نودع اليوم مناضل مميز في عطائه و تضحياته و طيبته و فلسطينيتة .
رجل اقترن اسمه بالعمل الوطني وواكب الثورة الفلسطينية المعاصرة
منذ نشأتها و ترك بصمة واضحة في كل تفاصيل النضال الشعبي و النقابي .
كان في مقدمة الصفوف دفاعا عن شعبه ، و كانت حياته مهددة في كثير
من المحطات و في مراحل مختلفة . لم تثنه التهديدات و ما وهنت من
عزائمه الصعوبات و خاض غمار المخاطر في سبيل عزة شعبه و دفاعا
عن حقوقه . لقد نال رحمه الله هذه المكانة الرفيعة و هذا التقدير العالي
بكل استحقاق و جدارة و ذلك لما قدمه من اجل هذا الشعب المكافح
و من اجل تلك القضية العادلة .
رجل الوحدة و التوافق
كان رجل وحدة و تآلف و محبة ، و كان يعتبر بأن القضية اكبر من
الاشخاص و من المنظمات ، لهذا فإن العصبوية لم تعرف لها سبيل عنده .
لم يلتفت للمناكفات و المنافسات التي تحدث هنا و هناك . جاهز للتعاون
مع كافة الاطياف السياسية و الفكرية ما دامت تخدم القضية الوطنية
و تعمل لرفع الظلم عن شعبه . كان فتحاويا و حمساويا و من الشعبية
و الديمقراطية و التحرير الفلسطينية و النضال الشعبي . كان ينتمي
لكل هؤلاء ماداموا في صف شعبه و يعمل كل من زاويته و رؤيته
من اجل استعادة وطنه . لهذا فلقد شكل قاسما مشتركا لا يختلف عليه
اثنان ، و كان اذا دعي لالقاء كلمة او للتحدث في مناسبة عامة او خاصة
يكون كلامه وحدويا ملائما للجميع ، و كان اذا انتهى من كلامه ارضى
الجميع على اختلاف مشاربهم و افكارهم .
عدم التردد في مواجهة الاخطاء
كثيرة هي المواقف التي برز بها في مواجهة الاخطاء دون ان يحابي
احدا ، و اذكر موقفان من المواقف الكثيرة التي شهدتها بنفسي :
الاول : كان معي عندما حضرت اجتماع للجنة الشعبية في مخيم البرج ،
كان الاجتماع في بيته ، حيث لم تكن هناك مكاتب بعد انسحاب جيش
العدو الصهيوني من الجنوب . و كنت يومها عضوا في هيئة العمل
الوطني التي كان يرأس امانة سرها الاستاذ سعدالله القط . و كان من
حقي انا و غيري من الاعضاء في تلك الهيئة ان نحضر اي اجتماع
للجان الشعبية في اي مخيم بصفة مراقب ، او لنبين قرار اتخذته الهيئة
يخص اللجنة الشعبية . تصدى لي احد الاخوة الاعزاء و هو مندوب لاحد
الفصائل ، قال بحدة : لا يحق لك الحضور في هذه الاجتماعات ،
ان لكم مندوب هنا و هو من يحضر ، و قال : في كل مرة تحضر
اجتماعاتنا تحدث بلبلة ! و قبل ان ارد عليه تصدى له ابو رياض
بحدة و بلهجة لم اعهدها من قبل . قال له : من قال لك انه لا يستطيع
الحضور ، و لو اراد مسؤولك ان يحضر فاهلا و سهلا ، نرحب
به و لا نسيئ له . و اما الثاني : كان عندما اراد بعض المسؤولين
في الانروا ان يحرضوا الفصائل على الشباب في المسجد القديم في
مخيم البرج . قالوا ان هناك قرار من الانروا لبناء مشغل للخياطة
ملتصق بالمسجد . احتج الشباب على القرار و قالوا هذا لن يكون هنا
لان المساحة للمسجد و سوف يستفيد منها المسجد في بناء اشياء تعود
للمسجد بالمنفعة . يومها اراد بعض الموتورين من قادة الفصائل ان
يتخذوا قرارا باقامة المشغل بالقوة ، قلنا يجب معرفة رأي الشباب و
الاسباب التي جعلتهم يرفضون هذا المشروع ، و يجب ان لا نعتمد
على ما يقوله بعض مسؤولي الاونروا فإن الامر قد يصل الى فتنة لا
احد يعرف نتائجها . بعد اخذ و رد تم تكليفي للذهاب مع ابو رياض
للحديث مع شباب المسجد ، حيث قالوا بان هناك اماكن اخرى متوفرة
في المخيم فلماذا لا يتم البناء عليها و لماذا اختيار المسجد و ليس غيره ؟!
