recent
أخبار الساخنة

أيهما أكثر ديمقراطية؟ ‏

الصفحة الرئيسية



هذا رأي محايد لا غاية له إلا الإنصاف ، لأن الحقيقة يجب أن تقال ، و الحقيقة

 لا تخفى بغربال . لا شك بأن العديد من الأخوة و الأصدقاء و الرفاق الأعزاء

  لن يرضيهم هذا الراي كونه يخالف آرائهم  التي لا تقبل النقاش ، لا سيما عندما 

 يتعلق الامر بموضوع  يطلقون عليه " الاسلام السياسي " . ذلك ان البعض يرى 

بأن الاسلاميين يجب ان لا ينخرطوا في السياسة و ان لا يكون لهم دور في الحياة

 العامة لان مكانهم الطبيعي في المساجد و الدعوة و التعبد ، تماما كالزهاد و

 العاكفين في الصوامع و المنقطعين للعبادة و التفكر ، و كأنهم من طينة اخرى

 و ليسوا من المكونات الاجتماعية و لا  يؤثرون و يتأثرون بما يدور حولهم

 كغيرهم من الشرائح الاجتماعية غير الملتزمة دينيا  .  لقد  راقبت  طرفي

 المعادلة من بعيد : الإسلام السياسي كما يرغب البعض ان يسميه و قوى اليسار

 و العلمانية و معهما الأنظمة المستبدة من جهة أخرى  . لم أجد من الأول مواقف

 عدائية أو كيدية كما وجدت عند الثاني .  الأول يعبر في كل مناسبة  عن حرصة 

على  المشاركة و تداول السلطات و منع احتكار الحكم من قبل عائلة أو حزب أو

 او طائفة او دكتاتور جاء الى الحكم بالوراثة او على ظهر دبابة ، و يدعو للاحتكام

   لاختيار الناس .  بينما الثاني يضع العراقيل من اجل عدم مشاركة الاول في العملية

 الديمقراطية ، و لو تمكن الاول من المشاركة في الانتخابات فإن الثاني لا يقبل ان  

 يشاركة في الحكم اذا انتخبه الشعب ، و لا يقبل ان يسلمه السلطة كما هي التقاليد

 الديمقراطية حتى في مجاهل افريقيا . و يلجأ للقوة و البطش لابعاد من اختاره

 الشعب ثم يلصق به كل أشكال التهم و التشكيك التي ليس لها علاقة بالواقع 

لا من قريب و لا من بعيد ، اللهم الا الانصياع لارادة الاستبداد و الامبريالية التي 

لا تريد واقعا ديمقراطيا حقيقيا في بلادنا . القوى التي تتبنى الفكر اليساري و معهم

 بقية الاتجاهات العلمانية لا يرون ضررا في مراعاة الاستبداد ! و يعتبرون انهم

 يحققون مكاسب اذا عرض عليهم الحاكم المستبد  حقيبة وزارية او وظيفة حكومية

 أو سفير في احدى المنافي او بعض المقاعد النيابية .  يؤكدون له الولاء و الطاعة

  كلما سنحت لهم الفرصة . ولاء بثمن او دون ثمن ، و غالبا  اذا كان بثمن فان  الثمن

 هو مصلحة حزبية او مادية او معنوية . و ربما يكون الثمن عبارة عن  وزارة أو

 مقاعد نيابية كما اسلفنا ، أو السماح بصحيفة أو وسيلة أعلام . ينافقون للحاكم المستبد

 و يقدمون له الطاعة في كل مناسبة ، و يغضون ابصارهم عن جرائمه و خياناته و

 فساده و انتهاكه لحقوق الإنسان  ، فلا يرون المعتقلات المكتظة بالابرياء الذين لا

 ذنب لهم إلا اختلافهم و معارضتهم و رفضهم للطغيان . و بهذا تتحول القوى التي

 تدعي الديمقراطية  إلى أدوات في أيدي الأنظمة و أقنعة لتجميل صورته و خنجرا  

 في خاصرة  خصومه ، و عادة  لا يكون خصومه إلا من الإسلاميين ، او من 

 المستقلين الذين يرفضون القمع و التنكيل و احتكار السلطة .   هذا واقع عام لا 

  ينحصر في بلد واحد من بلادنا  بل يشملها من محيطها إلى خليجها . لقد جرب

 الاسلاميون اللجوء الى الشعب حتى لا يعارضوا من الجبال او من المخابئ بل

تكون معارضتهم من داخل مؤسسات السلطة ، او ان يكونوا على سدة الحكم اذا

اراد لهم الشعب ذلك . فعلا وصلوا عندما توفرت اجواء انتخابات نزيهة او معقولة 

 على الاقل ، لكنهم في كافة البلدان ووجهوا بجبهة مشتركة تشمل كل دعاة الديمقراطية

و معهم  زبانية الحكم البائد و انتهاء باشباه المثقفين الذين يتلونون عندما يكون

ذلك ضروريا ! و في كل مرة يجد الاسلاميين انفسهم وحدهم لا يقبل احد من الاحزاب

مشاركتهم في قيادة البلاد ، و لا تريد السلطة الخاسرة ان تسلم لهم المقاليد ، و بهذا

تدخل البلاد في فوضى . حصل هذا في الجزائر و في السودان و تونس و فلسطين .

