recent
أخبار الساخنة

لو كان سلطان العلماء حيا لقتلوه ‏بقلم:ماهر ‏الصديق

الصفحة الرئيسية



انه مما لا شك فيه ان الملوك و الجبابرة و المستبدين و الطغاة كانوا
في الماضي اكثر حلما و تسامحا من طغاة هذا الزمان . و كان الجلادين
و حواشي الحكام و العسس و حراس السجون اكثر رأفة و رحمة من أزلام
الحكام في هذا الوقت . بل و كان علماء القصور و المرتزقة المستفيدين من
بيوت المال ، و من الصرر التي تنفق مقابل النفاق اكثر خوفا من الله من علماء
ووزراء و شعراء السوء في الوقت الحاضر . لو قرأنا جرأة الامام العز بن عبد
السلام رحمه الله مع الصالح اسماعيل الملك الايوبي في الشام الذي تحالف
مع الصليبيين و باعهم السلاح و سلمهم مدينة صيدا و قلعة الشقيف ! لقد ثار
عليه الامام و هاجمه على منبر الجامع الاموي و حرض المسلمين عليه ، فأمر
الصالح اسماعيل بمنع الامام من الخطابة و منعه من التدريس أو الاجتماع مع
العامة ، و لما بقي الامام على مواقفه و ازداد هجومه على الحاكم الايوبي حبسه
ثم نفاه الى فلسطين و لم يقتله . و من فلسطين ذهب الامام الى مصر و كانت
تحت حكم نجم الدين ايوب فعلم الامام ان هناك اشياء تباع في الاسواق تخالف
الشريعة ، فتصدى الامام للصالح ايوب في يوم عيد و امام الناس : قال له بصوت
عال و بلا القاب : يا أيوب ما حجتك عند الله عزوجل إن قال لك : جعلتك حاكما
على مصر فابحت فيها الخمر ؟ قال الصالح ايوب : أيباع الخمر في مصر ؟! قال
نعم في الحانة الفلانية . قال ايوب للعالم الكبير : يا سيدي هذا انما من عهد ابي .
قال إذن انت ممن يقول : " إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" ،
فأمر ايوب بإقفال الحانة فورا . لم يعاقب الامام على إهانته امام شعبه ، بل 
امتثل لاوامر العالم الجليل . سأل الامام الباجي الامام العز بن عبد السلام : ألم تخف
بطشه يا سيدي ؟ قال : لا و الله يا بني ، لقد استحضرت عظمة الله فرأيت السلطان
امامي كالقط ! . و للامام مواقف كثيرة مع الملوك و الامراء كان اهمها مع الامراء
و قادة الجيش من المماليك ، حيث افتى ببيع الامراء و تحريرهم قبل توليهم القيادة
و كان تبريره في ذلك انه : من غير الممكن ان يتولى شخص غير حر اناس احرار ،
يجب ان يتحرروا قبل كل شيئ . كانت هذه حادثة نادرة في التاريخ الانساني ،
ان يقوم امام المسلمين ببيع القادة امام الملأ ، لان الشريعة تشترط ان يكون
الحاكم حرا . بعد ذلك اصبح المماليك ملوكا حكموا الامة لاكثر من 250 عاما
قادوها من نصر الى نصر ، كان اولها انتصارهم في عين جالون بقيادة المظفر
قطز ثم استكمل العظماء الظاهر بيبرس و قلاوون و الاشرف خليل حتى حرروا
بلاد المسلمين من المغول و الصليبيين . مواقف العلماء مع السلاطين لا حصر
لها في التاريخ ، كان منها موقف الامام عبدالله بن طاووس مع الحاكم العباسي
ابو جعفر المنصور و هي قصة يرويها الامام مالك بن أنس رحمه الله :
  بعث أبو جعفر المنصور بطلبنا ، فأتيناه انا و ابن طاووس ، فإذا به جالس على
 فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون
 الأعناق، فأومأ إلينا أن اجلسا، فجلسنا، فأطرق عنا قليلاً ثم رفع رأسه والتفت
