محمّد بهلول
تمتصّ الهجرة إلى الدول الأوربيّة المئات من الشباب الفلسطيني، ولا يكاد يمرّ يوماً إلاّ وتسمع عن عشرات الحالات التي باعت كل ما تملك من مقتنيات متواضعة واستدانت من الأهل والأقارب وعزمت النيّة على الرحيل سالكة في أغلب الأحيان طرقاً محفوفة بالمخاطر ويتربّصها الموت غرقاً كل لحظة على أمل الوصول إلى الجنّة الأوربيّة حيث الصورة الورديّة عن المعاملة البني آدميّة ونبذ العنصريّة والراحة الماديّة والمعنويّة.
بمعزل إذا كانت الصورة المتخيّلة حقيقيّة وواقعيّة أم مبالغ فيها ومصطنعة، فالهجرة أصبحت ملاذاً وفي طريقها لتتحوّل قدراً لكافّة اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان وسوريا، والعمليّة تتم بصمت أقرب إلى المؤامرة منه إلى العجز وعدم القدرة.
وبمعزل أيضاً عن النقاش حول الهجرة هل تؤدّي إلى شطب حقّ العودة أم لا، وهل اللاجىء في لبنان يتمسّك واللاجىء في أوروبا ينسى ولا يهتم.
إعلان منتصف المقال
الهجرة اليوم وبشكل تراكمي على ما سبقها، أدّت وتؤدّي إلى تفكّك وتفتّت إضافي إلى العائلة الفلسطينيّة التي تناثرت سابقاً على جغرافيّات فلسطينيّة محدودة العدد (3) ما بين بلدان اللجوء والأراضي المحتلّة في كل من مناطق 1948-1967، إلاّ أنها اليوم تتناثر على أكثر من مئة دولة مهدّدة آخر قلاع المؤسسة الجماعيّة الفلسطينيّة الا وهي العائلة، وبآثارها المباشرة وغير المباشرة على الوعي والهمّ والتطلّعات والإرادة الوطنيّة الجماعيّة.
لقد كانت فلسفة المشروع الوطني الفلسطيني ترتكز على إعادة تحويل الوحدة العاطفيّة للشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 إلى وحدة بديهيّة، واليوم، الآثار المباشرة والغير مباشرة لتفكّك وانشطار المشروع الوطني تعيد تفكيك هذه الوحدة البديهيّة والعودة بها إلى وحدة عاطفيّة مجرّدة .
يساهم الإنشطار والتفكّك المجتمعي والعائلي بترسيخها وتخليدها ويجعل مجرّد التفكير بإعادة تحويلها إلى وحدة بديهيّة خرافة.
ان الهجرة وان بدت ظاهريّاً طوعيّة إنما هي في الواقع تهجير قسري نابع عن سلسلة متكاملة من المشاكل والمخاطر ساهم بها العديد من الأفرقاء وان دون تنسيق وتشابك. وما يثير الإنتباه ان هؤلاء الأفرقاء يلوذون جميعاً وأيضاً دون تنسيق مسبق بالصمت المريب وعلى ما يبدو ان كل طرف يريد ان يقنّع مسؤوليّته ويتهرّب من عواقبها.
الفصائليّون، يلوذون بالصمت وان يعملون بضغط على عدم إظهار المشكلة، ليس بفعل الخوف من تحمّل المسؤوليّة، فعندنا لا يوجد نظام محاسبة أصلاً، بل حفاظاً على موقع مسؤوليّة فارغ من القدرة على التأثير ودور منتفخ بفقّاعات الهواء.
الحوار الهادىء ما بين القوى والفصائل السياسيّة والجمعيّات الأهليّة وجمهور الناس على قاعدة تحديد واضح لإجراءات ويعمل عليها للحدّ من الهجرة للحفاظ على ما تبقّى من الأواصر الجمعيّة الفلسطينيّة، وعدم فقدان القاعدة التي تجعل من الفصائليّين قادرون على الإدّعاء انّهم قادة ومسؤولون.