recent
أخبار الساخنة

وداعا أبا رياض بقلم: ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية

 

نودع اليوم مناضل مميز في عطائه و تضحياته و طيبته و فلسطينيتة .

رجل اقترن اسمه بالعمل الوطني وواكب الثورة الفلسطينية المعاصرة

منذ نشأتها و ترك بصمة واضحة في كل تفاصيل النضال الشعبي و النقابي .

كان في مقدمة الصفوف دفاعا عن شعبه ، و كانت حياته مهددة في كثير

من المحطات و في مراحل مختلفة . لم تثنه التهديدات و ما وهنت من

عزائمه الصعوبات و خاض غمار المخاطر في سبيل عزة شعبه و دفاعا

عن حقوقه . لقد نال رحمه الله هذه المكانة الرفيعة و هذا التقدير العالي

بكل استحقاق و جدارة و ذلك لما قدمه من اجل هذا الشعب المكافح

و من اجل تلك القضية العادلة .

رجل الوحدة و التوافق

كان رجل وحدة و تآلف و محبة ، و كان يعتبر بأن القضية اكبر من

الاشخاص و من المنظمات ، لهذا فإن العصبوية لم تعرف لها سبيل عنده .

لم يلتفت للمناكفات و المنافسات التي تحدث هنا و هناك . جاهز للتعاون

مع كافة الاطياف السياسية و الفكرية ما دامت تخدم القضية الوطنية

و تعمل لرفع الظلم عن شعبه . كان فتحاويا و حمساويا و من الشعبية

و الديمقراطية و التحرير الفلسطينية و النضال الشعبي . كان ينتمي

لكل هؤلاء ماداموا في صف شعبه و يعمل كل من زاويته و رؤيته

من اجل استعادة وطنه . لهذا فلقد شكل قاسما مشتركا لا يختلف عليه

اثنان ، و كان اذا دعي لالقاء كلمة او للتحدث في مناسبة عامة او خاصة

يكون كلامه وحدويا ملائما للجميع ، و كان اذا انتهى من كلامه ارضى

الجميع على اختلاف مشاربهم و افكارهم .

عدم التردد في مواجهة الاخطاء

كثيرة هي المواقف التي برز بها في مواجهة الاخطاء دون ان يحابي

احدا ، و اذكر موقفان من المواقف الكثيرة التي شهدتها بنفسي :

الاول : كان معي عندما حضرت اجتماع للجنة الشعبية في مخيم البرج ،

كان الاجتماع في بيته ، حيث لم تكن هناك مكاتب بعد انسحاب جيش

العدو الصهيوني من الجنوب . و كنت يومها عضوا في هيئة العمل

الوطني التي كان يرأس امانة سرها الاستاذ سعدالله القط . و كان من

حقي انا و غيري من الاعضاء في تلك الهيئة ان نحضر اي اجتماع

للجان الشعبية في اي مخيم بصفة مراقب ، او لنبين قرار اتخذته الهيئة

يخص اللجنة الشعبية . تصدى لي احد الاخوة الاعزاء و هو مندوب لاحد

الفصائل ، قال بحدة : لا يحق لك الحضور في هذه الاجتماعات ،

ان لكم مندوب هنا و هو من يحضر ، و قال : في كل مرة تحضر

اجتماعاتنا تحدث بلبلة ! و قبل ان ارد عليه تصدى له ابو رياض

بحدة و بلهجة لم اعهدها من قبل . قال له : من قال لك انه لا يستطيع

الحضور ، و لو اراد مسؤولك ان يحضر فاهلا و سهلا ، نرحب

به و لا نسيئ له . و اما الثاني : كان عندما اراد بعض المسؤولين

في الانروا ان يحرضوا الفصائل على الشباب في المسجد القديم في

مخيم البرج . قالوا ان هناك قرار من الانروا لبناء مشغل للخياطة

ملتصق بالمسجد . احتج الشباب على القرار و قالوا هذا لن يكون هنا

لان المساحة للمسجد و سوف يستفيد منها المسجد في بناء اشياء تعود

للمسجد بالمنفعة . يومها اراد بعض الموتورين من قادة الفصائل ان

يتخذوا قرارا باقامة المشغل بالقوة ، قلنا يجب معرفة رأي الشباب و

الاسباب التي جعلتهم يرفضون هذا المشروع ، و يجب ان لا نعتمد

على ما يقوله بعض مسؤولي الاونروا فإن الامر قد يصل الى فتنة لا

احد يعرف نتائجها . بعد اخذ و رد تم تكليفي للذهاب مع ابو رياض

للحديث مع شباب المسجد ، حيث قالوا بان هناك اماكن اخرى متوفرة

في المخيم فلماذا لا يتم البناء عليها و لماذا اختيار المسجد و ليس غيره ؟!

