كرامة الانسان تهدر و حريتة تستلب في وطن مغتصب . ليس بالضرورة ان تكون الاوطان
تحت الانتداب و الاحتلال و الاستعمار حتى يفقد المواطن حريته في وطنه ، يكفي ان يكون
الوطن تحت حكم بوليسي او شمولي لينتشر الظلم و القهر و الرعب على الارض ، و تنتهك
انسانية الانسان ، و تقوم الدولة المستبدة بمهمة المستعمر الاجنبي . ان الاوطان التي لا تُحكم
بالعدل و المساواة في الحقوق و الواجبات ، و الحكومات التي تقود البلاد عنوة و دون ارادة و
اختيار الشعب هي حكومات فاشلة لا يمكن ان تحقق الامن للبلاد و لا تحقق الاستقرار الاقتصادي
و السلام الاجتماعي . هذا امر محسوم و غير قابل للجدل ، و الشواهد على ذلك لا يمكن حصرها
في ايامنا هذه و كذلك في الماضي و لن يكون هذا ممكن في المستقبل . هذا النوع من الانظمة لا
ينتج عنها الا صراعات و تناقضات اجتماعية ، و ربما ينتج عنها ظواهر غير طبيعية كالتطرف
و الجنوح الى العنف و الصراعات الطبقية ، و ينتشر الفساد و الرشوة و المحسوبيات ، و يقل شعور
الانتماء الوطني و ربما يؤدي هذا ايضا الى وجود حالات من السقوط الاخلاقي و الوطني .
الولاء للاوطان يفتر عندما تنعدم الحرية و عندما يشعر المواطن انه مهان ، لا قيمة له في وطنه .
هنا إما ان يبحث عن وطن بديل اذا تمكن من ذلك ، و اما ان يتمرد على النظام الاستبدادي ، و
إما ان يصبح معاديا لوطنه ، و لقمة سائغة بيد اعدائه ، و بهذا بدل ان يكون مواطنا صالحا يعمل
لخدمة الوطن و لنهضته و ازدهاره يتحول الى عميل رخيص يدمر الوطن و ينشر فيه الفساد .
لكن لماذا تقوم الانظمة البوليسية بقمع شعوبها و التنكيل بها ؟ ببساطة لان هذه الانظمة لم
تحكم البلاد بإرادة الشعوب و باختيارها ، فهي اما تكونت و سيطرت بمساعدة الاجنبي ، لغرض
يخدم اهداف الدول الاجنبية ، كما هو الحال في كثير من الانظمة العربية و بالاخص الانظمة
الملكية او شبه الملكية ، و اما جاءت على ظهر دبابه و سيطرت على مقاليد الامور بالقوة
و بالقتل و الاعتقال و التنكيل ، و اما ورثت الحكم كما يرث الولد قطيع ماعز عن ابيه !
فالانظمة التي حكمت بقوة الاجنبي سيبقى ولاؤها له تخدم مخططاته و تأتمر باوامره ، و
الانظمة التي تولت الحكم بقوة السلاح تبقى اياديها على الزناد خوفا على نفسها من ظهور
قوة داخلية تنقلب عليها ، و خوفا من شعبها الذي يرغب بحكم مدني يختاره بنفسه يكون
قادرا على النهوض بالبلاد و تأمين الرفاهية و الحياة الكريمة للمواطنين . و اما الانظمة
التي جاءت الى السلطة على طبق من ذهب وورثتها ابا عن جد فانها تحتاج للقمع و التنكيل
لانها تعرف مصيرها لو تراخت ، فهي اما ان تتنازل عن الحكم حتى يختار الشعب
نظامه ، و هذا لن يقوم به الجهلة الذين جعلوا البلاد مزارع لهم و لعائلاتهم او احزابهم ،
و بالتالي لا حل عندهم الا بنظام بوليسي رهيب يقمع و ينكل بالشعب و يفتك
بكل معارض او حتى من يفكر بالاعتراض . ان المواطن الصالح عند هذه الانظمة هو
المطيع الذي لا يتكلم و لا يسمع و لا يكتب و لا يتطلع الى مناصب ، يقبل ما يقبله
الحاكم و يرفض ما يرفضه ، يعتبر كل الانجازات هي انجازات الحاكم . باختصار
المواطن الصالح هو المواطن الذي يعتبر الحاكم هو الوطن و الوطن هو الحاكم .
الغريب ان الرجل الثمانيني الخرف يتشبث بالكرسي يريد الخلود عليها ، لا يفكر
بترك شؤون البلاد للشباب الذين يمكن ان يحملوا افكارا تؤدي الى النهضة و التقدم ،
و يمكن ان يجعلوها بلادا قوية و مستقلة استقلالا حقيقيا . كيف يمكن انقاذ بلادنا
بوجود هذه العقلية المتخلفة التي تعتبر المسؤولية مكسبا و ليست وظيفة ، و تجد
من العقول المريضة و الاقلام الرخيصة و الشيوخ المنافقة من ينبري للدفاع عن
هذا التخلف ! لقد ولّى النبي عليه افضل الصلاة و السلام اسامة بن زيد امارة جيش
المسلمين و فيهم ابا بكر و الفاروق و ابا عبيدة و كبار الصحابة رضي الله عنهم اجمعين ،
و كان اسامة في الثامنة عشر من عمره . وولى عليه الصلاة و السلام عتاب بْن أسيد
على مكة بعد الفتح بوجود اشياخ مكة و كبارها و كان عمر عتاب 18 سنة . و تولى
اقوى حكام الاندلس عبد الرحمن الناصر الحكم و هو في الثالثة و العشرين من عمره،
مع وجود اعمامه و اقاربه من كبار رجال الدولة الذين تنازلوا له طائعين بعدما رأوا
منه الكفاءة و القدرة العالية على الادارة ، فضبط الامور و اسقط ملوك الطوائف
و قاد البلاد من نصر الى نصر بعد ان تفككت وكادت ان تسقط بايدي القشتاليين .
و هناك ما لا يحصى من الامثلة على قدرة الدماء الشابة على التغيير و النهوض في البلاد
و انقاذ الاوطان و الحفاظ على استقلالها . يكفي الشيوخ اوقاتهم التي قضوها على كاهل
اوطاننا ، انهم يستحقون افضل الاوسمة و لكن فليغادروا و يرتاحوا و يتركوا بلادنا تتنفس
الصعداء ، ليذهبوا و يحملوا معهم ما نهبوه و يتركوا شعوبنا تعيد بناء ذاتها على وكائز
صحيحة و قوية حتى تتمكن من تحرير اوطاننا و بناء مجتمعات قوية و منتجة و قادرة
على وقف النزيف البشري الذي لم يتوقف منذ ما يقارب قرن من الزمن .
ماهر الصديق