محمد بهلول
تشهد المخيمات الفلسطينية منذ بداية العام الحالي سلسلة من التحركات الشعبية بوجه سياسات الأنروا تجاوزت ما هو متعارف عليه منذ أكثر من ثلاث عقود سواء من حيث حجم المشاركة الشعبية والتي تتصاعد باستمرار بفعل ترافقها مع حملات تعبئة شعبية واضحة المعالم موحدة الشعارات والخطاب ومحددة الأهداف ومتواترة الإرتقاء ومتوائمة مع المزاج الشعبي ونبض الناس وبأدوات تملك الحدّ المعقول من الثقة الشعبية والتواصل مع الناس، وهو ما يبشّر بتزايد التفاعل الشعبي ويقلق الأنروا التي تعوّدت على نمط مختلف يحصر تفاعلها مع نخب وليس مع جبهة متضرّرين.
ان تجاوز الخطاب الشعبي لسقف تجميد أو إلغاء مفعول قرار الإستشفاء الجديد إلى ما هو تأمين الحدّ الإنساني من الخدمات للاجئين الفلسطينيين بما يتناسب مع أهداف ومبادىء الأنروا، كان عاملاً حاسماً على تحفيز الحركة الشعبية وإطلاق اللبنات الأولى لشرارة مشاركة حقيقة نواتية من قبل الناس تتأهل للتوسيع والتنويع بطبيعة الأنشطة المترافقة وهو ما شكّل أيضاً عاملاً مؤثّراً على استنهاض لجان الأحياء والقواطع والإدراك السريع لحقيقة دورها وانتقالها من مربع العلاقات العامة الى دائرة التواصل مع الناس وهمومها واستنهاضها في معركة انتزاع الحقوق.
للمرّة الأولى منذ عقود تشهد المخيّمات الفلسطينيّة حركة شعبيّة مطلبيّة تنتشر على المدى الجغرافي وتتصاعد من حيث المشاركة، علماً أن كلّ ً التحرّكات الشعبية السّابقة كانت في إطار الهمّ الوطني، باستثناءات محدّدة جدّا، المؤثّر هنا هو في التواصل والإستمرارية والتصعيد المترافق مع تشكيل وتطوير الأدوات التنظيميّة وخلق ديناميات تمزج ما بين الأهداف الإستراتيجية والمرحليّة، ما بين الأنشطة والمزاج والإستعداد الشعبي ، ما بين الإهداف والحوامل الشعبيّة وهو ما يعني ربط الرسائل الموجهة من خلال حضور شعبي والإبتعاد عن نظرية النخبة تختزل الناس، ان قيمة الرسائل الموجّهة بطبيعة مرسلها وهو ما تفهمه الأنروا ومن ورائها الدول المانحة المؤثرة والتي اقتصرت على مدار العقود على رسائل النخبة الإعلاميّة وارتاحت اليها من خلال سياسات التقليصات المتراكمة دون رفّة جفن.
الجديد أيضاً، هو في توجيه البوصلة نحو الدول المانحة صاحبة التأثير الحاسم على سياسات الأنروا والتي كمؤسسة وسيطة تتكيّف مع واقع الموازنة الواردة إليها، ان زيادة الموازنة لا يمكن ان يتأمّن من دون الضغط الشعبي المباشر القوي والمؤثر على المورّد مباشرة، وهنا تفتح الحركة الشعبية المتعاظمة الأبواب أمام توجيه الرسائل المباشرة الى سفارات الدول المانحة وعدم حصرها بعنوان الأنروا.
هذا ما يؤدي حتماً الى الترابط ما بين العنوان الوطني "الحرمان من حقّ العودة" والعنوان الإجتماعي المطلبي بتأمين الحدّ الأدنى الإنساني من الخدمات الأساسيّة.
ان هذا العنوان هو وحده ما يفتح الباب واسعاً أمام معركة الحقوق الكاملة والشاملة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بتعدد الحارمين وعدم حصرها بالأنروا وحدها، ان الدول المانحة أي الكبرى المؤثرّة على كل مغتصبي الحقوق ستكون ملزمة بتقديم اجابات قد لا تكون حصراً بتوفير الأموال للأنروا.

