تحقيـق صحفـيــ وليد درباس
حملتالفلسطينيات مسؤوليات وهموم ينوء لثقلها العتاة ،ونضالاَ ومعاناةٌ تنحني دونها الهامات ، فكانت الفلسطينية أُمـاَ تصنعُ الرجال وأن قضى زوجها بدرب الشهادة ، ومناضلة بمواقع المواجهة حين يقتضي الواجب ، بل وجريحـة وحتى شهيدة وربما أسيرة ، ولم تنل من أرادتها قساوة الحياة وما فيها من أعباء وموروثات وعادات ، فأستمدت من صبرها زاداَ وتسلحت بالأيمان وأرداة الحق في الحياة والنجاح أيضاَ وكانت "على قـد الحمـل".
وفي أذارالمزدان بأريج الربيع وعبق اليوم العالمي للمرأة ، كان لمجلة القدس لقاء مع ثلة من الفلسطينيات ، لأستطلاع آرائهـن حول السؤوال التالي :
( يُشاع بان الطابع الذكوري للمجتمع يُشكل عائقاَ أساسياَ أمام تطلعات المرأة الفلسطينية ، ويرى آخرون بالمظلومية الاجتماعية واقعا يعني منه الرجل والمرأة معـاَ ، فماتعليلكـن لذلك ؟ وكيف تقرأن الأمـر ؟ ).
الكاتبة والأستاذة الجامعية د ــ أنتصار الدنان
المجتمع العربي بالعموم مجتمع ذكوري ، والمرأة مهما تعلمت وحملت شهادات علمية وأن تقدمت على الرجل فأولوية العمل بهدذا المركز أو ذاك تبقى حصريا للرجل" ،وفق حديث أستاذة اللغة العربية في جامعة الجنان د ـ أنتصار الدنان. التي تضيف " في لبنان مثلا تعاني المرأة من المظلومية القانونية فتحرم من الحق بمنح جنسيتها لأولادها " ، وبخصوص الفلسطينيات تستذكرالأديبة الفلسطينية انتصارالدنان نتائج بحث أجرتُه ذات مـرة حول التعليم والوظائف في "الاونروا" في لبنان، ودل على أن الحـظ الأوفـر بالمرحلة الأبتدائية من نصيب الأناث ، في حين تزداد وتتنامى حظوظ الذكوربالمرحلة المتوسـطة بل ويحظون بالمراتب الأولى في الأدارات العامـة والمراكزالعُليا . وتؤكـد أنه رغـم كثـرة المناداة بالمساواة وبحقوق المرأة ، تتعرض المرأة في المخيمات لمظلومية كبيرة تظهر تجلياتها بمراحل مبكرة "صرف المصاري على الصبي انجـع فهو باقي بالعائلة والبنت بتتزوج وبتروح ... يابنت هاتي الأكل لخيَك ... خيك تعبان قيمي الصحن ... الــخ" ، والمفارقة الغريبة "أن الأخ والأخت يصادف انهما يزاولان الأعمال الوظيفية خارج البيت" ، مايعني برأي الدنان "ان مفهوم الذكورية يبدأ مع التربية المنزلية حيث تقول " نحن عاجزون عن الخروج من حدود المجتمع الشرقي التقليدي ، لدرجة أن الفتاة حين تأسيسها الأسرة تُطبق موروثات أهلها التربويةعلى أبنائها " ، وتضيف " قلة من المجتمع تتمكن من التخلص من هذه القيود ، وتتحمل الأمهات مسؤوليات كبيرة بدورهن بهذا السياق كون الأم هي من تربي الرجـل ، والأم الناجحـة هي من تتخلص من المفهوم الذكوري بالتربية وتُقلـع عن الممارسات التقليدية التي نشات عليها ، وتسعى لتوفير مناخ تربوي سليم قائم على الأحترام والمحبـة والمساواة ، وتقديم قادة كفوئين للمجتمع" ، وتستذكر نشأتها ضمن أسـرة فلسطينية تضم إلى جانبها شقيقين ، وسط مناخات من الألفة والمحبة والرعاية ، لم تفرق الأم فيها بين ولـد وبنت ، معلقة "كانت أمي تشجعني لأتعلم وتقول لي اذا مابتكفي تعليمك بغضب عليكي " ، وهو ما بنت عليه انتصار وعززته بتصميمها وأرادتها وحقها في الحياة فغـدت أستاذة جامعية بعد تخصصها في الأدب العربي ، وأديبة وشاعـرة وصحفية أيضاَ.
