recent
أخبار الساخنة

لماذا تفشل الثورات الاجتماعية في بلادنا بقلم: ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية





على الرغم من الاستبداد الواضح و انعدام الحريات و البطش و التنكيل ووجود الانظمة

الدكتاتورية و الشمولية و الفساد و نهب الثروات ، فإن كل محاولة للتغيير لا تلقى نجاحا

و لا تحقق التغيير . مسألة تدعو للاستغراب و التعجب . ان كل الشروط الموضوعية متوفرة ،

كل الركائز التي تشكل اساسات الثورة قائمة ، و لكن الثورات لا تقوم و إن قامت يكون مصيرها

الفشل ! و كأن الامور في بلادنا غيرها في البلدان الاخرى او ان القوانين مختلفة ! الشيئ

الطبيعي بان القوانين الانسانية التي تسبب الثورات واحدة مهما اختلفت الاماكن ، و مهما كانت

اصول الشعوب و لغتها و مستوى ثقافتها و تطورها ، لان القانون الاساسي المشترك بين البشر

يقوم على وصول العلاقة بين الطبقة الحاكمة و الطبقة المحكومة الى حد انتفاء امكانية التعايش

بين الطرفين و انه لا بد من التغيير بأي شكل من الاشكال . و لإن كان التغيير السلمي هو الامثل

في كل الاحوال إلا انه غير قابل للتطبيق في بلاد تتخذ من الحلول الامنية العنيفة اسلوبا للحفاظ

على الطبقة الحاكمة و مكتسباتها المادية و المعنوية . و لهذا فإن اية ثورة سلمية لابد من تحولها

الى ثورة مسلحة عندما تتعرض الطليعة للقتل و الاعتقال و المطاردة و تتعرض جموع الثائرين

من العزّل لاعمال بطش و تنكيل و احيانا لاعمال ابادة جماعية . هنا يصبح الصراع تناحري

قائم على العنف ، و ربما في هذه الحالة تغيب كل القوانين التي تحرم الاعتداء على دماء و اعراض

و ممتلكات الابرياء . و يصبح المجال مشرعا لقوى خارجية حريصة على بقاء النظام الاستبدادي

للتدخل ، فتقوم بكل ما اوتيت من قوة للدفاع عن النظام مهما كانت النتائج التي تخلفها من قتل

و تدمير و تهجير و اعتداء . و يترك المجال ايضا لقوى محلية او خارجية معادية للثورة ان

تتغلغل و تعبث بالثورة من داخلها و تحولها عن مسارها الاصلاحي التغييري من خلال قيامها

باعمال وحشية لتشويه الثورة و حرفها عن مسارها و فض الناس عن دعمها و من ثم تفكيكها

كليا و القضاء عليها . كما اسلفنا فان الشروط الموضوعية لقيام الثورات موجودة : الاستبداد ..

الفساد .. غياب الحريات .. الاوضاع المعيشية و الفقر و البطالة و المرض.. اليأس من التغيير

نتيجة للتركيبة الطبقية و الحزبية و العائلية و الطائفية احيانا . لكن الشروط الذاتية ضعيفة دائما

و ذلك لعوامل متعددة اهمها غياب ثقافة التغيير و عدم معرفة قيمة الحريات لدى قطاعات

واسعة من الشعب ، و الحريات التي اقصدها هي في تداول السلطات ، و حرية الرأي ،

و توفر الفرص بين الناس على على اساس الكفاءة ، و اختيار الجماهير لممثليهم في

المؤسسات الحكومية من البلدية و البرلمان و المحافظة و الى رئاسة الدولة دون خوف

و تهديد و بلا مؤثرات مالية او نفسية . ان كثيرا من القطاعات الفقيرة راضية بواقعها و

تعتبر ان هذا الواقع مكتوب عليهم ، و بعضهم يقع تحت تسلط الطاعة لولي الامر دون

دراية بشروط الطاعة ، و بعضهم مستفيد من بقاء الانظمة المستبدة كونها توفر لهم

الفوضى في المعاملات المالية و الاقتصادية ، و تضمن تبوئهم لمناصب لا يستحقونها او

وظائف غيرهم اولى بها ، و بعضهم يرى جانبا من الانجازات و يعتبرها تحققت بفضل

الحاكم و من معه و يغفل بان تلك الانجازات لا تساوي شيئا قياسا بالدول الاخرى التي

تتمتع بمستوى اعلى من الديمقراطية . و لا يقيس ايضا مستوى المعيشة ، و الدخل العام

للفرد مع غيره ممن يسكن في بلاد يتم فيها توظيف الثروات لخدمة الانسان و تطور البلاد .

ان القبول بالحد الادنى هو آفة من الآفات ، لان الطبيعة الانسانية دائما تتطلع للافضل و للتقدم

و للعيش الكريم ، العيش الكريم يشمل ضمان التعليم و الطبابة و التنقل و ليس لقمة الخبز فقط .

كذلك العيش الكريم يكون في الامن و الاطمئنان و عدم الخوف من قول كلمة الحق ، و يكون

بالقضاء العادل الذي لا يحابي ظالما و لا يضيع حق مظلوما . لكن حتى لا نضع كل اللوم

على البسطاء من الناس فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الطليعة المثقفة التي تقف على

الهامش او لا تمتلك برنامجا موضوعيا يجعله قابلا للتطبيق . برنامج يتلمس الواقع الحقيقي

للازمات ، يكون مفهوما خال من الفلسفة و السفسطة التي لا يفهمها البسطاء . الجماهير تحتاج

لقيادة حقيقية تفهم لغتها و تتحسس همومها و تنظم صفوفها ، لا تعيش في قصور عاجية و

تلعن الفقر ، بل طليعة من الناس تعيش حياتهم و تعاني معاناتهم و تناضل من اجلهم ، تكون

اياديها نظيفة و سمعتها جيدة و مسلكها حسن . هذه هي الطليعة التي تقع عليها مسؤولية التغيير

هي القادرة على مواجهة الظلم و الاستبداد ، و هي القادرة على لجم دعاة الخضوع لولاة

الامور الفاسدين ، و لجم المثقفين المنافقين ، و الزعماء الكاذبين و القادة المخادعين .

لن تنجح ثورة بلا توفر هذين العاملين : الظروف الموضوعية و الذاتية ، اما الظروف الموضوعية

فهي قائمة منذ الاستقلال الوهمي لبلادنا ، و الظروف الذاتية لم تتوفر بعد ، و حتى تتوفر

فاننا سوف نواجه الكثير من الالام و المآسي و الفساد و الفقر ، و الكثير من القمع و الاستبداد .

google-playkhamsatmostaqltradent