recent
أخبار الساخنة

"التنظيم وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بنفسه" بقلم محمد زكريا

الصفحة الرئيسية




التنظيم هو وسيلة لتحقيق هدف وليس التنظيم هو الهدف بعينه من تأسيسه. ما يجعل اي تنظيم يرقى وينمو ويكبر وينضج هو باختيار أفراده بالطريقة الصحيحة والتمحيص الدقيق في الاختيار وليس لجعل عدد المنتسبين اكبر فالعبرة بالنوعية وليس بالكمية ولا بعدد المنتسبين له بل نوعيتهم واخلاصهم للهدف اكثر من إخلاصهم للتنظيم. عندما يقول قادة التنظيم خطبهم ويطلقون شعارتهم لابد أن يراهم الناس يطبقون ما يقولون وأن يفعلوا انفسهم اولا ما يريدون من الغير ان يفعلوه وهكذا تكون لهم المصداقية بين شعبهم ويكبر تنظيمهم ويحترمه الجميع حتى من الذين يعارضونه او ينافسه.

الناس لها أعين وآذان وعقول وتستطيع أن تحكم على التنظيم من أفعال منتسبي وقادته وطريقة تحقيق الهدف المعلن من وراء تأسيس التنظيم وليس من أقوالهم وشعاراتهم وكتاباتهم. إذا قاد التنظيم الناس نحو الهدف المقصود وكانت قيادته في مقدمة العاملين ينجح ذلك التنظيم ويكون عمره أطول. ولكن عندما يحيد عن الهدف ويقول قادته شعارات لا تطبق على أرض الواقع يبدأ التنظيم في خسارة شعبيته واضمحلاله. لذا نرى ان التنظيمات التي اصبحت كبيرة كان اعضاؤها المؤسسون قلة ولكنهم كانوا نوعية قلما تجدها لاحقا في التنظيم نفسه وان اعضاؤها كانوا يغربلون قبل ان يقبلوا لهذه العضوية تنظيميا. نستطيع تشبيه التنظيم بالشركة أو المؤسسة التي يؤسسها أناس مؤمنون بفكرة ولهم رؤية واضحة لهدفهم واستراتيجية متكاملة تستطيع التأقلم مع المتغيرات من دون ان تتخلى عن المبادئ الأساسية التي أسست الشركة عليها. هي تنمو وتنجح باختيار احسن الموظفين وإعطاء المسؤولية لأهل العلم والكفاءة والخبرة والنزاهة وذوي الايدي النظيفة والسمعة الطيبة ووضع الشخص المناسب في الموقع والمكان المناسبين. الفرق بين تأسيس التنظيم وتأسيس الشركة ان الشركة لها هدف وهو ربح المال والتوسع والسيطرة على السوق والمديرين فيها والقيادة يعملون على زيادة معاشاتهم الشهرية والمكافآت السنوية عبر الإنتاج والعمل الصحيح. غير أن قادة التنظيم من المؤسسين والمخلصين من بعدهم يدفعون من وقتهم وصحتهم وجيوبهم الخاصة من اجل نجاح التنظيم ويضحون حتى بانفسهم من اجل الهدف. وهكذا ينال التنظيم مصداقيته ويكبر بتضحيات قادته ومنتسبيه. ولكن عندما يصبح المال والجاه والميزانية والتنظيم نفسه هو الهدف بعينه لقيادة التنظيم وأعضائه فانه بداية النهاية لاي تنظيم سياسي او حتى للدول نفسها التي يقودها هكذا تنظيم.

أضف الى ذلك أهمية تغيير القيادة عبر تحديد عدد السنوات التي يمكنهم فيها قيادة التنظيم واستبدالهم إن أخطأوا كثيرا أو لم ينتجوا كما هو متوقع منهم او يحققوا ماطلب منهم تحقيقه حتى قبل أن تنتهي مدة خدمتهم كقادة. هذا يشبه تغيير قيادة المؤسسة او الشركة من خلال مجلس الادارة اذا قام القائد باخطاء جسيمة قد تهدد الشركة بالخسارة وحتى مجلس الادارة يقيل نفسه احيانا حتى يتيح المجال لمجلس إدارة جديد ليقود الشركة او المؤسسة في اتجاه أفضل ليواجه التحديات القائمة. لماذا لا يستقيل القائد الذي حاول وأدرك أنه غير كفؤ او لا يستطيع لأسباب موضوعية لإدارة المرحلة من عمر التنظيم والتحديات القائمة أكبر من قدرته على إيجاد الحلول الصحيحة وأنه لا يستطيع إدارة التنظيم بشكل صحيح؟ لماذا التمسك بالزعامة رغم الفشل الذريع في قيادة التنظيم وفقدان الشعبية؟ اليس من الحكمة والامانة الاستقالة في هكذا حالات؟ الكثير من قيادات الشركات ومؤسسيها يتنحوا جانبا عندما يجدون أنفسهم أنهم غير قادرين على تقديم الجديد للمؤسسة التي يقودها، او حتى التي قاموا بتاسيسها، وعندما يشعروا أنهم قدموا ما بوسعهم وان المرحلة القادمة من نجاح المؤسسة بحاجة إلى قيادة جديدة عندها رؤيا جديدة وكفاءات معينة ونظرة استراتيجية مغايرة لما يستطيعون تقديمه هم. هم بذلك يضعوا مصلحة المؤسسة فوق مصالحهم الشخصية ويحظون من ذلك بالاحترام والتقدير ويساهمون في نجاح اكبر للمؤسسة حتى تستمر وتزدهر او حتى تخرج من المرحلة الصعبة الحالية. من المعلوم في علوم قيادة المؤسسات أن كل مرحلة من مراحل المؤسسة بحاجة الى قائد مختلف يقود المرحلة بحرفية أكبر. فترة التأسيس وفترة النمو وفترة النضج كلهم بحاجة الى قيادات لها مميزات معينة لقيادة التنظيم بشكل أفضل. هذا ايضا صحيح لقيادة التنظيم ومراحل تقدمها.

