ربما التبس على زعماء بلادنا مفهوم المسؤولية . ربما اعتقدوا انهم في مراتب القداسة
التي لا يجوز المساس بها مهما ارتكبوا و تجاوزوا و تحامقوا و نهبوا و افقروا . ربما
اعتقدوا انهم بمنأى عن المحاسبة و المراقبة و سوء العاقبة . و ربما ظنوا بأن حراسهم
و المنتفعين من اعوانهم و الدول الكبرى و الصغرى و الغنية و العدوة و الحاقدة و النووية
قادرون على حمايتهم من غضب الشعوب اذا ثارت و اصبحت على نقيض من انظمتها !
عليهم ان يفهموا انهم ليسوا مقدسين و ليسوا فوق القانون ، و انهم محترمون و مقدرون ما
قاموا بمهامهم على اكمل وجه ، و اقاموا العدل و خدموا الشعوب كما ينبغي ، و إلا فانهم
مغتصبين للسلطات و يحكمون بقوة السلاح و بالقتل و التنكيل و الارغام ، و كل ذلك
يجعل سلطاتهم منقوصة و غير شرعية . عليهم ان يفهموا بان الحكم ليس تشريفا انما
تكليفا ، و انهم موظفون لدى الشعوب ، هذا في حال اختيارهم من شعوبهم ! و عندما
يتقاعسوا و لم يؤدوا الامانة ، و عندما ينتشر الفساد و المحسوبية و الرشوة ، و عندما
تصبح البلاد مزارع لهم و لعائلاتهم و لحواشيهم ، و عندما يقصروا في حماية الشعوب
و يمارسوا كل اصناف الظلم على شعوبهم و كل اصناف الخنوع لعدوهم ، عندها يفقدوا
الشرعية إلا شرعية البطش و القوة التي يشرعونها لانفسهم . العاقل من اذا كرهه شعبه
رحل و سجل على نفسه منقبة حتى لو لم تكن عنده مناقب ، لانه تدارك بان بقاءه يعني
دماء و تنكيل و دمار ، و انه باق ما بقيت قوة البطش ، و هذه قوة زائلة مهما طال اجلها .
الرئيس و الحاكم و الوزير و القاضي و المدير و المحافظ و المسؤول و كل من يتبوأ
منصبا حكوميا او غير حكومي لو كان يملك الحد الادنى من العقل لترك المنصب الثقيل
لغيره و خرج باقل الخسائر التي سيسببها على نفسه و ضميره و على شعبه . خرج
و ارسى قاعدة طيبة ربما يحفظها له التاريخ ، و الا سيدخل في سجل الطغاة الى الابد و
ستتلطخ اياديه بالدماء . قال عزوجل : " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " الاحزاب 72
ماهر الصديق