في زمن التردي والانكفاء، في زمن الدوائر المغلقة أو المنغلقة على عصبيات جاهلية، والتي يغلب عليها غياب الفكرة الوطنية وسيادة منطق( انا او لا احد مهما كان الثمن)، يصبح صعباً ان نكون امام افراد بديناميات شعبية وافق وطني فلسطيني .
وفي ظل غياب أي افق لعمل جماعي فلسطيني، يهتم بمناقشة كل الملفات بهدوء بما يؤدي الى صياغة مبادرة فلسطينية تستطيع معالجة كل عوامل الاعتلال، اتجه الافراد نحو الانكفاء نحو الذات والمصلحة الفردية، أي ابتعاد شبه كلي عن الاهتمام بالنضال الوطني و القضايا المجتمعية العامة، ومعها صار السؤال عن المسؤولية الفردية ازاء المجتمع، الاحساس بالواجب كقيمة فردية تحرك الفرد نحو مبادئ التضامن ، التعاضد، المساندة، سؤالاً غريباً ومستهجناً.
المأزق في عين الحلوة كان كبيراً وعميقاً في ظل توفر عوامل خارجية تحفز الانقسام، الاختلاف،عدم الاستقرار الامني، وكان الحل في ذلك الوقت يتمثل في الشعب، الناس المتضررين من هذا الواقع، فطالما أن الاطر بمختلف انواعها وعلى اختلاف مشاربها عجزت عن تحقيق الحد الادنى من الاستقرار، فعلى الشعب ان يتحرك إزاء أي اشتباك، هنا بالضبط برز افراد يمتلكون نفس الهواجس ، يعيشون نفس المخاوف، ويؤمنون بأهمية التحرك الشعبي في مواجهة الخطر، أفراد امتلكوا الشجاعة والوعي بأهمية تفعيل الحركة الشعبية تضغط على الاطر المختلفة و تجبر اللاعبون الفاعلون على التحرك من اجل ضبط الاوضاع، و يتحركون دون الاستناد الى امكانيات مادية، وحدها ارادة الفعل والتحرك والايمان بالواجب الشخصي، واعني بهم أولئك الذين يتحركون تحت شعار المبادرة الشعبية الفلسطينية.
عودة على بدء، في ظل بلادة الاطر و تقليدية الوسائل، في ظل مأزق الانقسام و مترتباته، في ظل الفراغ السياسي ،وعلى قاعدة أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، كان طبيعياً ان يولد من رحم هذا التشابك، افراد وجماعات تحمل مسميات مختلفة، بعضها شعبي ، بعضها الاخر شبابي وحتى مؤسساتي، وظيفة هذه الاطر كان يتمثل في الضغط على حركة الواقع المتردي من اجل فضاءات اكثر اشراقة ، اكثر ايجابية، بعض هذه الاطر كان يتحرك بفضاء وطني، وارضية شعبية ومضمون مطلبي، مثلت المبادرة الشعبية الفلسطينية واحدة منها و تميزت بطابع الاستمرارية ، أي انها لم تكن تعبيرا عفويا او طفرة انية تنتهي متى انتهت الظروف المحددة.
بهذا المعنى، تصبح هذه الاطر ضرورة حيوية يحتاجها المجتمع الفلسطيني من اجل خلق فضاءات اكثر تفاؤلاً في مقابل بيئة قاتمة مظلمة يسودها التفكك والانهيار. الغريب ان لا ندرك اهمية هذه الاطر ، ان نستخف بقيمتها وفائدتها، والمستهجن اكثر ان نحاربها ، من خلال شيطنتها تارةً او من خلال تجاهلها وعدم توظيفها في سياق دينامية سياسية، اجتماعية ، وهذا يعني ان نستبدل في وعينا مفهوم الاستبداد بمفهوم اكثر ديمقراطية، وبدلاً من الاستيعاب بمعنى السيطرة الاستيعاب بمعنى الاعتراف، التفهم والشراكة.
المبادرة الشعبية الفلسطينية مثلت دينامية شعبية فرضتها الظروف الموضوعية وليس فقط ارادة الافراد، وبغض النظر عن بعض الملاحظات هنا وهناك التي قد تأتي من هذا الطرف او ذاك، فإن مجمل هذه الملاحظات لا يمكن ان تكون كافية لدرجة الالغاء، المبادرة الشعبية تحولت الى جزء من ستاتكو وليس ضيف عابر، وفي الوقت الذي تفرض فيه مجموعات مسلحة او متطرفة حضورها و يتم استيعابها في النسيج الفلسطيني، فإن الاولى هو حماية واسناد المبادرة الشعبية الفلسطينية، واذا كان المأخذ عليها أن صوتها عالي النبرة، فإن عذرها ان صوتها العالي جاء في وقت كانت الاصوات خافتة او غائبة.
البيان الاخير الذي نشرته المبادرة الشعبية الفلسطينية البارحة ربما يمر مرور الكرام عند الكثيرين، ربما يشعر البعض بالارتياح، غير ان هذا الامر يحتاج الى دراسة وتدقيق من الحريصين على تطوير البنية الفلسطينية. واذا كان هذا البيان ناتج عن عوامل ضاغطة او نتيجة عملية اقصاء مبرمج، فإنه بحد ذاته يشير الى حاجة المجتمع الفلسطيني الى ترسيخ بيئة مشاركة و عقلية تكامل، فمجتمع الصمود حتى العودة إنما يحتاج الى طاقات الجميع دون استثناء.

