فاطمة مجذوب
تصوير خالد النصر
صيدا في 22 آذار 2016
"هي تخلف وفلسطين تأخذ" هكذا وصف الراحل غسان كنفاني الأم الفلسطينية ، الام الفلسطينة هي منجبة الاحرار وصانعة الثوار، صلابتها كالحجر في وجه العدو، نضالها كالسكين الحاد على رقبة غاشم، أما عن رحمها فهو لا ينجب الا الغام تُزرع تحت مذرعات جيش العدو، عظيمة هي بكل الصفات وبكل ما تحمل للكلمة من معنى.
شاركت بكافة محطات الشعب الفلسطيني النضالية، ساندت الرجل بكل شيء منذ أكثر من مئة سنة، أثبتت وجودها في الحروب، تهريب واخفاء السلاح للمقاومين، تهريب الطعام للأسرى، خطف الطائرات، تفجير الحافلات، تنفيذ العمليات، بالاضافة الى تربيتها الثورية في تحريض ابنائها على العدو. نجحت هذه المرأة في التصدي لكل انواع المعاناة ومواجهة الفقر والأسر، واللجوء الذي يعتبر أكبر المعاناة التي لا يمكن التغلب عليها الا بالعودة الى فلسطين.
ترسل فلذة كبدها للموت من أجل الوطن، تودعه وتعرف أنه لن يعود، تدعو له من قلبها أن ينال الشهادة وعندما يخبرونها ان ابنها استشهد تستقبل الخبر بدموع الفرح وتزفه كأنه عريس .
أم الشهداء، إمرأة تقطن في مخيم عين الحلوة في صيدا، أرملة لرجل نضالي يدعى احمد علي حجير، التحق في صفوف الجبهة الديمقراطية عام 1970 وساهم في تأسيسها، وتولى العديد من المهام في القوات المسلحة الثورية، بالاضافة الى التصدي للعدو أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 في لبنان.
في مقابلة مع ارملة حجير، ام قاسم الملقبة بـ أم الشهداء، قالت لنا" منذ طفولتي وأنا أعيش المأساة تزوجت عمري 12 سنة كنت صغيرة ولكن هكذا كانت العادات عند القرووين في فلسطين، ولكن رغم صغر سني ساندت زوجي في مسيرته النضالية، ساعدته في حماية المطلوبين للعدو وعلمني تنظيف السلاح وكيفية استعماله ولكن لم اكن أعلم أنني سأقدم من خرجوا من رحمي شهداء وهم في ربيع عمرهم.
ام قاسم لديها ستة اولاد، خسرت ثلاثة من رحمها والرابع ابن ابنها، والذين بقوا من اولادها على قيد الحياة يعانون من اعاقة جسدية نتيجة شظية انفجرت بهم عام 1985 في حرب الكتائب اللبنانية.
الشهيد الأول قاسم الولد البكر لأم قاسم، ولد عام 1958 وفي عام 1982 شن الاحتلال الاسرائيلي اجتياحًا على لبنان
فتحولت أراضيه إلى ساحة قتال بين منظمةالتحرير الفلسطينية وسوريا
واسرئيل، كان قاسم مازال في العشرينات من عمره ولديه طفل وزوجته حامل، ترك عائلته وذهب مرتديًا الحزام الناسف مفجرًا نفسه بعملية راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي.
الشهيد الثاني حسن (20عامًا) متزوج ولديه طفلين، استشهد قنصًا عام 1985 خلال الحرب الأهلية في لبنان والتي كانت من اشنع وأكبر المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
اما عن ابنها الثالث مسعد( 43عامًا) وابن ابنها علاء علاء (22عامًا) فارقوا الحياة قتلًا نتيجة الصراعات الداخلية في ازقة مخيم عين الحلوة.
وتضيف ام قاسم ان المتعارف عليه في عيد الام ان الابناء يأتوا الى امهاتهم لزيارتهم، لكن الابناء في منزلي باتوا صورًا على الجدار مؤكدة انها فرحة وفخورة جدًا بكل ابنائها لاسيما البكر الذي حقق خسائر بشرية في صفوف العدو.
ليست ام قاسم الوحيدة التي خرج من رحمها شهداء فهناك العديد من الأمهات اللواتي ولدن وقدمن اولادهن للوطن، وبات يطلق عليهن القاب عدة كـ "ام الشهداء"و "الخنساء"، هي القاب خرجت من رحم الأم الأكبر فلسطين، الأم العنيدة التي مازالت صامدة في وجه الظلم والاحتلال وقمعه اليومي، رافضة السلام والاستسلام معه، مهما طال الاحتلال فلا بد لليل ان ينجلي وللحق ان ينتصر.






