recent
أخبار ساخنة

«عم شم هوا.. بدي إركب بالطيارة» بالتفاصيل الرواية الكاملة: خالد الشبطي وضع الإصبع على الجرح الفلسطيني النازف





هيثم زعيتر – جريدة اللواء:

فجأة ودون سابق إنذار، أُعلِنَ عن خرق أمن «مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي» في بيروت، واهتزّت أركان الأمن الممسوك في بلد «الدكات والرعبات».. وتوالت عبر كل الوسائل الإعلامية قضية الفتى خالد وليد الشبطي، الفلسطيني المُقيم وأسرته في مخيّم برج البراجنة بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت..

«اللـواء» زارت المخيّم وعادت بالخبر اليقين والرواية الكاملة حول واقع هذه الأسرة، وما حمل بالفتى على القيام بفعلته، على الرغم من اضطراره ووالده للمتابعة مع وكيلته المحامية منال كعكي..

خالد إبن السنوات الإثنتي عشرة، تربّى في دار تضم بين جدرانها المتصدّعة، والتي شارفت على الوقوع فوق رؤوس قاطنيها وبحاجة إلى الترميم، أسرة تتألّف من أب وأم وثلاثة أشقاء.

جدته «أم خالد» ذائعة الصيت في مخيّم البؤس والحرمان، ولكن البطولة والرجولة في برج البراجنة، حيث الأزقّة الضيّقة وأسلاك الكهرباء المصطدمة التي شارفت على أنْ تصطدم بالأرض، وتتداخل مع خزانات المياه وقساطلها، ورائحة الرطوبة التي تهلك الصدور، ناهيك عن الأبنية المتراكمة فوق بعضها البعض، والتي أكل عليها الدهر وشرب..

وضع العائلة جدّته عليا «أم خالد الشبطي» أم لإثني عشر ولداً، 8 ذكور و4 إناث، والده وليد يتوسّطهم متأهل من سهام أبو عرب، وأطلق على إبنه البكر اسم خالد تيمّناً بإسم أخيه المقاوم في صفوف الثورة الفلسطينية، فيما أطلق إسم ريما على ابنته الكبرى تيمّناً بإسم جدّتها لوالدتها، وأحمد على إسم جدّه لوالدته أيضاً.

حالة العائلة مزرية وبائسة والفقر المدقع عنوانها، اضطرت للانتقال من منزلها الآيل للسقوط إلى بيت آخر منذ فترة داخل المخيّم أيضاً، وخالد، وعلى الرغم أنّه كان يتلقّى تعليمه في مدارس «الأونروا» إلا أنّ وضع العائلة لم يعد يسمح باستكمال تعليمه، فآثر الذهاب مع والده إلى عمله في محل لقطع غيار السيارات وتصليحها، حيث يعمل.

في الأصل هو ولد «شقي» والكل يعرفه ويحبّه، لأنه كما يُقال: «أكبر من عمره»، وقريب من القلب، ويعاشر من هم أكبر منه سناً، بل ويتمتّع بصوت شجي كان الكل يحب أن يسمعه يدندن.. ناهيك عن حلمه الأكبر بركوب الطائرة والسفر، حيث على مدار ساعات اليوم يسمع صوت الطائرات ويشاهدها وهي تحط بالمطار، ويحلم بالسفر إلى السويد، حيث لطالما سمع من أقرانه الذين يزورون أنسباءهم في المخيم أنّ المعاملة على متن الطائرة «غير شكل»، وأنّ معاملة الأطفال في السويد ممتازة، وللأطفال الحق القيام بأمور كثيرة حُرم منها اللاجىء في لبنان.

..وابتدأ المشوار

من هنا تبدأ فصول الحكاية وتحقيق حلم خالد بالسفر..

قرابة 4:30 من بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، توجّه مع أهله وأقربائه في عدّة سيارات، إلى المطار لوداع خاله رشيد أبو عرب المغادر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج لهذا العام.

وعند 5:50 دقيقة، وبعدما أنهى الخال رشيد إجراءات السفر، وتوديع العائلة متوجّهاً إلى الطائرة التي تقل الحجّاج، وعاد الكل إلى البيت، كان خالد يحقّق أولى خطوات حلمه في المطار، بحيث أظهرت كاميرات المراقبة أنّه تسلّل إلى داخل حرم المطار، وصولاً إلى تجاوز الحواجز متذرعاً بأن جواز سفره وتذكرته مع والدته.

وقبل الصعود إلى الطائرة سألته إحدى المضيفات عن جواز سفره وبطاقته، فكان جوابه البديهي بأنّ أهله بالداخل وسيحضر الأوراق، وتمكن من الصعود على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط 267 ME المتجهة من بيروت إلى اسطنبول.

وعلى عكس الروايات التي قالت بأنّه اختبأ في حمام الطائرة، علمت «اللـواء» بأنّ خالد جلس في المقعد الأخير للركاب – الذي كان شاغراً – وبعدما أقلعت الطائرة تنبّهت إليه المضيفة، فسألته عما يفعل وأين أوراقه فأجابها «عم شم هوا.. بدي إركب بالطيارة».

