وكالة القدس للأنباء - خاص
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تمثلت بإطلاق الحسابات المزورة على الفيسبوك ما أدى إلى مشاكل اجتماعية، وأجواء مشحونة بين مختلف الشرائح الاجتماعية والأمنية، تسببت بتوترات ونشر شائعات كثيرة.
"وكالة القدس للأنباء" جالت في المخيمات والتقت خبراء وشخصيات متضررة ومواطنين وأمنيين للإطلاع على هذا الواقع، فطالبوا جميعاً بضرورة الاقتصاص من الذي يقفون وراء هذا العمل المدان، لأن التراخي في ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة.
ففي مخيم برج الشمالي جنوب لبنان، قال استاذ الحاسوب محمود طيراوي لـ"وكالة القدس للأنباء": "لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي وخصوصاً الموقع الأكثر شهرة الفيسبوك، موقع للاستهلاك المعلوماتي والتواصل الحقيقي بل أصبح أشبه بشبكة كبيرة لممارسة الرذيلة وسوق لتبادل الزوجات ومن يريد المتعة عليه أن يدفع أكثر".
وأوضح طيراوي أن هناك صفحات تستخدم لترويج أمور أمنية تؤدي إلى ترويع الناس، خصوصاً داخل المخيمات الفلسطينية، بل إن كثيراً من الصفحات يقف وراءها رجال أمنيين يريدون إلحاق الضرر بأبناء الشعب الفلسطيني، مما يسهل لهم تنفيذ مشاريع خطيرة، كل هذه الأفعال لا تخدم سوى أعداء فلسطين وتفشي الفساد وانحراف الأمور عن طبيعتها".
ودعا نائب مسؤول القوى الأمنية في مخيم برج الشمالي، يوسف ديب، على التصدي لهذه الأعمال، واللجوء الى الأجهزة المختصة بسبب النقص في التقنيات والاستعانة بالقضاء اللبناني، وقد تم اللجوء الى المعلوماتية في العديد من الحالات، وآخرها عندما نشأ خلاف بين عائلتين، وكاد أن يقع قتلى، فتبين أن الحساب مخترق من قبل شخص ثالث.
وأضاف: "لذا نسعى دائماً إلى توعية الناس على مخاطره من جهة، ونواصل مراقبة الوضع من جهة أخرى، فقد ألقينا القبض على الكثيرين، وتم معاقبتهم، وهناك قسم آخر مازال تحت المراقبة، وهناك بعض الحالات تسلم إلى السلطات اللبنانية، وهذا يعود الى الضرر الذي ألحقه بالآخرين أما إذا كان الضرر بسيط يسجن لدينا، وقبل إخلاء سبيله يتعهد خطياً بعدم التكرار مطلقاً، وإن كررها يسلم إلى الجهات اللبنانية المختصة".
كما دعا ديب إلى إجراء تحسينات في القوى الأمنية وتطويرها أكثر لتفعيل دورها لحل قضايا الناس، طالباً من الأهالي اللجوء إلى القوى الأمنية وعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لحل النزاعات.
محاولات للفتنة وتشويه صورة المخيمات
أما الشاب محمد الذي تعرض حسابه للاختراق، من خلال نشر صور وفيديوهات لا أخلاقية عليه، وحاول معرفة الهكر لكنه كان قوياً جداً مع أنه لجأ إلى متخصص، فما كان عليه إلا أن ألغى حسابه، وفتح حساباً جديداً ونشر اعتذاراً، وقال: "ظن الكثيرون أنني أنا من أقوم بذالك. والأخطر من هذا هو تركيب الصور، أو فيديو ونشره وخصوصاً تركيب الصور التي تسببت بالعديد من المشاكل والغاء الزواج ونشوء العداوة".
وفي مخيم نهر البارد، قال أمين سر اللجنة الشعبية الدوري في مخيم نهر البارد جمال ابو العلي: "إن الحسابات المزورة على الفيس بوك هي قرصنة ويراد منها عملية تشويه وفتنة في قضايا المجتمع، مضيفاً "يجب أن يكون لدى كل شخص رقابة ذاتية على نفسه".
ورأى الفلسطيني صلاح نايف المستر "أن من يقف وراء الحسابات المزورة هم أشخاص مأجورون لزج الفتن بين أبناء الشعب الفلسطيني، ليشعل الفتنة في المخيمات الفلسطينية، وعلى جميع أبناء شعبنا الفلسطيني التكاتف، وأن نكون يداً واحدة لكشف هذه اليد ورفع الغطاء عنها".
وأوضح حمزة طربية أنه لا يوجد جهه معينة تختفي وراء هذه الحسابات، إنما تأتي هذه العملية للنيل من شخص ما او لحاجات دنيئه وخبيثة والحساب المزور يساعد بعدم اكتشاف الشخص
أما منتصر عبد الرحيم فرأى "أن الواتس أب والفيسبوك هو خراب بيوت، هذا المختصر، وحرب، وتشهير، وقلة أخلاق".
أما في مخيم الرشيدية، أكد أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم الرشيدية أن هذه التكنولوجيا الدارجة في العالم تستخدم للمصلحة العامة، وليس لبث الاشاعات والكراهيات والاتهامات كما هو حاصل في عالمنا العربي والغربي أيضاً، ولكن ما سأقوله هو، أن هذه التكنولوجيا يستعملها البعض لمصالح خاصة بتشويه سمعة الناس.
