recent
أخبار ساخنة

وصف غير دقيق

الصفحة الرئيسية



محمد السيد

ملامِحُ المُخيَّم تَظهرُ حينَ تَرْتَسِمُ أشعّة الشمس على الجُدران، وتتزيَّن الشوارع والأزقة بأقدام المارة، هي ليسَت شوارع، إنها أقْرَبُ إلى إن تكون "خُطوط عسكرية" لكنها تفيضُ بالجمال والحنين.
وهُنا صيادٌ يتسامر مع البَحرِ، فيَتَعاتبان ، سَمَكَةٌ عَلِقَت بخيط الصِنارة، والصياد سارحٌ بما وراء البِحار، ما يهمه هو "ليلى" والبحر -بلا مبالاة- من هي ليلى؟، إنّ البحر لا يحفظُ الأسرار لكنه ينسى.
وفي أول "الحارة" طِفل ينتَظر مصروفه اليومي من أبيه الذي يعمل من شروق الشمس حتى غروبها براتب لا يسد احتياجاتهم اليومية. والأم تتقاسم ربطة الخبز مع جارتها بعد ان تأخر البائع.
وما هي إلاّ لحظات حتى تَعُجُّ الطَريق باللون الأزرق كأن السماء هبطت على الأرض، واصوات صياح الأطفال وضحكاتهم و إزعاجهم الذي لا يزعِج، السَماء لم تسقط، انه فقط اللون الوطني للباس "الأونروا" المُوحَّد.

فيروزُ الصباح !! الآن الآن وليس غداً, أجراسُ العودة فلتُقرع، الصوت يخرج من سيارة "مرسيدس" حمراء طراز الـ١٩٤٨، وصاحب الدكان يدندن على الأنغام وينفض غبار الطريق عن واجهة دُكانه الصغير الذي ورثه عن أبيه.
المختار يلفُّ سيجارة تبغ عربي ، إنه ليس مختارًا، فليس لدينا في الشتات" مختره" ، لكنه اللقب الذي حمله معه من " أم الفرج " . وحفيده حسام يصب القهوة ويجهّز العدة كي لا يتأخران على البستان ، كانوا يملكون عدة بساتين في أم الفرج .
رائحة ذكيّة !! تخرج من نافذة مطبخ ذلك البعيد ، وشاب يركض مسرعاً بعد أن فاتته المحاضرة الأولى ، كان يسرح شعره . وعلى جانب الطريق تبدأ فترة ما يسمى " الصباحية " حيث تجتمع النساء حول غلاية القهوة ، هي ليست غلاية ، هي أقرب إلى" دلّة " وتدور بينهم الأحاديث ، تخبرهم " إم سامر" بالبشارة فإبنها " أحمد " حصل أخيراً على الإقامة في بلاد الغرب بعد إنتظار طال ستة سنوات , لتغادر النساء الجلسة لشراء حاجاتهن اليومية.

وفي " الزاروبة " بين البيوت يجلس " أبو ماجد " ، ذلك المسن الذي لا يبتسم إلاّ لأغنية ثورية أو لصديق مسن آخر ، أو لجارته ذات القوام الجميل التي تخطت الثانية والثلاثون وهي تنتظر النصيب . 
وعلى مدخل المخيم شاب كان قد نسي بطاقة هويته الزرقاء التي تميل الى الخضار، نعم إنه سبب زحمة السير، لكنها ليست بتلك المشكلة ، فسرعان ما سيأخده " جيب المخابرات " كي يحققوا معه في إحدى ثكنات العدل العسكري .
وهناك العريس يحمله الأهل والأصحاب على الأكتاف،وأمه ترقص وبدلته على رأسها، وتغني " إحلق يا حلاّق بالموس الذهبيّة " .
و"خلف الجدار العازل"، يتزاحم الناس ببطاقاتهم الزرقاء والبيضاء والصفراء ليأخذوا بعضاً من السكر والعدس والزيت والحليب ، إنه جدارٌ يعزل ساحة الإعاشة عن الطريق .

المخيم ، هو ذلك المكان الذي يحتوي كل تلك الأحداث والتفاصيل اليومية الصغيرة. المخيم الذي لطالما إحتضننا وتحملنا وآوى الفقير والغني , القوي والضعيف ، و" أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" .
إنه المخيم بكل أزقته التي لا تشبه الأزقة وشوارعه التي لا تشبه الشوارع وكل صفاته التي لا تشبه أي صفات وبكل ملامحه التي تَظهرُ حينَ تَرْتَسِمُ أشعة شروق الشمس على الجُدران ، وأيضا إنها لا تشبه الملامح .
بكل زاوية فيه ، يعيش الحب والدفئ والإطمئنان ، فهو الملجئ الذي إحتضن سكانه طيلة فترة لجوئهم ، وعاش معهم الأفراح والأحزان . وينتظر معهم موعد عودتهم .. ليعود معهم.
google-playkhamsatmostaqltradent