في هذا الوقت، كانت نيران الأهل بدأت تشتعل بعدما اكتشفوا اختفاء ولدهم، لأنّهم ظنّوا في بادئ الأمر أنّه ركب في إحدى السيارات مع باقي الأسرة، فما كان منهم إلا أنْ بدأوا بالبحث عنه ويكررون محاولات الاتصال به على رقم هاتفه الذي كان بحوزته، فكان يعطيهم أنه خارج التغطية،ولدى الوصول إلى مطار تركيا، أراد كابتن الطائرة اختباره، إنْ كان يريد المغادرة والهبوط في تركيا، فكان جواب خالد بالنفي، وكان مُصرّاً على العودة إلى بيروت، ولسان حاله أنْ يرى الطائرة، ويعود فقط لا غير، فلم يكن بحوزته إلا 500 ليرة.

وبعد أكثر من 3 ساعات، علّق الخط، وكان المجيب فتاة، تبيّن أنّها المضيفة، التي وجّهت اتهاماً لوالده بأنّه يسعى إلى تهريب ولده إلى تركيا، وأُخِذَ الولد إلى «قمرة القيادة»، ثم اتصل كابتن الطائرة بوالده ليفهم منه كل الوقائع، وطارت الدولارات الثلاثة التي كان مشحوناً بها خط الهاتف، وتم استبقاء خالد في «قمرة القيادة» حتى انتهاء الرحلة، حيث شاهد الكابتن كيف يقود الطائرة.

وبالعودة إلى بيروت، جرى توقيف الفتى واستدعاء والديه اللذين كانا أصلاً توجّها إلى المطار وأبلغا عن فقدان ولدهما، وأًحيل الملف إلى مفوّض المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، فيما تولت المحامية منال كعكي ومندوبة الأحداث متابعة ملف الفتى القاصر خالد، بعدما جرى إطلاق سراحه مع والديه.

هذه القضية ورغم شقّها الأمني الخطر لجهة الخرق الذي قام به فتى لأمن المطار، إلا أنّها من جهة أخرى أكبر دليل على انشغال العالم أجمع عن حقوق الأطفال الفلسطينيين، الذين يعانون من صعوبات الحياة على تنوّعها، بل يُحرمون من أبسط حقوقهم بالتعليم والحياة الكريمة، ما يولّد فيهم الأمل والحلم بركوب الطائرة، فيحققون حلمهم الأول بالاستكشاف، ولاحقاً علّها تنقلهم إلى الضفة الأخرى من العالم، حيث تتكسّر أمواج اليأس على عتبات الرجاء، ويحقّقون خارجاً حلمهم بإنشاء وطن سُلِبَ منهم قبل ميلادهم، ليدفنوا أحياء في مخيّمات بؤس وحرمان مكتظة بأمثالهم، ولعل مخيّم برج البراجنة واحداً على هذه العيّنات، حيث يضم في بقعة جغرافية صغيرة جداً ما يزيد على 35 ألف نسمة، فأي حقوق لأي إنسان!!!

بيان المطار

وعلى الأثر، أصدرت رئاسة مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت بياناً حول الحادثة جاء فيه: «عطفا على حادثة الطفل خالد الشبطي الذي تمكن بعد ظهر يوم الاربعاء 31/8/2016 من السفر الى تركيا على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط 267 ME المتجهة من بيروت الى اسطنبول من دون حيازته جواز سفر وبطاقة صعود الى الطائرة، أصدر رئيس مطار رفيق الحريري الدولي المهندس فادي الحسن البيان الاتي:

يهم رئاسة المطار أن توضح بأن جهاز أمن المطار لا يزال يجري تحقيقات موسعة حول تفاصيل وحيثيات الواقعة وكيفية تخطي الطفل النقاط الأمنية وصولاً إلى متن الطائرة من دون الانتباه إليه، وأن هناك اجراءات سوف يتم تنفيذها من قبل قيادة الجهاز بحق الذين يثبت تقصيرهم في القيام بواجباتهم.

كما أن شركة طيران الشرق الأوسط قد باشرت بطلب من رئاسة المطار بإجراء التحقيقات اللازمة من أجل اتخاذ الاجراءات المناسبة بحق من يثبت أنه أقدم على تهاون أو تقصير في واجباته الوظيفية.

ويهم رئاسة المطار أن تؤكد أيضاً، أنها باشرت وبالتنسيق مع جهاز أمن المطار، تعزيز الاجراءات والترتيبات اللوجستية من أجل الحيلولة دون تكرار مثل هذه الواقعة».





طفولة خالد الشبطي تضيع في تصليح السيارات






الفتى خالد الشبطي على دراجة نارية يستبق شبابه



جالساً خلف مكتب أحلامه الطفولي



قساطل المياه تتماهى مع أسلاك الكهرباء لتشكّل موزاييك البؤس في مخيّم برج البراجنة




هنا منزل عائلة الشبطي في مخيم برج البراجنة حيث تنشأ الطفولة الفلسطينية بين الأزقة المتهاوية

google-playkhamsatmostaqltradent