قد يأتينا من يقول ان الموافقه الفلسطينيه على المبادرة الفرنسية " للسلام"
كانت مناورة ناجحه بكل المقاييس ، لان قيادة السلطة " بحنكتها" تدرك
ان الجانب الصهيوني سيرفضها ! فهي بتلك الموافقة السريعة احرجت
كيان الاحتلال ووضعته في موقف لا يحسد عليه امام فرنسا و اوروبا
و المجتمع الدولي عموما ، و أظهرت مرونة الفلسطينيين و رغبتهم بالسلام ،
و تعنت " الاسرائيليين" و رفضهم للمبادرات السلمية ! هذا التحليل
السطحي كان و لازال و سيبقى مبررا لكل مفرط بالحقوق و الثوابت الوطنيه .
كأن " اسرائيل" تكترث للرأي العام الدولي ، و كأن اللوبي اليهودي
لا يهيمن على سياسات معظم الدول الغربيه بل و حتى العربيه . كيان
الاحتلال منذ نشوئه لم يلتزم بأي قرار دولي و لا يكترث للمواقف التي
لا تخدم اطماعه التوسعيه و تشرع احتلاله للوطن الفلسطيني .
ان المواطن الفلسطيني يحكم على المبادرات المتعلقة بقضيته من اية
جهة صدرت بمدى موافقتها و تلبيتها لحقوق الشعب الفلسطيني ،
و بتماشيها مع الحد الادنى المتفق عليه في مؤسسات العمل المشترك .
التوافق يتلخص في دولة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 67
و تكون القدس عاصمتها الموحدة ، و عودة اللاجئين بموجب القرار رقم
194 . كل ما خالف ذلك يعتبر تجاوز للاجماع الوطني ، و خروج عن
القرارات الصادرة عن المجالس الوطنية و المؤسسات القيادية الفلسطينيه .
الملفت بان الموافقه الفلسطينيه الرسميه لم تصدر عن هيئة قيادية ، مما
يدل على ان مؤسسات المنظمة معطلة ، ولا تعقد اجتماعاتها الا اذا
كان ذلك يخدم مصالح بعض الجهات المتنفذة في السلطة الفلسطينيه . فالموافقه
على الورقة الفرنسية تحتاج لاستفتاء عام في الداخل و الشتات لما تحمله
هذه الورقة من مخاطر مصيريه على مستقبل الشعب الفلسطيني .
فالمبادرة تدعو الى دولة فلسطينية منزوعة السلاح ، و تبادل مناطق
بما يستجيب للاحتياجات الامنية للاحتلال .و لا تتحدث عن مصير
القدس و المستوطنات ، و تعتبر ان حل مشكلة اللاجئين يكون بالتعويض
و يجب الاعتراف الفلسطيني بالطابع اليهودي لكيان الاحتلال . و تؤكد
المبادرة بان هذه البنود بمثابة تسوية نهائية للصراع . فهل كان الكفاح
الفلسطيني الطويل يهدف في نهاية الامر للوصول
الى دولة منزوعة السلاح ، يُفتَك بها من اية قوة ، فيما العدو
يملك ترسانة قل نظيرها في العالم ؟ و هل اقرت المؤسسات التشريعيه
بامكانية تبادل للاراضي ، بحيث يستأثر الاحتلال على مناطق استراتيجية
تشكل موانع امنيه و يُبقي على مستوطناته ؟ و هل يقبل الشعب
الفلسطيني بغير القدس عاصمة له ؟ و هل يرضى الفلسطينيون عموما
و فلسطينيو 48 على وجه الخصوص بيهودية الدولة ، و ما هو مصير
المواطنين الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 48 في حال اقرار يهودية
الدولة . و هل سألت الجهة الفلسطينية التي وافقت على المبادرة الفرنسية
اللاجئين في الداخل و الشتات اذا كانوا يقبلون بالتعويض بدل العودة ؟
المواطن الفلسطيني يقف في حيرة من امره ازاء التسرع في اتخاذ المواقف
و اطلاق التصريحات التي تتنافى مع كل اسس العمل المشترك سيما في
الامور المصيريه التي لا يتحمل مسؤوليتها شخص بعينة او فصيل او جهة،
لانها تحتاج لاجماع شعبي و سياسي . لقد رفض العدو هذه المبادرة ليس
لانها تخالف مصالحه و اهدافه العدوانية و التوسعية و العنصرية . فهي قدمت
له كل ما يريد : يهودية الدولة ، لا عودة للاجئين.. لا دولة فلسطينية ذات سيادة..
ضمانات امنية كاملة بما في ذلك انتزاع مناطق ضمن الاراضي المحتلة عام 67
،لا حل للمستوطنات او القدس !اذن لماذا رفضتها " اسرائيل" ؟ لقد رفضتها لسبب
واحد : انها لا تريد ان تتعهد امام العالم باية اتفاقات لها علاقة بالصراع مع الفلسطينيين.
تريد عقد اتفاقات ثنائية تُبقي السلطة الفلسطينية تابعة لها ، و الامن الفلسطيني
مرتبط بها ، و الاقتصاد الفلسطيني تحت سيطرتها ، و الدولة الفلسطينية في
مهب الريح . السلام بالمفهوم الصهيوني استسلام كامل ، و تسليم كلي للارادة
الصهيونية ، فهل نتعلم من تجربتنا الطويلة و نفهم استحالة السلام بين المجرم
و الضحية ! و هل كان الرد الصهيوني الرافض للمبادرة حافزا لنا
للتشبث في مواقفنا و عدم التنازل عن حقوقنا .ان الطريق الوحيد للتحرر لا يكون الا بالكفاح ،
و الحق لا يؤخذ بالتمني و الاستجداء ، بل بالوحدة و الاعداد .
ان شعبنا بتضحياته و عطائه يستحق اكثر بكثير مما تقدمه هذه المبادرات .