من ناحية أخرى تنوه الدنان " بالنضال المتميز للمرأة الفلسطينيةوتعرضها رغم ذلك للمظلومية من أبناء جلدتها ، وتستحضرمشهـد حصرالصف الأمامي في أي حفـل أو مؤتمـرفلسطيني بالرجال الذين يلقون أيضاَ الخطاب دائماَ متسائلة " ليش المرأة ماعندها موقف سياسي تعبرعنه ، ماعندها شي تحكيه؟! "، ومحملة الأحزاب المسؤولية بأغفال دورها والتفرغ للأمورالسياسية وعادة مايكون ذلك على حساب حقوقها مايستدعي برايها "الألتفات لحاجة الفصائل والأحزاب للتجديد، ومسؤوليات القيادات الحزبية والفصائلية بالعمل وفق أجندة تلحـظ أعـداد جيل شبابي مثقف وواع ،وذي مناقب قيادية واعـدة تدرك الأمـور والتطلعات المستقبلية" وتختم بتوجيه رسالة للمرأة بأن " حرية المرأة ليست باللباس ولا بالتزيين ، حرية المرأة هي حرية فكريـة ، وينبغي أن تعمـل عليها حتى تربي جيلاَ واعيـاَ ، تقـع على عاتقـه مهام التحرير".
الفنانة التشكيلية الفلسطينية هيفـاء الأطرش
تعـزو أطلاق صفة الذكورية على المجتمع لغلبة الجنس الذكوري عموما في إدارة الحياة العامة والسبب برأيها يعود وبشكل كبيرللمراة ، لخضوعها للقرارات قبل نقاشها ، ومنها على سبيل الذكر( الكوتـة ) مشيرة إلى انها على أهميتها فأنها تُلحق الظلم بحقوق النساء ، وفي مقدمتهن ذوات الكفاءات وحَمَلة التخصصات بالمراتب والمواقع المتقدمه في مجالات العمل السياسي والمؤسساتي الفلسطيني ، خاصة أن القيمين على تطبيقها محكومون بالفكرة الذكورية ، وعادة مايتوافق ذلك مع وجود المحسوبيات وتعيين نساء مناضلات بالمراتب اياها رغـم أن مؤهلاتهن دون المقومات المطلوبة لتبوئها وتقول "اذا كان في جدية ونريد تطبيق الشفافية بالعمل التنظيمي والمؤسساتي من أتحادات وتنظيمات شعبيه فسنجد نسبة عالية من النساء الكفوءات وبينهن في مقتبل العمر ... نحن نحترم كافة النساء ومنهن مناضلات التحقن مبكرا وأمضين السنوات بالكفاح ، لكن هناك منعطفات ومراحل لها خصوصيات ويجب مراعاتها "، وتضيف " للأسـف لايوجد تعاون بصفوف النساء ، وعموماَ المرأة لاتدعـم المرأة ، بوقت يجب أن تمـدَ المرأة يدها لتعين زميلتها في العمل من أجل النهوض " ، منوهـة في الوقت ذاتـه إلى أن لكل من الرجل والمرأة قدرات ومهارات متمايزة ، وداعيـة لضرورة ملامسة الواقع لكي يكتشف الرجال والنساء ، أن كلاَ منهما يُكمل الآخـر.
وأرتباطا بماهية مرحلة التحررالوطني التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني وأشادات الحركات والأحزاب الفلسطينية ، التي لاتتوقف ،بنضال المراة ودورهـا، والحديث عن حقوقها كذلك ، تقول السيدة ام جهاد الأطرش " إحنـا بـدنـا تطبيـق ما بدنا تنظيـر" ، منوهـة إلى أن ذلك يتطلب "رفـد هـذه الأشادات بعـدم أقصاء المرأة عن المشاركة بتحمل المسؤوليات ، فنسبة مشاركة المرأة لاتصل لـ 1% " .
كما تُسجل للمؤسسة الرسمية الفلسيطينية ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية أستحضارها للكفاءات النسوية وأشغالها بالوزارات ، لكنها والحديث للأطرش "حصرت السلطة مشاركة المرأة بتوليها لمسؤوليات وزارات دون غيرها ، وعلى تعاقب الحكومات بقيت بحدود وزارات الثقافة والسياحة ، وشؤون المرأة ، ولم تتعداها لوزارات أخرى ، كالمالية مثـلاَ وسواها ، مايدل على أن التفكيرالذكوري ما زال سيد الموقف".
