انها قصة مخيم حاولوا اغتياله في ليلة ظلماء ، و في غفلة عن العالم المتحضر
و عن المنظمات المهتمة بحقوق الانسان او بحقوق الحيوان . عمليات قتل
بدم بارد ، بهدوء و بلا ضجيج . لم يعكر اجواء المجرمين " الساديين"
الا صرخات الالم من الابرياء الجرحى قبل لفظهم لانفاسهم الاخيرة .
هذه ليست قصة الالياذة او الاوديسة لهوميروس ، او مما صاغته الابداعات
الاغريقية القديمه . و ليست من خيال فيكتور هوغو او غابرييا غارسيا ماركيز .
و ليست كقصة ألف ليلة و ليلة التي لا تنتهي حكاياتها .
و ليست حكاية من حكايات ابن المقفع في كليلة و دمنة !
و هي بالطبع لا تشبه خرافة الماسادا التلمودية ، حيث لم يدافع الجبناء
عن انفسهم بل قاموا بالانتحار الجماعي . كما انها ليست
مثل اسطورة القوة الخارقة في ضفائر شمشون التي اكتشفتها
الفلسطينيه دليلة و تآمرت على زوجها لمصلحة شعبها كما
تزعم التوراة التي كتبها احبار اليهود خلال السبي البابلي .
انها قصة عصية على النسيان ، نفذها مجرمون ، طفح كيل حقدهم
و خستهم و خيانتهم فلم يكن ضحاياهم سوى آمنين عادوا الى بيوتهم
المتهالكة بعد عناء من حرب ضروس مدمرة احرقت بيروت و ضواحيها .
رغبات جامحة للانتقام نفذتها مجموعات متوحشة تملّكها جنون الحقد
و الكراهية . وجدوا فرصتهم في ضحايا عزل لا يملكون الا الامل
بعودتهم لديارهم السليبة . و لا يتطلعون الا لحياة كريمة ،
و لحرية فقدوها منذ ان تجاوزت اقدام آبائهم حدود الارض المقدسة .
في هذا المساء الخريفي الطويل قامت خفافيش الليل مدعومة من شذاذ
الآفاق اليهود باقتحام المخيم عبر اكثر من محور . المخيم شبه مدمر بفعل
الغارات الصهيونيه ،و قد ارهقه الحصار الطويل الذي دام زهاء ثلاثة اشهر .
مكلوم بسبب سقوط اعداد كبيرة من الشهداء و الجرحى من ابنائه خلال الاجتياح .
السفاحين الذين شحذوا سكاكينهم ، و لقموا سلاحهم ، و شحنوا حقدهم
الى منتهاه ، دخلوا عبر الازقة الفقيرة الضيقه الى المنازل المتصدعه
او ما بقي من البيوت المدمرة ، و قاموا بقتل كل انسان . كل الاعمار
كانت اهدافا لهم من اطفال او نساء او شيوخ ، بل حتى الحيوانات الاليفة
لم تسلم من حقدهم . لم تكن هناك محرمات و لا قوانين ، كل شئ مستباح
لدى الكلاب البرية المسعورة . ساعات قليلة كانت كافية لقتل 3500
انسان لا لسبب الا لانهم فلسطينيون .
صبرا جرحنا الطري النازف غير الملتئم . سيبقى يؤلمنا و يذكرنا
بان الارهابيين احياء لم يحاسبوا . فربما اشبع السفاحين رغبات
الانتقام لديهم ، و ربما شعر الصهيوني بنشوة النصر بعد ان فشلت
قواته من تحقيق اي تقدم في بيروت . ربما رقصوا طربا و شربوا
نخب تحقيق شئ من حقدهم على الابرياء العزل ، ربما كان كل هذا .
لكنهم لن يسلموا من اللعنة التي ستلاحقهم في حياتهم و بعد مماتهم .
فإذا كانت العدالة لم تأخذ مجراها ، و لم يحاسب الاحياء من المجرمين،
بل و لم يطالب احد بالقصاص منهم ! فإن العدل العظيم سيأخذ حقوق الابرياء
من قاتليهم ." فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون "
إعلان منتصف المقال