 إلى ابن طاووس فقال له حدثني عن أبيك قال: نعم، سمعت أبي يقول:
 قال رسول الله : "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه 
  فأدخل عليه الجور في عدله " قال مالك: فضممت ثيابي من ثيابه مخافة أن 
  يملأني من دمه، ثم التفت إليه أبو جعفر فقال عظني ، فوعظه ابن طاووس .
و لكن أين سلاطين اليوم من سلاطين الامس ؟! إن سلاطين اليوم يتبعون
اساليب الحجاج بن يوسف و قبله زياد بن أبيه و بعدهما الحكام العبيديين
في بلاد المغرب و مصر و الشاه اسماعيل الصفوي في ايران و العراق ، حيث
فتكوا بالعلماء حتى يستفردوا بالعوام من الناس ،و لقد نجحوا في مخططهم ، 
فقام علماء السلاطين بدورهم بعدما خلت لهم الساحة و هو ما ادى لتغيير
 عقائد الناس و مواقفهم . قال الامام السيوطي في تاريخ الخلفاء :" إن الذين قتلهم
 عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن
 الصحابة فاختاروا الموت " . و كذلك فعل الشاه الصفوي في ايران و العراق .
كما و قام الخلفاء العباسيون باعمال مشابهة منذ عهد المأمون حتى الواثق .
ان اعمال الفتك و التنكيل التي يقوم بها الحكام في البلاد الاسلامية ضد
العلماء و الشيوخ و المخالفين لسياساتهم تفوق بكثير عما ارتكبه الحكام في
ازمان ماضية ، و استطيع القول ان كل البلاد العربية خصوصا و الاسلامية
عموما تشترك بهذا النوع من القمع و الفتك بما في ذلك القتل المباشر او
القتل في السجون تحت التعذيب او من خلال الاهمال المتعمد . فالسجون في
بلاد الحرمين تمتلئ بالعلماء و على رأسهم خالد الراشد و سفر الحوالي و سلمان
العودة ، و في الامارات العالم محمد عبد الرزاق الصديق الذي قطعت اخباره
منذ ما يزيد عن 4 سنين ، و في مصر تعج السجون بالعلماء و المفكرين الاسلاميين
و على رأسهم الشيخ حازم ابو اسماعيل و محمود شعبان . بل ان كل بلد عربي 
له قسط كبير في هذا القمع الممنهج و الخطير و الذي ينافي كل الحقوق و الشرائع
التي تحفظ للانسان حريته في التعبير و المعتقد و ممارسة شعائره بلا قيود .
ان اخطر ما في الامر ان المنظمات الحقوقية الاقليمية و الدولية اذ تقيم الدنيا
و لا تقعدها عن اجراءات تقوم بها الحكومات هنا و هناك ضد الشواذ و الملحدين
و لا تتحدث عن انتهاك كل الاعراف و القوانين بحق العلماء بما في ذلك ظروف
الاعتقال و منع الاقارب من الزيارات بالاضافة للتعذيب و القتل البطيئ . ان اقل
ما يمكن وصفه لسلاطين اليوم انهم سفاحون " لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ 
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُون َ " . ان من واجب كل حر ، إن كان يتفق مع العلماء او 
يختلف معهم ، ان يقوم بدوره دفاعا عن حقهم في الحرية و في المعارضة و في
إبداء الرأي بلا قمع و تنكيل ، هذا حق إنساني تكفله الشرائع السماوية و القوانين
الوضعية و الاعراف الانسانية . و إلا فاننا لا نعش في بلاد تكفل كرامة الانسان ،و
اذا غابت الكرامة فلا تنتظر العدل ، و لا تنتظر اصلاح و لا مستقبل للاجيال القادمة.

ماهر الصديق         
 
  




google-playkhamsatmostaqltradent