
تلك الجثث و الاشلاء المتراكمه ، المنتفخة و المتحلله ، الجامده بلا حراك ،
التي تنتشر بين الازقة الفقيرة و البائسه. كانت قبل قليل لها اصحاب طيبون
يحلمون بواقع افضل . ينظرون مع كل آلامهم و جراحاتهم و بؤسهم لحياة
بلا موت و قيود و حصار . كانوا يرسمون غدهم و غد الاجيال القادمه
على شكل يناسبهم و لا يناسب القاتل . شكل تسوده المحبة و الرحمة ،
لا عنصرية فيه و لا تفرقة. لا ممنوعات على اللاجئ و مسموحات
لغيره ، لا حقد فيه و لا ضغينه . هذه البيوت البسيطة المتقاربه و المتهالكه
كانت تضج بالحياة و الطموحات ، و كانت تصنع بيئة خاصة للكرامة
و العزة و المجد . من هنا كان يتخرج الرجال . في كل بقعة من هذا المكان
كان يولد شهيد . كان يرضع الصغار معاني الحرية ، حتى اذا كبروا
اشتاقت لهم البطولة ، فلبوا نداءها و تعملقوا الى عنان السماء .
تحت تلك الاسطح الصفيحيه الممزقه و المهدمه ، كانت تعيش
عائلات وفّرت لنفسها ساعات للهروب من اعباء و اثقال الحياة
بالابتسامة و اللطافة و المحبة . كانوا يؤذنون و يقيمون و يصلون
و يرفعون اياديهم الى السماء ، داعين الله تعالى ان يلطف بهم
و يحمي اولادهم و ينصرهم على اعدائهم . الاعداء الذين يتكلمون
العربية و العبرية و ما بينهما ! كانوا يدعونه سبحانه حتى يمكنهم
من العودة الى مدنهم و قراهم و اراضيهم المحتلة في فلسطين .
و كانوا يتمنون الصلاة في المسجد الاقصى المبارك ، و التمتع
بنسمة فلسطينية خالصه لا عنصرية فيها و لا تمييز .
قطع السفاحون على الامنين احلامهم الجميله . جاؤا يحملون
احقاد قرون من الزمن ، و ضغائن مدفونة منذ عهود غابره .
كانوا احقد من اسلافهم الصليبيين ، جاؤا بحقد فردريك
و ريتشارد و فيليب الثاني الملوك الصليبيين الذين قادوا
الحملة الثالثه الهادفه لتدمير المسلمين و السيطرة على القدس .
و كانوا احقد من بطرس الناسك و البابا اوربان الثاني اللذان
كانا يحلمان بفناء الاسلام و المسلمين . اقتحم القتله هذا المكان
المتخم بالجراح ، المنهك بفعل القصف و الحصار ، الاعزل
بعد ان غادره المقاتلون . أتوا بفؤوسهم و خناجرهم و بنادقهم
لينتقموا من رجال و نساء و اطفال لا يملكون شيئا يدافعون
به عن انفسهم . جاؤا بحماية اسيادهم الذين كانوا يطوقون
المخيم بالدبابات ، و كان مصاص الدماء شارون على مسافة
قريبة من المكان . كانوا قبل ايام قليله لا يجرؤون حتى الاقتراب
من المخيم ، لا هم و لا اصدقائهم الصهاينه ، عندما كان المخيم يقاتل ،
و كانت الملاحم تُصنع في محيط المخيم ، حيث تحطمت اسطورة
" الجيش الذي لا يقهر هناك " . انها فرصتهم للانتقام . فرصة
الجبان الذي تحين الفرصة للغدر بالشجاع . الجيش المهزوم
الذي فشل في ثلاثة اشهر ان يخترق مواقع المقاومين المدافعين
عن بيروت ، بالرغم من آلته التدميريه التي حولت المدينة الى
اطلال . و الميليشيات العنصريه الاجراميه التي تريد ان تنتقم
لهزائمها امام القوى الوطنيه اللبنانيه بمساندة الشعب الفلسطيني .
اجتمعت الاحقاد على المخيم الاعزل ، فنالت من الطفولة
البريئة و النساء الثكالى و لم تنل من ارادة الفلسطيني و لا
حرفت بوصلته الموجهة دائما باتجاه واحد ، اتجاه فلسطين .
صبرا و شاتيلا جرح عميق محفور في الذاكرة
عصي على النسيان ، لكن ارادة القتل لم و لن تنتصر
على ارادة الثورة .. ارادة الحياة .
ماهر الصديق