من جهة أخـرى فـ "هيفاء الاطرش" عضو فرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في سوريا ، وكانت قد هُجرتْ إلى لبنان ، وبحكم عملها الراهن في فرع الاتحاد بلبنان بصفتها مدربة دولية في التنمية البشرية "معتمدة من البورد العربي" ، تصف الفرع بأنه ناشـط لديه حرية بالعمل وخبرات ، ويمتلك كفاءات وقدرات في مفاصل العمل وادارة شؤون المؤسسات الخاصة به في المخيمات ، وتختـم بالتنويه للمفاعيل الأيجابية للمناخات التي عرفتها في بيت أهلها المتسم بالصبغة الوطنية والسياسية ،والتشجيعوالتحفيزالـذي مكنها من أن تصبـح اليوم خريجة معهد متوسط ـ فنون تطبيقيه ـ قسم النحت ، وكاتبة قصة قصيرة وشعـر ، وعضواَ بالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينين ، وعضو بالاتحاد العام للفنانيين التشكيليين.
الناشطـة الاعلامية لينـا مياسـي
تبدأ قـراءتها لما سبق بالقول " أن المرأة وأين تكـن هويتها وأنتماؤها ، وبعيداَ عن التقسيم الفلسطيني واللبناني ، هي انسانة قبل أي شيء " ، وتربط بين مستوى نيل المرأة لحقوقها وماهية المجتمع الذي تعيش فيه ، وعليه فالنظرة للمرأة في المجتمعات النامية وفق حديث الاعلامية مياسي "محكومـة للتخلف في عقول الناس والتقاليد أيضا ، ولايجري بالأستناد لكونها عاملاَ مهماَ بالتوازي مـع الرجـل في بناء المجتمـع بقدر مايُنظـر اليها بإعتبارها أداة ووسيلة "، وتربط ماسبق أيضا " بمدى تشريع الدول أياهـا لقوانين حمايـة حقوق المرأة بل وتطبيقها ، كأن يُصارمثلاَ للـزوم تحديد كـوتـا نسائية بهذه المؤسسة أو تلك ، وبما في ذلك الوظائف التي تصنع القرار ، بـدل تشغيلها بوظائـف الكسرتاريا والأدارة العامة " ، وتـرد السبب " للتخوف من تفوق النساء في بعض المجالات على الرجـل " .
من ناحية ثانيـة تدعـو المرأة لعدم الأكتفاء بالتذمُر من الظلم الواقـع عليها بل بالسعي لتطوير أدائها ، لتكويـن كتلة وازنـة وتنتزع حقوقها . وبخصوص أفضلية حظـوظ المرأة على الرجل بالوظيفة تقول " للأسـف صُرنـا ننظـر للمرأة على أنها الأجمل للأعلان ، وأنها عامل جـذب أكثرمن الرجل ، وأجرها في المؤسسات والشركات أقـل .... الـخ" ، وتزيد "بـدل وضـع المرأة بهذه الخانـة علينا الأعتراف أن من حق المرأة أن تعمللتصل لحقوقها" . وأرتباطا بذات السياق تُشير لوجود ذهنية بعقول الكثيرين بوجهة أنـه لـدى الرجل سلطة أكثر ويستطيع أن يُحقق أكثر ، مايحدو بالمرأة كما في الأنتخابات مثلاَ لتجييرصوتها للرجل بدل تجييره لبني جنسها ولصالح الأكثرحرصاَ على حقوق النساء".
وتتوقف حيال واقع لاجئات الشتات فتنوه لتعرُض الفلسطينيات دون غيرهـن ، ولا سيما داخل المخيمات لمعاناة صعبـة وعوامـل سلبية عديدة منها الاقتصادية والاجتماعية ومن مفرداتها ، وفق حديث لينا مياسي خريجة الجامعة العربية ـ قسم الاعلام اضافة لتخصص علم نفس " عـدم الأستقرار ، ماهية الوعي تجاه حقوق المرأة ، التداعيات السلبية للعائلة كبيرة العدد ، الزواج المبكر ، الأمية ، ندرة العمل للمتعلمات وحملة التخصصات ..... الـخ " ، وتُسجل تفاؤلها اليوم بتزايد أقبال جيل الشباب على التعلم والثقافـة ، باعتبارها تُزيـد الوعي ، وتحـد من النظرة السلبية تجاه المرأة ، ولدورها بتطويرالنساء وتمكينهن من بناء جيل قادرعلى الدفاع عـن حقوقهن وعـن حـق الفلسطينين بالعودة ، وتنهي مياسي بالتنويه لمكانة الارادة الذاتية بصنع القرار حيث تقول " آمنتُ منذ كنت طالبة بأنني أستطيع أحـداث تغييـر ، وتحقيق طموحي بأن أصبح صحفية ، وعملت جهدي وأشتغلت لأكمل تعليمي ، ووفر لي اهلي المناخات الايجابية ، فتفهموني وحفزوني وكانوا خيرمعين ومساعـد بوصولي لما اصبو اليه والحمد لله " .