وبهذا الخصوص لفت الفلسطيني أبو كامل أن هناك جهة معينة تقف وراء هذه الإشاعات، بهدف إثارة الفتنة وضرب الثقة الاجتماعية بين شرائح المجتمع وبين القيمين والمسؤولين، ونحن نعتبرها جهات مأجورة، كما أن هذه الإشاعات يمكن أن تتحول إلى خلافات شخصية نتيجة عدم ثبوتها وصحتها ودفاعاً عن رد الاعتبار للشخصية المستهدفة، وقد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من هذا الكلام.
وقال: "إن عدم التعاطي بحزم مع من يقوم ببث هذه الاشاعات شجع الكثيرين من التمادي بهذا الخصوص لان هناك من يقوم بتوجيههم وإرشادهم".
وأكد قائد القوة الأمنية في مخيم الرشيدية العقيد غسان عوض، أن القوة الأمنية في المخيم ضد أي إساءة لأي طرف أو شخصية أو مؤسسة أياً كان، ومن يقف وراء هذه الاشاعات يتصف بالعمالة والتحريض وبث الخلافات والفتن بين أبناء المخيم، وأضاف إننا كلجنة أمنية في المخيم لم نتعرف على أي شخص تمت إدانته لهذ العمل، ولكن عندما نتأكد من أي صاحب حساب ونكتشفه سيتم اعتقاله فوراً ومحاسبته".
وقال عضو قيادة اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا بمخيمات لبنان، صلاح اليوسف لـ"وكالة القدس للأنباء" إن من يقف وراء ظاهرة انتشار الحسابات المزورة بلا شك هم عملاء، وهم ضد القضية الفلسطينية، لأي جهة انتموا، ولحساب من عملوا، لأن هدفهم من وراء ذلك هو إيقاع الفتنة وضرب الوحدة الوطنية، وتفكيك المجتمع الفلسطيني سواء سياسياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً".
خطورة الحسابات المزورة
وأضاف: "هناك دلائل كثيرة تشير إلى خلال الفترة الماضية من إلحاق الأذى بأبناء المخيمات، وعمقت الخلاف بين أبناء المخيم والأحياء، والبعض من عناصر القوى الفلسطينية، وتراشقوا بسببه التهم والتخوين بين بعضهم البعض، وتم إلصاق التهم بغير حق لأشخاص لا دخل لهم، وإن كانت هذه الخلافات لم تترجم على أرض الواقع اشكالات أو اشتباكات، ولكنها ساهمت بالتأكيد في شحن الأجواء وانتظار الفرصة للانتقام".
وبين اليوسف أن ما زاد خطورة هذه الحسابات المزورة أنه ليس هناك اجراءات حاسمة من القوى الفلسطينية أو اللجنة الأمينة العليا او اللجان الشعبية لأنه ليس لهم القدرة تقنياً على حسم الاتهامات نحو الأشخاص المتورطين من جهة، وبالتالي بقيت مفتوحة على التوتير والسخونة حيناً والتهدئة أحياناً.
وأكد أن اللجنة الأمنية لم تضع هذا الموضوع على جدول أعمالها كأولوية، طالما أن الأمر ما زال مجرد خلاف افتراضي، أي لم يتطور إلى اشكال أمني أو اشتباك، وبالتالي تعاملت معه ضمن الحملة التي يتعرض له المخيم لتوتيره وإبقائه مشحوناً.
بدوره، قال الفلسطيني أبو أنس موعد أن التعدي على خصوصيات الناس الشخصية من أجل تشويه سمعتهم من خلال الحسابات المزورة والدخول على صفحات الآخرين في التواصل الإجتماعي لغايات متعددة هي أعمال لا تليق بالفرد المسلم وغير المسلم، وهذا الفعل شنيع وغير مقبول ومرفوض بديننا الحنيف، وهو ظلم كبير وإيذاء للناس لتشويه سمعتهم، وهو ان استمر له انعكاسات على الفرد والمجتمع والأسر والعائلات، لهذا يجب محاسبة الفاعل بالأطر القانونية والإبلاغ عنه للسلطات المحلية والقيميين على شبكة التواصل الإجتماعي حتى يرتدع من تسول له نفسه الغوص بهذا المجال والتعدي على الحقوق الشخصية والفردية للناس.
واعتبر موعد أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل حاد بالمجتمع، داعياً المختصين بهذا المجال إلى القيام بدورهم، وإلى تأليف فئة متخصصة ورسمية للكشف عن الفاعلين، معتقداً أن التراخي بهذا المجال سيؤدي إلى عواقب وخيمة، لن يسلم أحداً منها.
وأشار الأستاذ سمير الشريف إلى "أن الحسابات المزورة أو المسروقة تسعى إلى تزوير الحقائق وقلب الأمور دون معرفة المحرك الأساسي، ولهذا الشكل عدة أمور للحسابات المزورة، فمنها إباحي ومنها أمني ومنها اجتماعي ووطني، والكل في هذا الصدد، إما أنه يسعى إلى الابتزاز أو طمس الحقيقة، وهذا يتوقف على مستوى وعي ونضج المتلقى الذي قد ينساق أحياناً إلى اتجاه ما، وخطورة الحسابات المزورة تكمن في استهدافها لمن يعمل في المجال الوطني حيث الإيقاع به يجعله عرضة للابتزاز الدائم، وخاصة أن العدو هو الذي يسعى لذلك".