إسراء الصفدي
طالبة صحافة في جامعةAUL منتسبة لمكتب خدمات الطلبة الفلسطينيين في لبنان.
لم يكبروا.. لازالت أحجامهم صغيرة كسنبلةٍ في حقلِ ألغامٍ رفضت أن تذبل،أما عن عقولهم فهي قد نضجت على عجلة،عند رؤية أول رصاصة زرعها رجلٌ في صدرِ أخيهِ،عند رؤية أول قذيفة سقطت على حَيِهِم مصدرها الحي المجاور لهم،عند أول نزاع وتصادم وشجار.. عند نسيان التحدث عن الألعاب ليحل مكانها الحديث عن الوضع الأمني ومن شاهد الرصاص والرجل ذو القناع الأسود!
حتى الخوف لم يعد يعني لهم شيئاً،لربما قد اعتادوا،أذكر جيداً كم كنتُ أخاف الرصاص في طفولتي،وحقيبتي المليئة بالثياب التي كنتُ قد جهزتها لأحملها وأرحل عند حصول أي إشتباك،أما الآن هذا بالنسبة لهم شيئا عادياً،وقلةٌ من يدرك خطورة هذا الشيء،جيلٌ تربى على العنفِ والحرب ولم يعد يبالي،فما ينتظرهُ في المستقبل،وما ننتظره نحن لنراه منهم؟
طفولتهم قد ضاعت،حقاً قد ضاعت.. حتى حَقَهم في التعليم يلحق بها،فما أن يُسمع طلقة نارية حتى يحل على الطلاب إجازة أسبوع أو أكثر،وعند العودة إلى مقاعد الدراسة لا يَسْلَموا من التوتر الذي يحيطُ بهم،وتعلق المشاهد المؤسفة بذاكرتهم بدلاً من الدراسة.
الوضعُ الأمني السيء لا تكمن خطورته فقط في التجول الخجول في الشوارع،والخسائر البشرية والمادية،فهو أشبه بحربٍ نفسية تسيطر على الروح لمدة طويلة.
تلك القذائف الفجائية التي تسقط،يسقط معها اللون الطبيعي لوجوه الأطفال، ليحل اللون الأصفر المخيف،ذاك الذي يؤشر على إفتقارهم للدم وما يتبعه من أمراض تبدأ ببسيطة لتصل إلى خطيرة.
لا أعلم بماذا سأجيب أخي وأولاد الحي عندما يسألوني عن نوع السلاح الذي تم إستخدامه في الإشتباكات الأخيرة،هم يعلموا الإجابة،إنما يختبرون معلوماتي فقط،فيضحكوا عليَّ لأني أجهل نوعه وأنا كبيرة،وهم الصغار يعلموا !!
هذا ما أواجهه،هذا ما وصل إليه أطفالنا،وهذه هي ألعابهم،فمن يعيد طفولة تتقلص كلما أعلن طرفين الحرب على بعضهما، حتى شارفت ملامحها على الإختفاء.
وكأن قسوة اللجوء لم تكفيهم،قلة أماكن اللعب والأزقة الضيقة وندرة المؤسسات التي تهتم بشؤون الطفل اللاجئ،وشبه غياب للفعاليات التي تعمل على مسح ما تركته الحرب في نفوسهم لجعل الطفل أكثر راحة وإحساسه بطفولته التي ينبغي أن يعيشها.
دمعة من عيونهم وصرخة يطلقونها لم تعد تؤثر بأحد،سقطت ثقتهم بجميع المراجع،فهموا الحياة وهي لم تراهم بعد.. أما في كل صباح تبتسم الشمس لهم عند رؤيتهم في طريقهم إلى المدرسة،تَودُّ لو تخبرهم أنهم أجمل من كل معاني الحرب،تود لو تخبرهم أن يبقوا هكذا أقوياء لأنهم هم الحياة ونبض المخيم،فهل ستختفي مرحلة الطفولة؟وهل سيُخلق الطفل ليصبح رجلاً بسرعة يعي ما يحدث حوله؟وهل من أحدٍ يُعيد لأطفال المخيم والعرب طفولتهم؟