و اذكر يومها اننا قضينا وقتا طويلا و نحن نحادث الشباب ، و كانت

لمداخلة ابو رياض الاثر الكبير ، و من الاشياء المهمة التي ذكرت يومها

باننا لن نسمح باستعمال القوة ، بل كل شيئ يجب ان يتم بالتفاهم و التوافق .

اللطف و المرح

كان رحمه الله في كثير من الاحيان ينتقد بطريقة لا تخلو من الفكاهة

و الطرافة ، و احيانا ان اراد ايصال رسالة لاحد الاشخاص بطريقة

غير مباشرة قال قصة طريفة يضحك لها الشخص نفسه و غيره من

الحضور . اذكر ان احد الاشخاص من الفضلاء كبار السن الذين

كانوا يتصدرون اعمال اللجان الشعبية كمستقلين ، لان الوضع بعد

الانسحاب الصهيوني مباشرة كان دقيقا بالنسبة للفصائل و كان جميع

الاعضاء يعملون بصفة مستقلين ، و ان كانت انتماءاتهم معروفة . هذا

الشخص تحدث في لقاء مع الجوار بطريقة ساذجة : كلنا اخوة .. كلنا

عرب.. كلنا مسلمون . و على هذا المنوال من الكلام الطيب الذي لا

يريد ان يسمعه البعض من غير الفلسطينيين . كانوا يريدون ان يسمعوا

كلاما مغايرا ، كنبذ العمل السياسي و التنظيمي ، و رفض العمل المسلح

و غيرها من المواقف . قال ابو رياض : في مرة كنا في اجتماع جمع

وجهاء فلسطينيين و لبنانيين ، فانبرى احد الفلسطينيين ليبين عمق العلاقة

التي تجمع شعبينا ، قال الرجل للاخوة اللبنانيين : طول عمرنا اخوة ، نرعى

في اراض واحد ، اغنامنا و اغنامكم و ابقارنا و ابقاركم و حتى دجاجنا و دجاجكم

كانوا يرعون معا لا يفرق بينهم شيئا . قال ابو رياض : الم ير من العلاقات

العميقة بين شعبينا الا الابقار و الاغنام ؟ و ضحك مليا و ضحكنا جميعا .

طلعنا قرايب

كنت في زيارته مرة فبادرني بلهجته الصفورية الجميلة و ابتسامته المعهودة:

ماهر ابتعرف انو طلعنا قرايب

قلت مبتسما : كيف؟

قال : ابن عمي متزوج من عمتك

سألت : مين هوي ؟

رد : إبراهيم نمر حسين بشفاعمرو

كان رحمه الله رئيس بلدية شفاعمرو و كنت لاول مرة اعرف انه من صفورية .

قلت: نعم انها ام نمر خالة والدتي .

و قد قدر الله لي ان التقيها قبل وفاتها رحمها الله و رحم زوجها و رحم اموات

المسلمين اجمعين . كان رحمه الله عندما يتحدث عن صفورية و شفاعمرو

و الناصرة بل و عن فلسطين يتحدث بشغف و لهفة و حسرة ، و كانت لا

تخلو كلماته من الامل بالعودة . كان ابو رياض فلسطينيا حقيقيا ، فلسطينيا

في كل تفاصيله ، في وجهه البشوش في عزيمته و ارادته و آماله ، في لهجته

و تواضعه و محبته . نسأل الله تعالى ان يجعله مع الشهداء و الصديقين .

له الرحمة ، و اننا سائرون على الطريق الذي لا حياد عنه ، الطريق

الذي لا يحتمل الا معنى واحد طريق النضال حتى تحقيق النصر .



google-playkhamsatmostaqltradent