في كل بلد كانت تحدث كارثة نتيجة المكر و رفض الاسس الديمقراطية التي يريدها

البعض على مقاسه فقط . لقد اثبت الاسلاميون عن رغبتهم الحقيقية بالتغيير و 

المشاركة و الاحتكام للديمقراطية . لم يفرضوا آرائهم على احد و لم يمارسوا اي

نوع من التسط . اختار الشعب التونسي العلماني منصف المرزوقي  رئيسا للبلاد

و من بعده احد رجالات العهد القديم و المعادي للاسلاميين السبسي رئيسا  ، ثم الرئيس

الحالي قيس سعيد و كلهم من خارج الحركة الاسلامية و تعاونوا مع الجميع بالرغم

من انهم قادرون على السيطرة على كافة الامور كونهم يمثلون الاغلبية النيابية . و

في فلسطين طالبوا الفصائل بالتعاون و المشاركة و تشكيل حكومة وطنية ائتلافية ، لم

يستجب لهم احد ، بل ان بعض القادة من فتح هددوا اي عضو فتحاوي يفكر بان 

يشارك حماس !  فنحن امام مجموعات لا تفهم الديمقراطية و لا تعترف بها و لا

تقبل بما ينتج عنها . الديمقراطية بمفهومهم هو استمرار سيطرتهم على السلطة

و اذا آلت لغيرهم لا يقبلونها و لا يشاركون من اختاره الشعب .  في مصر

 اكد المراقبون المنصفون بان الديمقراطية الوحيدة التي عرفتها مصر عبر

تاريخها الطويل كانت الفترة التي حكم فيها الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله

حيث كلف رجل مستقل  برئاسة الحكومة ، و شملت الحكومة مجموعة من غلاة 

المستبدين كوزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي و وزير الداخلية محمد ابراهيم .

لقد اكد المراقبون المحايدون ان الرئيس مرسي لم يأمر باعتقال احد من المعارضين

او يقفل محطة تلفزيونية او صحيفة او محطة اذاعة . لم يتعرض حتى لاشد الخصوم

من الذين فجروا في الخصومة ، بل و تسببوا باعمال عنف و قتل و اعتداء . لقد

تحدث قائد حرسه و هو برتبة عقيد انهم عندما تعرضوا لهجوم على مقر الرئاسة

سأل الرئيس اذا كان يجب ان يطلق النار دفاعا عن النفس ، رد عليه الرئيس : لا

تطلق النار الا عند الذروة ، فسأله الضابط : متى  تكون الذروة ؟ قال الرئيس : عندما

تجد دمي مسفوحا على الارض ! لكن عندما تولى الحكم هذا المجرم  المنقلب قتل

في ساعة واحدة 6 الاف بريئ و حرقهم احياء في رابعة و ادعى انهم كانوا مسلحين .

و لا زال يعتقل عشرات الالاف من الابرياء قضاة و اساتذة جامعات و علماء و مشايخ

و طلاب و كتاب و من عامة الناس فقط لميولهم الفكرية و العقائدية و لرفضهم الظلم 

و الاستبداد . هذا عدا الانتهاكات لحقوق الانسان التي وثقتها مؤسسات دولية و 

اعتداءات على الممتلكات و الاعراض و بيع لمقدرات البلاد و تخلي عن الاراضي 

و المياه و حقول الغاز . مع كل ذلك فان القوى اليسارية و العلمانية تقف بشدة

خلف هذا المجرم ، و تعتبره المخلّص الذي انقذ مصر من الاسلاميين ! و سيبقى

هذا الدكتاتور الجديد على راس اكبر دولة عربية مادامت القوى الديمقراطية تسانده

و الشعب يفتقر لقيادة حكيمة طليعية تقوده للتحرر من الحكم الدكتاتوري العسكري . 

