السياسة بمفهومها العام هي فن الممكن ، و بلوغ الاهداف بأقل الخسائر و افضل المكاسب . أما
السياسة بالنسبة لحركات المقاومة فإنها تتمثل بإرضاء الجماهير التي تؤيدها تأييدا خالصا لاقصى
الحدود و تدافع عنها بإستماتة و تراها المثل الاعلى ، لانها شرف و كرامة . و انها بالنسبة لهم
فوق الحكومات و الاحزاب ، و أهم من كل رجال السياسة و السياسيين . و المقاومة بالنسبة
للأنظمة هي منفعة تمكنها من تحسين صورتها القبيحة امام الشعوب و تغطي عيوبها و إذلالها
لشعوبها تحت شعارات وطنية و قومية و إنسانية و أخلاقية ، بينما هي في حقيقتها تقوم بكل
أشكال القمع و التنكيل ، و تتماهى مع العدو الصهيوني بشكل مباشر او غير مباشر . إن المقاومة
في أوضاع لا تحسد عليها من بعض الجوانب ، فهي تريد ان تُبقي هامشا للحركة و ممر مفتوح
لها و دعم يمكنها من الاستمرار و التطوير لقدراتها و مجال يجعلها قادرة على فتح ثغرات
في جدران الحصار المفروض عليها و على انصارها و على الشعب الفلسطيني ، و هذا
لن يكون الا بسياسة حكيمة لا تغضب الانظمة المستبدة و المناوئة ، و كذلك الانظمة التي
لها اهداف بعيدة و مصالح اقليمية لا تخفى على احد ، و في نفس الوقت لا تخسر نفسها
و مواقفها المبدئية و الاخلاقية و لا تخسر الدعم المعنوي اللامحدود من الشعوب العربية
و الاسلامية . إن تلك الانظمة تريد ان تستدرج المقاومة للحديث بإيجابية عنها ، و وسائل
الاعلام المغرضة جاهزة لابراز أية هفوة او سقطة و تسليط الضوء عليها و ذلك لتشويه
صورة المقاومة و زعزعة علاقتها العضوية العميقة مع الشعوب التي تمثل قاعدتها الحقيقية .
انهم يريدون من قادة المقاومة ان يقولوا أشياء تستفز شعوب المنطقة المقهورة و التي عانت
و تعاني من الاستبداد و الطغيان ، و لهذا فإن أي تصريح ينسب لمسؤول محسوب على المقاومة
يجب ان يأخذ بالحسبان تلك الاعتبارات التي تلهب مشاعر الشارع العربي و الاسلامي الذي
يمثل السند الحقيقي للمقاومة . يجب على من يصرّح ان يتمتع باعلى درجة من الدبلوماسية
و ان يتنبه لأسئلة الصحفيين و رجال الاعلام الذين يريدون الايقاع بالمقاومة و إيجاد فجوة
بينها و بين الامة . إن التصريحات التي تكون عمومية هي أقل ضررا من التصريحات
التي تخصص دولا و افرادا ، كالقول : نشكر كل من يقدم لنا الدعم . ان قضية فلسطين
هي قضية العرب و المسلمين . نشكر الرؤساء و الامراء و السياسيين و رجال الاعمال
الذين وقفوا الى جانبنا . هذه تصريحات لا يمكن ان تؤثر على مشاعر الشعوب العربية
و الاسلامية . و الشعوب عموما تتفهم حساسية الظروف و التعقيدات و الصعوبات القاهرة
التي تعاني منها المقاومة ، و أن المقاومة محاصرة من الشقيق قبل العدو ، و ان بعض العرب
يعتبرونها ارهابية و يساعدون الصهاينة من اجل القضاء عليها و على قضية الشعب الفلسطيني .
لكن المقاومة لا يمكن ان تقدم مادة يستغلها هؤلاء المطبعون و العملاء و عشاق الصهاينة .
انهم يريدون ان يلصقوا بالمقاومة ما ليس فيها كالتشكيك بسلامة عقيدتها ، و وصمها بالتبعية
لهذه الجهة او تلك ، و الاستفادة من التصريحات غير المدروسة لإقامة سد بين المقاومة و بين
جماهيرها العارمة من المحيط الى الخليج ، بل و في كل اصقاع العالم . ان الانجازات العظيمة
التي حققتها المقاومة و التراكمات الكفاحية التي جعلتها في أسمى مقام لدى شعوب الامة . و شعور
الامة بان الامل الوحيد لخلاصها و تحررها و تحرير الارض المحتلة من رجس الصهاينة لا يمكن
ان يتحقق الا بالمقاومة العاقلة المبدعة المصنعة العاملة بجد و النظيفة بعقيدتها و ممارساتها .
هذه الانجازات يجب الحفاظ عليها ، و يجب منع تشويهها بسقطات و تصريحات ، يعرف
الجميع انها لا تقصد إثارة مشاعر الجماهير العربية و الاسلامية ، و انما لمقتضيات سياسية
و لظروف معقدة ، لكنها تُستغل استغلالا رخيصا لتشويه انتصارات المقاومة .
ماهر الصديق