشعورها بأنها ليست صيدلانية بل أصبحت بائعة دواء كغيرها، ويعني" أنا بكتب روشتة وبوصف دواء وهو كذلك، وأكيد أنا بعرف أكثر منه لأنني متخصصة بذلك".
وقالت:" نحن إضافة إلى المضاربة نواجه الاحتكار في وصفات الأدوية، فالدكتور يأتي بكمية أدوية قد لا تكون موجودة لدي، أو يكتب روشتة غير مفهومة كي لا يفهمها أحد غيره لتصريف أدويته."
وتابعت:"يوجد أيضاً صرف أدوية لأمراض السكري والضغط بدون روشتة حكيم، ويأتي عندي المريض ويقول لي أنت دكتورة وفلان أعطاني الدواء، وهل هو أشطر منك، وانا أتكلم كصيدلي واحترم مهنتي، ويجب التقيد بالتخصص، وأنا أعرف الصيدلي صيدلي والدكتور دكتور والمساعد مساعد ."
وأكدت بأنه "يوجد أدوية مخدرة كأدوية السعلة (التوبلكسيل ، الديونكسيت، السولفديين) كان الدكتور الصيدلي يعطيها بدون وصفة حكيم، ولكن للأسف أصبح الكثير من الناس يتعاطونها ، وأنا لا أعطي دواء بدون روشتة حكيم، ويجب أن يكون الحكيم الذي وصف الدواء مسجل بنقابة الأطباء، لأن هذا الدواء إذا انمسك مع أي واحد، أتحمل مسؤوليته ويجب على جميع الصيادلة بأن يعملوا مثلي ."
واعترفت أنه:"يعمل في الصيدلية مساعدين لي وهم تحت إشرافي باستمرار، ولديهم صلاحية محدودة في بيع بعض الأدوية فقط، وليس مسموح لهم في تركيب الأدوية وغيرها من الأمور."
وأشارت إلى أنها تابعت هذا الموضوع من خلال "رابطة الأطباء الفلسطينيين في لبنان" منذ سبع سنوات، ولكن للأسف توقف الموضوع في وقته ولم يعد يحكى به، وحملت المسؤولية مباشرة للجان الشعبية في المخيم، لسوء التنظيم والسماح للتجاوزات والتعديات على مهنة الأطباء والصيادلة.
التحذير من العشوائية وعدم التنظيم
وقال صاحب صيدلية أبو الديب في مخيم شاتيلا، محمد أبو الديب:" عملت كممرض في جمعية الهلال الفلسطيني وقصة الدراسة والتخصص لا تقيَم العالم، ولكن بالأساس لم تضع اللجنة الشعبية قوانين حتى يتقيد بها أصحاب الصيدليات، لذلك نرى هذه العشوائية في إنشاء الصيدليات حيث يوجد قرابة الـ20 صيدلية في المخيم".
وأشار إلى أن " أغلب متعاطي المخدرات أصبح بعيداً عن شيء أسمه صيدليات، لأن أي واحد ممكن يهرب مادة "تريمادول" ويتاجر بها في المخيم، ولذلك القضية بحاجة إلى تنظيم بالمخيمات من قبل اللجان الشعبية للصيدليات وغيرها، وبأن تحصي السكان كي نعرف من يعيش معنا بالمخيم، لأنه من غير المقبول بأن تبقى الأمور بلا حسيب ورقيب".
وقال صاحب صيدلية "العفاف"، نايف محمد سعد، بأنه درس في المعهد العالي السوري لمدة ثلاث سنوات ومن ثم انتقل للعمل كمسؤول قسم أدوية في المملكة العربية السعودية حتى بلغ سن التقاعد، وبعدها عاد إلى لبنان وفتح صيدلية في المخيم.
وأكد سعد بأنه حريص بأن تكون سمعته جيدة في وسط الأهالي، كما كان في السعودية، فهناك عمل سنوات طويلة تحت سلطة الدولة السعودية، فلا يمكن له الآن بعد أن تجاوز الثمانين بأن يعمل في غش الناس، وأكد بأنه لا يبيع الأدوية المخدرة لأي شخص كان دون وجود روشتة، والكثير من الناس يأتون بأدوية منتهية الصلاحية، وهو يطلب منهم الحرص على قراءة تاريخ صلاحية الأدوية قبل شرائها.
آراء المواطنين واللجنة الشعبية
وقال المواطن فادي حسنين بأن "هناك عدداً محدوداً من الصيدليات المتواجدة في المخيم ممكن الوثوق بها والتعامل معها والمسألة متعلقة بخبرة وكفاءة أصحابها، وعلى الرغم من ذلك حينما يمرض أحد أطفالي أقصد الصيدليات الموجودة في بيروت لأنها تخضع لإشراف الدولة مباشرة ولا يمكن التلاعب في تاريخ الأدوية وسعرها".
وأكدت المواطنة سوسن علي السيد بأن "بعض الصيدليات تعطي أدوية ليست لأعمار الأطفال، وقد وصف أحد صاحب الصيدليات لإبنتي دواء التهاب "ستوبركس" بدل ما يعطيها العيار الأوطى أعطاها العيار الأعلى، ما أثر على وضعها الصحي، كما تكرر الموضوع مع إبن أختي أحمد وكان عمره خمس سنوات،حيث وصف له دواء "باكتريم" لعمر عشر سنوات، بالإضافة إلى دواء السكري "كلوكوفاز" إشتريناه للوالدة كان منتهي الصلاحية ".
وأكد المواطن حمادة عابد بأن بعض الصيدليات تحاول بيع أكثر ما أمكنها من الأدوية للمريض لهدف الربح المادي، وحصل بأن ذهب إلى إحدى الصيدليات لشراء دواء لإلتهاب اللوز، والذي لا يتجاوز سعره الـ 7 آلاف ليرة، ولكن العامل بالصيدلية باعه أكثر من دواء لنفس المرض ليكتشف بأن الفاتورة تجاوزت الـ 25 ألف ليرة ، "هذا إضافة إلى الأدوية السورية المنتشرة في الصيدليات والتي ليس لها فعالية، يبيعونها كبديل عن الأدوية الأصلية".
ورأى عضو اللجنة الشعبية في منظمة التحرير في مخيم شاتيلا، خالد أبو النور، أنه "على جميع الفصائل التوحد والعمل على إنشاء لجنة موحدة مقسمة من أشخاص متخصصين في شتى المجالات، لتعمل على تنظيم كل الملفات العالقة منذ سنوات وخاصة مشكلة الصيدليات، لما تسببه الوصفات الطبية الخاطئة لبعض أصحاب الصيدليات من خطر على سلامة وحياة المواطنين ."
صحة المواطن في المخيم وبقية المخيمات أمانة ومسؤولية، وبالتالي على اللجان الشعبية تحمل مسؤوليتها في الرقابة والمتابعة، وكذلك الأمر بالنسبة لأصحاب الصيدليات الذين تترتب عليهم واجبات وطنية وأخلاقية وإنسانية لحماية أرواح الناس.
كما على المواطن التدقيق والرقابة الذاتية، وكذلك فإن الحكومة اللبنانية تتحمل تبعات كل ما يحصل، وعليها فتح أبواب العمل أمام الفلسطيني، والأمر ذاته متعلق بـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا" التي تقع على عاتقها مهام تأمين الدواء ووقف إجراءاتها في تقليص خدماتها لأبناء المخيمات.