اما دكتاتورية الاحزاب اليسارية و العلمانية  فحدث و لا حرج . و اذا قارنا بينهم

و بين الاسلاميين نجد الديمقراطية الحقيقية عند الاسلاميين و ليست عندهم ، و الدلائل

على ذلك كثيرة يصعب حصرها و لكن نقدم بعضها هنا . بتاريخ 11 كانون الثاني

 2010  تنازل زعيم الاسلاميين في مصر عن مركزه طواعية و قال  يومها محمد

 مهدي عاكف رحمه الله : اتنازل عن فترتي الثانية و اترك المجال لمجلس الشورى

 لاختيار بديلا عني . و قبله تنازل  الرئيس السوداني الاسلامي عام 2006 عن

 السلطة و عندما سأل احد الصحفيين الرئيس عبد الرحمن سوار الذهب : هل التزمت 

 بوعدك للسودان وأهله؟ رد قائلا : " أضفتُ فوق تلك المدة عشرين يوما فقط حتى

 تكتمل الانتخابات الديمقراطية، وقد اكتملت، سلّمتُ مقاليد السلطة للحكومة المنتخبة

 الجديدة ، ولرئيس وزرائها الصادق المهدي ثم انسحبتُ " ! و هناك العديد من مشاهد

الديمقراطية في الاحزاب الاسلامية على مستوى العالم الاسلامي و لكننا نريد الحديث

في واقعنا الفلسطيني . فلقد تخلى خالد مشعل عن قيادة حماس و رفض مطالبات كثير 

من المقربين له بالترشح من جديد ، و قبله موسى ابو مرزوق الذي كان رئيسا ثم

نائبا للرئيس ثم عضوا في القيادة ، و بينهما رمضان شلح رحمه الله الذي تخلى عن

منصبه لنائبه . اما  عند القوى اليسارية او العلمانية فإن الامين العام مخلد الى الابد،

بعضهم في منصبه منذ تأسيس منظمته و الى الان بل و حتى الموت ، محاكين بذلك

مقولة الملك الاشبيلي المعتمد بن عباد الذي قال لابنه الرشيد : الملوك يا بني من

القصور الى القبور . و لا يستثنى في هذا المجال الا الراحل جورج حبش الذي

تخلى عن الامانة العامة للشهيد ابو علي مصطفى و الراحل عبد الرحيم ملوح

الذي تخلى عن منصب نائب الامين العام . فأي ديمقراطية يتحدثون عنها و يدافعون

عن افكارها ، فإذا كانوا على مستويات حزبية لم يتنازلوا عن مناصبهم فكيف لو

اصبحوا على كرسي الحكم ؟! لهذا فانهم لا يتوانون عن دعمهم للاستبداد الحاكم

في فلسطين و غيرها من الدول العربية بالرغم من معرفتهم بان الحكام المستبدين

يحكمون بغير ارادة شعوبهم ، و انهم مفروضين بقوة السلاح و القمع و التنكيل .

ليعذرني الاخوة الاعزاء و الرفاق الكرام على هذه الصراحة ، فالحقيقة يجب

قولها و إن كانت مرة ، و من يعرفني منهم يعرف صراحتي و التماسي للحقيقة .

و بهذا المجال انا لا انزه الحركات الاسلامية و بعض قيادييها من الاخطاء ، ربما

بعض تلك الاخطاء فادحة و لا يمكن التسامح بشأنها . و عندما اتحدث عن الاسلاميين

استثني منهم التكفيريين و المجرمين الذين يتخذون من قتل المخالفين اسلوبا ، كتنظيم

القاعدة و ما تفرع عنه من منظمات و لا سيما منظمة داعش الاجرامية المشبوهة ، 

التي هي اداة في ايدي الاستبداد و الصهيونية ، و هي انشأت اصلا للوقوف في وجه

قوى التغيير و الديمقراطية و كان معظم ضحاياهم من الاسلاميين و الابرياء من 

المواطنين الامنين . و استثني غلاة الوهابية من المداخلة و غيرهم ممن يجعلون الحكام

في قداسة الاله ، يدافعون عن الحاكم المستبد الظالم بكل ما اوتوا من قدرة ، و يكفرون

كل معارض للنظم الشمولية و الدكتاتورية . انهم بنظري مطايا للحكام المستبدين  

يقومون بتخدير الشعوب لمنعهم من الثورة على الفساد وعلى نهب الثروات و الخيانة . 

عندما نتحدث عن الاسلاميين فاننا نعني اؤلئك الذين يؤمنون بالتداول السلمي للسلطات

و بحرية الناس في افكارهم و معتقداتهم ، كما تعلموا من النبي عليه الصلاة و السلام

و من الصحابة رضوان الله عليهم . النبي الكريم الذي وضع دستورا لاهل المدينة

يناسب كل من يعيش فيها من المسلمين و غير المسلمين . و الصحابة الذين احترموا

عقائد الناس و افكارهم و لم يتعرضوا لهم لمخالفتهم ، فلقد عاش تحت حكمهم كل

الناس على مختلف دياناتهم و عقائدهم بامان و دونما مساس ، بل كانوا ياخذون

حق غير المسلم من المسلم مهما كانت مكانته المادية او المعنوية ، و ربما كانت

قصة القبطي مع عمرو بن العاص و ابنه اكبر دليل على العدل الاسلامي .   


ماهر الصديق

              


 

  


google-playkhamsatmostaqltradent