recent
أخبار الساخنة

عن السياسة و السياسيين

الصفحة الرئيسية





معظم السياسيين إن لم نقل جميعهم مكيافلليين عندما يمارسون لعبتهم السياسية ، بعضهم

مكيافيلليا حتى في كافة امور حياته . إن السياسة و الاخلاق عندهم متضادتان و لا بد من اختيار

واحدة منهما و الا فالتعثر و الفشل هو المصير الحتمي . كثير من المثقفين و العلماء العلمانيين

و المتدينين على السواء لا يتفقون مع هذا الرأي ، و لا يحبذون فصل السياسة عن الاخلاق لان

الفصل يعني الفوضى و الاستبداد و الطبقية ، و يعني بالمفهوم العام الظلم الاجتماعي . إن فصل

السياسة عن الاخلاق تقتضي وجود قوى امنية و زنازين و تكميم افواه و تعذيب و قتل بعيدا عن

القانون و الحق . هذا الفصل لا بد ان يولّد مجموعة مستغلة تنهب الثروات و اكثرية مستغَلة

تعيش حياة البؤس و الفاقة و العوز . هذا الواقع المستشري و المنتشر في بلادنا هو الذي

يسبب الثورات و العصيان و العنف ، و هو الذي يجعل السياسيين المكيافلليين يشعرون

بالرعب الدائم من الشعوب و لا يثقون الا باقرب المقربين ، و لديهم هاجس دائم و احساس

كبير بكراهية الاكثرية الفقيرة و المعدومة لهم و لكياناتهم السياسية . لكل ذلك فانهم يبحثون

عن حلفاء خارج الحدود و عن حماية من قوى دولية كبيرة حتى لو كان لها اطماع امنية

او اقتصادية في البلاد ، و لذلك ايضا يربطون سياساتهم و مواقفهم بسياسات الدول التي

تحافظ على كياناتهم الهشة . ان الدول المتصالحة مع شعوبها ليس لها حاجة لكل تلك

الدونية و التبعية لانها صادقة و منسجمة مع تطلعات الشعوب ، و لا تنظر للخارج بعين

الخوف لانها تستند على القوة الخارقة و الجدار الصلب المتمثل بالشعب المتلاحم معها .

و لا يكون الخوف الا من افراد و جماعات مشوهة الافكار و الاتجاهات ، و مرتبطة

باجندات لا تريد الاستقرار الاجتماعي و الامني و الاقتصادي الذي يتطور نحو التقدم

الصناعي و العلمي بما يمكن للانتقال الى الاستقلال الحقيقي و مواجهة الاعداء

الخارجيين . ان السياسة و المبادئ الاخلاقية و الانسانية لا يمكن فصلهما لاية دولة

تقوم على القانون و التداول السلمي و الاختيار الحر . اذا توفرت شروط العدالة

في النظام السياسي تتوفر معها شروط السلم الاجتماعي و التطور في كافة المناحي

و بالتالي الاستقرار الذي يفضي للبناء المضطرد و للتقدم و القوة . و لا تبقى هناك

حاجة للتناقضات الاجتماعية او الفكرية او السياسية الا تلك التي تحدث من أجل ايجاد طرق

افضل للنهوض بالاوطان للافضل فالافضل . العقل المكيافللي هو الذي يرفع من قيمة

التناقضات و يسير خلف المناكفات و الصراعات و شيطنة الغير ، بدل البحث عن مواقع

تتوفر فيها قواسم وطنية مشتركة ، و تجتمع عليها الافكار ، و تدرس بموجبها المسائل

الخلافية من خلال العقل و الحجة و الحوار و ليس بالارهاب الفكري و القمع السلطوي .

هذه المكائد التي تجري عندنا حتى لدى السياسيين المعارضين للاستبداد لا يمكن ان تنقلنا

للتغيير و لا للاتفاق و لا تؤدي الا لزيادة الشروخات الاجتماعية التي يستفيد منها الاستبداد

و من ورائه القوى التي تحافظ عليه . ان كثير من المكيافلليين الصغار الذين يمارسون

مكيافلليتهم من خلال الاحزاب السياسية او المنظمات النقابية ينتقلون الى الاستبداد

في حال تبؤهم مقاليد السلطة لان افكارهم هي نفس افكار السلطويين القمعيين الذين

يفصلون بين الاخلاق و السياسة ، و تطغى على ممارساتهم الفردية و الارتجال ، و

تسيطر عليهم الدونية و الشعور بالعجز و التخلف ، و لهذا سرعان ما يقعون في

براثن التبعية و الارتباط بالخارج و العداء للشعب و قواه الطليعية . و رحم الله امير

الشعراء احمد شوقي إذ يقول :

صَبراً عَلى الدَهرِ إِن جَلَّت مَصائِبُهُ

إِنَّ المَصائِبَ مِمّا يوقِظُ الأُمَما

إِذا المُقاتِلُ مِن أَخلاقِهِم سَلَمَت

فَكُلُّ شَيءٍ عَلى آثارِها سَلَما

وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت

فَإِن تَوَلَّت مَضَوا في إِثرِها قُدُما

نِمتُم عَلى كُلِّ ثارٍ لا قَرارَ لَهُ

وَهَل يَنامُ مُصيبٌ في الشُعوبِ دَما



ماهر الصديق

google-playkhamsatmostaqltradent