recent
أخبار الساخنة

النفاق الاعلامي : بقلم ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية
كأنهم لا يعلمون بأن وسائل المعرفة و المعلومات أصبحت مفتوحة و متوفرة

بكل سهولة للجميع و ان الكلمة و الصورة تصل لمن يهتم بهما في وقت قياسي

مهما بعدت المسافات و قل شأن الحدث . لم تعد الوسائل القديمة للتعتيم مجدية

و ليس بمقدور الحكومات المستبدة ان تقفل الفضاء و تسمح بمصدر معلومات يتيم .

ان عجلة الزمن تدور مسرعة الى الامام و لكنها توقفت عند الحمقى و المنافقين من

الاعلاميين الذين يخدمون الاستبداد . اؤلئك لا يعلمون هذه الحقيقة او لا يلتفتون

لها لأنهم وصلوا من الوقاحة إلى حد تبديل المواقف أكثر من مرة في جلسة

واحدة و على الهواء مباشرة و هم يبتسمون و لا يشعرون بحرج او يخجلون

من أنفسهم أو ممن يشاهدهم . لقد قلت الحيادية و المهنية و أصبح الإعلامي

ينطق بلسان شخصية حكومية أو حزبية أو سياسية و مرتهن لجهاز استخبارات

الدولة أو لأمير أو ثري متنفذ مرتبط بجهات لا يعلمها الا الله ! إن ما يلفت

و يثير الغرابة هو قلب الحقائق و انطاق من لم ينطق و تلفيق القصص و إسقاط

مواقف قديمة على أحداث جديدة و وضع صور مضى زمنها على أخبار آنية

و إدراج اسماء أموات على على وقائع راهنة ! كأن الناس لا يقرؤون و لا يتابعون

و لا يراقبون أو يربطون بين الماضي و الحاضر . إنه نوع من الاستخفاف بعقول

الناس و اللعب على مشاعرهم و خداعهم لتغيير مواقفهم و امزجتهم . و لكن هيهات

انهم يخدعون أنفسهم و يخدعون السذج من الناس فقط ، و أما سكوت الأكثرية

فهو لا يعني الموافقة أو التصديق بل الخشية من التداعيات . فمع انعدام الحريات

و شيوع البطش و التنكيل يخاف الناس من تعرضهم و اهليهم للأذى و الملاحقة ،

و لو توفر الحد الادنى من حرية التعبير لكانت ردود الأفعال مختلفة و ربما عنيفة .

إن المواقف المتناقضة التي تصدر عن إعلاميين في ازمان متفاوتة تثير الكثير من

الامتعاض بل و القرف من قبل الأكثرية الصامته ، تلك الأكثرية لا تبرر هذا النفاق

بأي شكل من الأشكال لأن السوي و العاقل يعلم أن المواقف قد تتبدل قليلا مع

تغير الظروف و لكنها لا تنقلب رأسا على عقب ! كما و أن المبادئ الأخلاقية

و الانسانية و الثوابت العقائدية و الوطنية لا تتبدل أو تتغير مع الظروف و الأحداث .

لأن أي تغيير في ذلك يعتبر انقلاب جذري في القيم التي بنيت عليها المجتمعات ،

اما غياب البوح فإنه بفعل الخوف و التهديد . تماما كما حصل في تركيا منذ

ان تولت حركة الاتحاد و الترقي "الماسونية" بقيادة أتاتورك الحكم في الربع الاول

من القرن الماضي حيث فرضت على العامة تغيير لغتها و عاداتها و دينها بل

و حتى زيها و لكن ما أن تمكن الاتراك من التقاط انفساهم و تمتعوا بالقليل من

الحرية و الاختيار الحر حتى عاد معظمهم لاصوله التي اقتلع قسرا عنها . و هذا

ما حصل مع الموركسيين المسلمين بعد عشرات السنين من سقوط غرناطة عندما

قاموا بثورة جبال البشارات و لم يكن احد منهم يحمل اسما عربيا او اسلاميا . و هو

ما حصل ايضا في مصر و بلاد المغرب الإسلامي بعد مئات السنين من سيطرة

الفاطميين بالحديد والنار ، و بعد ذلك احتلال الفرنسيين للجزائر و من بعدها لتونس

و المغرب و احتلال الانكليز لمصر عام 1882 . كذلك كان الأمر في بلاد ما وراء

النهر عندما عاد المسلمون إلى ممارسة عقيدتهم و عاداتهم و تقاليدهم بعد عشرات

السنين من سيطرة المغول على بلادهم و ارتكاب المجازر الفظيعة بحقهم ، و بعد

الاحتلال الروسي في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر . إن كل المحاولات اليائسة

الهادفة لانتزاع الشعوب عن أصولهم و عقائدهم و عاداتهم و تقاليدهم لا يمكن

نجاحها إلا عند غياب شعورهم القومي و الإنساني و القضاء على لغتهم و تاريخهم .

فهل يمكن لأولئك " الرداحون " المزورون للحقائق أن يقنعوا المسلمين و العرب بأن

القدس و فلسطين من بحرها لنهرها ليست لنا ، و ان الأقصى المبارك غير مهم و لا

يعنيهم بشئ ! هل يمكن هذا؟ عليهم قبل هذا أن ينتزعوا سورة الإسراء و التين بل

و القرآن كله من الوجود حتى يتمكنوا من تحقيق هدفهم ، و من يملك القدرة

على ذلك؟ ! و عليهم أن يقتلعوا الذاكرة من رؤوس الناس و انتزاع القلوب من

صدورهم و إيقاف عجلة الزمن و محو التاريخ من ألفه إلى يائه . إن كانوا

يقدرون على ذلك عندها سنسلم بأننا خسرنا القدس إلى الأبد ، و عندها فقط سنسلم

أن فلسطين ليست لنا . إن الشمس لا تحجب بغربال ، و أن الحياة لا تتوقف عند

رغبات فلان أو علان . لو كان الأمر كذلك لضاعت القدس منذ ازمان غابرة و لما

كان نور الدين و صلاح الدين و قطز و الاشرف خليل و لما كانت حطين و

عين جالوت و الملاحم التي لم تتوقف على مر التاريخ . و الملاحم لن تتوقف

إلا بزوال أسبابها . إن الصهاينة ومن دعمهم و والاهم و نافقهم هم السبب الأول

في استمرار الملاحم و التوترات ، و إن عودة الحقوق كاملة يعني عودة فلسطين

التي تركها أهلها عام 1948 لأصحابها ، هذا هو السبيل لإزالة أسباب التوتر

في المنطقة و في العالم بأسره . ان النفاق الاعلامي مهما كان حجمه و دعمه

و قدراته على قلب الحقائق و تشويه التاريخ و اللعب على التناقضات و استغلال

ترهل و تراجع المخلصين الانقياء في هذه الامة لا يمكنه في نهاية المطاف الا

الخضوع والاعتراف بالهزيمة لأن الحقيقة تبقى ساطعة كالشمس مهما تلبدت

من حولها الغيوم .




google-playkhamsatmostaqltradent