روى مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال :" سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول : يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الاسنان ، سفهاء الاحلام
يقولون من خير قول البريه ، يقتلون اهل الاسلام ، و يدعون أهل الاوثان .
كث اللحية ، مقصرين الثياب ، محلقين الرؤوس، يحسنون القول و يسيئون الفعل .
يدعون الى كتاب الله و ليسوا منه في شئ ، قراءتهم لا تتجاوز حناجرهم .
يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرميه . فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ،
فإن قتلهم اجر لمن قتلهم يوم القيامه . قال النبي عليه الصلاة و السلام : فإن
انا ادركتهم لأقتلنهم قتل عاد "
الاعمال الاجراميه التي يرتكبها من يدعون الاسلام و التي تستهدف اول ما تستهدف
الاسلام و المسلمين و الآمنين المسالمين من الناس ، هل يمكن وضعها في خانة
التطرف و الغلو ، و ان فاعليها ما هم الا جهلة لا يفهمون حقيقة الاسلام و معتقداته
و تسامحه .أم انها اعمال مبرمجه خطط لها في دوائر معادية للاسلام و المسلمين ؟!
و قد حان وقت ظهورها مع تصاعد المد الاسلامي ، و بروز حركات مقاومه اسلاميه
و منظمات اسلاميه عقلانيه تفهم الواقع الاقليمي و الدولي و تتعاطى العمل السياسي
على اساس المشاركة و ليس الاقصاء . و هل لظهور هذه المجموعات المقززة
علاقة بالثورات العربيه و مشاركة الاسلاميين مشاركة فعالة و اساسية فيها ؟
لا شك ان كل هذه التساؤلات و الاشتباهات التي تتناول تلك الظاهره مشروعه و منطقيه .
و عادة ما تبرز هذه الظواهر في ظروف خاصة، فتقوم بدورها ثم تختتفي عن الوجود
بعد استنفاذ مبرر وجودها . و حتى لا نضع كل من انتمى لداعش و غيرها في سلة
واحده ، علينا ان نقسمهم الى قسمين : الاول : هم القيادات التي تعطي الاوامر
و هؤلاء يتلقون التوجيهات مباشرة من الجهات التي يعملون لمصلحتها .
و القسم الثاني هم المنفذون ، و هم انفسهم ينقسمون الى ثلاثة اقسام :- مغرر بهم ، من
الجهلة الذين يعتقدون انهم في الاطار الصحيح و في المسار الذي يؤدي لاعادة حكم الاسلام .
- مجرمون شذاذ آفاق وجدوا ضالتهم في هذه المجموعه التي تلبي غرائزهم الاجراميه .
و اخيرا افراد لديهم مشكلات اجتماعيه و سياسيه و نفسيه و ان حقدهم على مجتمعاتهم
و انظمتهم القمعيه الظالمه رماهم في احضان تلك المجموعات المشبوهه .
عندما حققت الثورات العربيه تقدما في البلاد التي قامت فيها ، و برز دور الاسلام القوي
الجماهيري المعتدل ، ادركت الدوائر المعادية ان تلك الثورات لن تؤدي الى تغييرات
طفيفه في النظام الرسمي العربي ، مثل القيام بتعديلات او اصلاحات هنا او هناك ، بل
ستؤدي لتغييرات جذرية تؤسس لواقع عربي جديد مغاير لما كان عليه منذ الاستقلال .
و ان هذه الثورات لن تنته الا بإنهاء رواسب الاستعمار الجاثم على كاهل
الشعوب الفقيره و سيقفز من دولة الى اخرى حتى يتحقق
التغيير الشامل و تُنظف المنطقه من انظمة العجز القائمه . و بهذا ستسقط
عروش لطالما خدمت مصالح و مشاريع الدول الامبرياليه و الصهيونيه . و في النتيجه
النهائيه فان التغييرات ستقضي على نفوذ الغرب في بلاد العرب ، و ستتوج بزوال
كيان الاحتلال الصهيوني. و تتحرر الامة من ارث تبعي و انهزامي قمعي و من
تخلف علمي و تراجع على كافة المستويات قياسا بالتطور الحاصل عالميا .
عندما افرزت الثورات نوعيه قياديه جديده في بعض البلدان ، و برز العامل الاسلامي
المتنور الذي يفهم الالاعيب السياسيه و تعقيداتها و المتمرس بالعمل الجماهيري و النقابي ،
وقد التفّت حوله كثافة جماهيريه ، وامتلك قدرات تنظيميه عالية المستوى
وتمكن من تحريك الشارع . وجدت الدوائر الغربيه و الصهيونيه
بالتعاون مع حلفائها العرب بضرورة الزج بمجموعات اجراميه تعمل باسم الاسلام
و تشوهه بممارساتها الفظيعة المخالفة للاديان و الاعراف . هذا سيؤدي حتما لانفضاض
الشعوب عن الثورات عموما و عن الاسلاميين على وجه الخصوص ، خوفا من ان
يكون البديل عن الانظمه القمعيه التسلطيه تلك المجموعات التي تتخذ من قطع الروؤس
و سفك الدماء و اشاعة الفوضى و هتك الاعراض منهاجا و اسلوبا لها .