ايضا هناك أهمية إعطاء الشباب الفرصة للقيادة وعدم ابقائها بأيدي كبار السن أو ممن لهم نفوذ كبير بين الاعضاء المنتسبين للتنظيم حتى لايتحكم بالقرار تيار معين يهيمن على قرار التنظيم مما يهدد بزيادة الخلافات وعمقها بين أعضاء وقيادة التنظيم الواحد. ليكن اهل الخبرة والذين قادوا المسيرة منذ التأسيس مستشارين ومن يعطون النصيحة للقادة الشباب والجدد فيما بعد ولكن من دون فرض رايهم ان لم يستحسن الشاب القائد النصيحة ممن سلفه. لكل وقت قيادته وأسلوب القيادة يتغير مع نوعية المنتظمين والزمان والمكان والطريق الذي على التنظيم سلوكه للوصول الى الهدف مع ابقاء الاحترام للأعضاء والحفاظ على المبادئ والخطوط العريضة والأخلاق الحميدة والسلوك المستقيم للقيادة.

لذا لاداعي لكثرة مدح التنظيم بعينه او الحركة بعينها من قبل القيادة والاعضاء المنتسبين للتنظيم وان يصبح التنظيم وكان الهدف والغاية بل التركيز على الهدف المرجو اصلا من إقامة التنظيم. اضف الى ذلك اهمية اعادة تقييم المنتسبين بما فيهم القادة عبر تقييمهم من منظور تنفيذها الهدف والأسلوب السليم وذلك يطيل عمر التنظيم ويزيد على شعبيته بين الناس. دعوا الشعب نفسه الذي تسعون إلى قيادته او تقوده يمدحكم كحركة وتنظيم وقادة وأعضاء عبر اعمالك الناجحة واخلاصكم للشعب الذي تخدمون واحرصوا على أمنه ومستقبله وان تحققوا الهدف الأساسي الذي من أجله تأسس التنظيم نفسه. الحذر الحذر من الغرور والتعالي على الغير إن كان هؤلاء الغير أشخاص او تنظيمات. غرور القادة او حتى الاعضاء يؤدي في النهاية أن إلى ابتعاد الناس عن التنظيم وذلك يعني خسارة التنظيم الشعبية والاحترام بين الناس وحتى بين بعض منتسبيه ممن لا يعجبهم الأمر مما قد يؤدي في النهاية ايضا الى انقسام التنظيم الى تيارات متنافسة. ليس هناك تنظيم وحده في الساحة وليس هناك تنظيم من دون أخطاء. لاداعي للتقليل من التنظيمات الاخرى وعلى الجميع الاحترام المتبادل والتعاون للمصلحة العامة للشعب وهذا يحقق الهدف المأمول من التنظيم في النهاية. التعلم من الاخطاء التي وقعت بها التنظيمات الاخرى ومن سبق من التنظيمات ضروري حتى لا يخسر التنظيم شعبيته.

الايام دول والتنظيم لن يبقى حيا مهما عظم إلى ابد الآبدين بل لكل تنظيم عمر مثله مثل عمر الإنسان والشركات. فهو يبدأ صغيرا ثم يصبح شابا ناضجا ثم يهرم ثم يأتي يوم يرحل فيه. ولذا حتى تكون ذكرى التنظيم وأعضائه عطرة وحتى يأتي تنظيم آخر يكمل المسيرة ويسير نحو الهدف، كما ذكر الإنسان بعد رحيله من خلال ابنائه وبناته واعماله، فلا بد من العمل والاخلاص للهدف نفسه فوق الاعتبارات التنظيمية وتقبل إعطاء الراية لمن يستحق ولمن له مصداقية ورؤية وعزم وإخلاص لتحقيق الهدف المرجو من الاصل. التعصب للتنظيم او الحركة هي آفة تقتل التنظيم ببطا ان اصبح التعصب للتنظيم هو الهدف بعينه بدلا من الذهاب الناجح نحو الهدف الاساسي الذي اسس التنظيم او الحركة لفعله. لذا لا بد من النقد الذاتي وتقبل سماع نقد الآخرين وأخذ النقد البناء على محمل الجد والقيام بالإصلاح وبسرعة . كل ذلك يطيل عمر التنظيم ويقربه اكثر من تحقيق الهدف المرجو من إنشائه. اما من يريد فقط من الناس أن تتذكر ماضي التنظيم وماضي قيادته ويتناسى حاضر التنظيم وسوء قيادته وابتعادهم عن الهدف والطريق السليم فهذا لن ينفع شعبه وتنظيمه ولا قيادته الأولى، القيادة التي يتذكرها الشعب بكافة اطيافه ويترحمو عليهم ويجلوهم بل ويقارنوهم بالقيادة السيئة الحالية، والهدف السامي الذي اقيم التنظيم لاجله، في شئ بل على العكس من ذلك يدعوا الناس بذلك لتركهم وعدم الثقة فيهم و بالتنظيم ككل.

كلمات جالت في خاطري فكتبتها في هذا المقال عسى ولعل فيه شئ من الفائدة للبعض وكذلك للتذكير للبعض الآخر. الكلام في هذا المقال غير موجه لتنظيم بعينه بل يشمل جميع التنظيمات السياسية تيا وأينما كانت وخاصة التنظيمات في ظل واقعنا الفلسطيني. شكرا جزيلا لمن قراه وآسف للاطالة عليكم بكثرة الكلمات في هذا المقال...

google-playkhamsatmostaqltradent