الرئيسة السادسة و الثلاثين للبرازيل السيدة ديلما روسيف التي امضت
على رأس هرم الدولة لاكثر من خمس سنوات ، اجبرت على ترك السلطة
بعد تصويت ثلثي نواب البرلمان على اقصائها بتهم فساد و سوء ادارة .
البرازيل دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة ، هي اكبر دولة
في امريكا الجنوبية ، و خامس اكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان .
لا تصنف البرازيل من الدول الصناعية الكبرى ، او من الدول المتقدمة علميا
و تكنولوجيا . الكثير من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر ، و فيها نسبة
عالية من البطالة مع انها من اول الدول انتاجا للقهوة و السكر و القطن ،
و مع وجود كميات كبيرة من المعادن و الغاز في تربتها . فلقد اكدت
دراسة متخصصة بان ما يزيد عن 15% من سكان ريودي جانيرو العاصمة
السابقة تبلغ دخولهم اقل من 27 دولارا في الشهر . و تعرف هذه المدينة و هي
ثاني اكبر المدن البرازيليه بعد ساو باولو باحيائها الفقيرة و ترتفع فيها معدلات
الجريمة ، و تكتظ شوارعها و ازقتها بالمتسكعين و اولاد الشوارع و بائعات الهوى .
و بالرغم من كل هذا الوضع فإن اقتصاد البرازيل افضل من اقتصاديات الدول
العربية مجتمعة ، فهي تحاول تحديث و تنمية الصناعات المحلية و التحويلية
و التقليل من الاعتماد على الاستيراد و استخدام المصادر الخارجية . بينما الدول
العربية مع وجود الكفاءات العلمية و اليد العاملة و الثروات الطبيعية فإن اقتصادها
مرتبط كليا بالخارج ، و لا تحاول تنمية الاقتصاد من خلال الصناعات المتوسطة
و المتطورة ، و لا تقترب نحو الحد الادنى في مجال الصناعات التحويليه ، فهي
تصدر المواد الاولية ثم تستورد المواد بصيغة مصنعة خارجيا ، و هو ما يجعل
الناتج القومي ضعيفا و يعرض البلدان للديون الخارجية و للازمات الاقتصاديه .
الرئيسة روسيف بكل ما تملكه من كفاءات و قدرات قيادية و بما قدمته خلال
رئاستها للدولة من نمو في الاقتصاد الوطني و ما تميزت به في سياستها
الخارجية و بتحسين الاوضاع الاجتماعية و الخدماتيه خصوصا لاصحاب
الدخل المحدود ، اسقطها البرلمان و لم يتدخل الجيش و لا القوى الامنية
و لم تسفك الدماء . كل ما فعلته انها قالت : سوف الجأ للقانون للطعن في
اجراء البرلمان . و ما دام اجراء البرلمان لم يتجاوز مواد الدستور
فإنه نافذ حتى يحكم القضاء بعدم شرعيته .
اين نحن العرب من هذه التقاليد البشرية ؟ لن اقول السياسيه
او الديمقراطية ، بل التقاليد التي تمارسها الدول الحقيقية حيث يعتبر الرئيس
و الوزراء و السياسيين مجرد موظفين يقومون بمهامهم الوظيفية في الدولة .
الرئيس و رئيسي الوزراء و النواب و الوزراء و غيرهم من موظفي الدولة
لم يصلوا لمناصبهم للبقاء فيها مدى الحياة ، و لا ينبغي ان يكون لهم سلطات
مطلقة على الجيش و الاجهزة الامنية و السلطات القضائية و لا على الادارات
و المؤسسات الاقتصادية و الاعلامية . و لا يملكون القدرة على حل البرلمان
و اعلان الاحكام العرفية و تعطيل الدستور . سلطاتهم مقتصرة على ادارة البلاد
حسب القانون و الدستور ، بمراقبة المؤسسات القضائية و التشريعية .
يطالهم القانون في حال تجاوزهم او اخلالهم بصلاحياتهم و قيامهم باعمال
فساد أو تعريض امن الوطن للخطر او اتباعهم سياسات غير وطنية او قوميه .
سقطت السيدة روسيف لان البلاد تسودها تقاليد ديمقراطية و السيادة الحقيقيه
للقانون ، و لان الرئيس لا يملك السلطة المطلقة التي تمكنه من تدمير البلاد
و قتل ابناء الشعب في الشوارع و الساحات و تحت انقاض منازلهم . و ليس
بيدة زج المعارضين في المعتقلات و التنكيل بهم ، و اقفال المؤسسات التعليميه
و الاعلامية و قطع ارزاق المعارضين و نفيهم و اسقاط الجنسية عنهم .
هذا ليس حال البرازيل فحسب ، انه حال كل دول العالم بما فيها مجاهل
افريقيا ! ما عدا خارطتنا العربية المكتظة بالدكتاتوريين المتسلطين ، الذين
يجدون المطبلين و المزمرين من اشباه المثقفين و من جهلة العوام .
و رحم الله من قال : اذا اردنا ان نعرف ماذا يجري هنا علينا ان نعرف
ماذا يجري في البرازيل !