و هي تريد ايضا اعادة المجتمعات الى عصور التخلف و الانحطاط .
هذا ما حصل تماما ! لقد ادخلت الانظمه الاكثر ارتباطا بالصهيونيه و الغرب
تلك المجموعات الى المناطق التي حقق بها الثوار تقدما على الارض ، و كانوا
في بعض البلدان قاب قوسين او ادنى من حسم الاوضاع و تغيير الانظمه . فكان
اول ضحايا الارهابيين هم الثوار و قادتهم الذين كانوا يُخطفون و تقطّع رؤوسهم . و بدأوا
بانتزاع المناطق المحرره من الثوار و ارتكاب اعمال وحشيه و تصويرها و توزيعها
على الوكالات ، حتى تقهقرت القوى الثوريه في كثير من المواقع و فقدت قوتها
و زخمها و كان ذلك بداية انتهاء الثورات العربيه و تحولها من ربيع عربي
الى خريف دموي . اتخذوا اسم الدولة الاسلاميه ، و هو ما
يعني للعامة انهم البديل عن الانظمه القمعيه ، و كأن قدر الشعوب البائسه ان تنتقل
من سياط الجلاد في اقبية المخابرات الى مقصلة الخوارج المشبوهين الادعياء .
بدؤا باعمال تقشعر لها الابدان من وحشيتها و تندى لها جبين الانسانيه كقطع
رؤوس الابرياء بدون مبرر . و الاعتداء على الاعراض و بيع النساء . ثم استعداء
غير المسلمين او اصحاب المذاهب المختلفه بتدمير معابدهم و دور عباداتهم ،
من اجل تأليب كافة التجمعات الاثنيه و القوميه بالاضافة للفئات الفكريه و السياسيه
ضد الثورات ، و هي فئات إن لم تكن مشاركة في الثورات فإنها كانت على الحياد .
بعد ذلك انتقلوا لضرب الثوار من الخلف و اعتقال العسكريين و الضباط الذين
انحازوا لشعوبهم ، و قطع رؤوسهم و التمثيل بجثثهم ، و الاعتداء على اطفال و نساء
الثوار من القوى الاسلاميه المشاركة في الثوره و هو ما ادى لانكفاء اكثرية الثوار ،
بل ان بعض العسكريين عادوا الى ثكناتهم و مواقعهم القديمة الى جانب الانظمه ، لانهم
وجدوا ان خطر المجموعات الارهابيه المشبوهة اشد من خطر الانظمة الدكتاتوريه .
بالاستناد لما اوردناه فإنه لا يمكن ان توصف تلك المجموعات بانها متطرفه ، و مشكلتها
بالتشدد و الغلو ، مع خطورة التشدد على وجه العموم . انهم اناس رسمت لهم اهداف ،
في مقدمتها اجهاض الثورات و منعها من تحقيق اهدافها بالتحرر و التخلص من القمع
و التخلف . و تشويه الاسلام و المسلمين ، و وصم الاسلاميين بالرجعيين و عدم قدرتهم
على التعايش مع الغير . و بان الاسلام غير قادر على مزاولة الحكم و لا ان يكون بديلا .
هذه المجموعات التي دخلت للمساعدة في انقاذ الشعوب من الانظمه الدمويه ، لم تتعرض
فعليا للمواقع العسكريه التابعة للانظمه . كان قتالها اما ضد مواقع الثوار او ضد الامنين .
و قد ظهرت بوادر تنسيق في اكثر من مكان بين الانظمه و داعش و توابعها ، حتى انهم
اطبقوا على الثوار من اتجاهين . و لم تعلن داعش عن اي عداء لكيان الاحتلال الصهيوني
بل صرحوا في غير مناسبة بان الصهاينة ليسوا اعداء . اذن من هو العدو ؟
من اين كل تلك الامكانات الماديه و العسكريه ، كيف تصل لهم الامدادات ؟ كل هذه الاسئلة
بحاجة لدراسة و بحث . فلو كانت افعالهم قائمة على الجهل و التطرف لكان قد سرى عليهم
حديث الرسول عليه الصلاة و السلام الذي وصفهم بالمارقه ، و توعد لان ادركهم ليقتلنهم
قتل عاد . ان مثلهم كمثل الخوارج المجرمين الذين قتلوا التابعي ابن الصحابي عبدالله
بن خباب بن الارت . عندما وقع بايديهم رآهم و قد عظموا على احدهم اكل تمره
دون اذن من مالك البستان . و ثاروا على رجل منهم قتل خنزير عائد لمسيحيين . فاطمأن
عبدالله بن الارت حينما وجد فيهم هذا الحرص ، لكنهم عندما فرغوا له ذبحوه
و بقروا بطن زوجته الحامل و سرقوا متاعه . فهل هؤلاء اتباع دين ام اصحاب مشروع ؟