و اذكر يومها اننا قضينا وقتا طويلا و نحن نحادث الشباب ، و كانت
لمداخلة ابو رياض الاثر الكبير ، و من الاشياء المهمة التي ذكرت يومها
باننا لن نسمح باستعمال القوة ، بل كل شيئ يجب ان يتم بالتفاهم و التوافق .
اللطف و المرح
كان رحمه الله في كثير من الاحيان ينتقد بطريقة لا تخلو من الفكاهة
و الطرافة ، و احيانا ان اراد ايصال رسالة لاحد الاشخاص بطريقة
غير مباشرة قال قصة طريفة يضحك لها الشخص نفسه و غيره من
الحضور . اذكر ان احد الاشخاص من الفضلاء كبار السن الذين
كانوا يتصدرون اعمال اللجان الشعبية كمستقلين ، لان الوضع بعد
الانسحاب الصهيوني مباشرة كان دقيقا بالنسبة للفصائل و كان جميع
الاعضاء يعملون بصفة مستقلين ، و ان كانت انتماءاتهم معروفة . هذا
الشخص تحدث في لقاء مع الجوار بطريقة ساذجة : كلنا اخوة .. كلنا
عرب.. كلنا مسلمون . و على هذا المنوال من الكلام الطيب الذي لا
يريد ان يسمعه البعض من غير الفلسطينيين . كانوا يريدون ان يسمعوا
كلاما مغايرا ، كنبذ العمل السياسي و التنظيمي ، و رفض العمل المسلح
و غيرها من المواقف . قال ابو رياض : في مرة كنا في اجتماع جمع
وجهاء فلسطينيين و لبنانيين ، فانبرى احد الفلسطينيين ليبين عمق العلاقة
التي تجمع شعبينا ، قال الرجل للاخوة اللبنانيين : طول عمرنا اخوة ، نرعى
في اراض واحد ، اغنامنا و اغنامكم و ابقارنا و ابقاركم و حتى دجاجنا و دجاجكم
كانوا يرعون معا لا يفرق بينهم شيئا . قال ابو رياض : الم ير من العلاقات
العميقة بين شعبينا الا الابقار و الاغنام ؟ و ضحك مليا و ضحكنا جميعا .
طلعنا قرايب
كنت في زيارته مرة فبادرني بلهجته الصفورية الجميلة و ابتسامته المعهودة:
ماهر ابتعرف انو طلعنا قرايب
قلت مبتسما : كيف؟
قال : ابن عمي متزوج من عمتك
سألت : مين هوي ؟
رد : إبراهيم نمر حسين بشفاعمرو
كان رحمه الله رئيس بلدية شفاعمرو و كنت لاول مرة اعرف انه من صفورية .
قلت: نعم انها ام نمر خالة والدتي .
و قد قدر الله لي ان التقيها قبل وفاتها رحمها الله و رحم زوجها و رحم اموات
المسلمين اجمعين . كان رحمه الله عندما يتحدث عن صفورية و شفاعمرو
و الناصرة بل و عن فلسطين يتحدث بشغف و لهفة و حسرة ، و كانت لا
تخلو كلماته من الامل بالعودة . كان ابو رياض فلسطينيا حقيقيا ، فلسطينيا
في كل تفاصيله ، في وجهه البشوش في عزيمته و ارادته و آماله ، في لهجته
و تواضعه و محبته . نسأل الله تعالى ان يجعله مع الشهداء و الصديقين .
له الرحمة ، و اننا سائرون على الطريق الذي لا حياد عنه ، الطريق
الذي لا يحتمل الا معنى واحد طريق النضال حتى تحقيق النصر .