recent
أخبار الساخنة

العنصرية و الصهاينة بقلم ماهر الصديق




عند النائبات تنكشف طبائع و معادن الناس ، فيظهر الشخص على حقيقته
بلا تصنع و لا مراوغة ، بلا اقنعة و لا رتوش . خلال الحقبة التاريخية المفصلية
التي بدأت عام 2011 ازيلت اقنعة لا حصر لها عن وجوه لطالما كانت خادعة ،
بانت بملامحها و استفرغت ما بداخلها من امراض و خبائث و عرضت ما كانت
تخفيه من افكار على الملأ بلا تنميق و لا تمحيص و لا لباقة . منهم من كان يدعي
الانتماء للمعارضة و رفض الظلم و الطغيان ثم ظهر موقفه جليا عندما انحاز
للاستبداد و حكم الفرد و الحزب و العائلة . و منهم من كان يركب موجة
التقدمية والوطنية و القومية و الدينية ثم تبين انه من رجال استخبارات الدولة
او تابع لاجهزة مخابرات محلية او اقليمية او عابرة للحدود . و من الذين
كشفت الوقائع طبائعهم و قبحهم اؤلئك الذين كانوا يتركوننا نغرق بوصلات من
البكاء تأثرا بمواعظهم الدينية و الذين كانوا يملؤون الشاشات بكلمات التسامح و
المحبة و عدم التفرقة بين الناس على اساس اللون و العرق و القطر ، و عدم
التعرض للناس من اجل افكارهم و سياساتهم و عقائدهم ، ثم فجأة و بلا مقدمات
بانت انيابهم الحادة التي تقطر دما و تبين انهم من رجال الامير او الملك او الرئيس
و انهم يقبضون من خزينة الدولة عدا ما يأتيهم من حوافز و عطايا و رشاوى .
ان الاحداث المأساوية و الاحوال الداخلية المتردية و الحروب و النزاعات السياسية
و المشكلات الاقتصادية كثيرا ما تخلف انقسامات اجتماعية و معيشية تنعكس بشكل
خاص على الفقراء الذين لا يعرف معظمهم اسباب تلك المشكلات و من يقف خلفها
و من له مصلحة في استمرارها . هذا الوضع بما يحمله من آلام و ما يسببه من
زيادة في الفقر و البطالة و الضيق و ما تؤثره على الاسر و العلاقات الاجتماعية
الا انه يحمل معه طابع ايجابي وحيد ! فإنه يكشف المستور و يبين ما كان مطمور
بطبقات من الغش و الكذب و الخداع ، و يجعل المخادعين وجها لوجه امام الحقيقة .
تماما كما يكون حال الشمطاء بعدما ازيلت الدهون التجميلية فظهر قبحها و دمامتها
و سوء منظرها . عندها فقط يقف العاقل الحر النظيف موقفا نقديا امام نفسه ،
يراجع حساباته و يدقق بمواقفه و يصحح مساره . عليه ان يسأل نفسه : كم صفقت
لاشخاص خدعت بهم ، كم هتفت حتى بحت حنجرتي ، كم مدحت من لا يستحق
المدح ؟ و كم ظلمت اشخاص طيبين ، كم هجوتهم و قللت من مكانتهم و اتهمتهم
بعقولهم و نلت حتى من انسابهم و احسابهم و مرغت ماضيهم بالوحل ، كل هذا
لخلافي معهم في الرأي او بالاصح لخلاف من اسير وراءه بلا دراية او عقل .
ان الذين يكيدون من الدهاة الفاسدين يتمتعون بملكات لا حصر لها من المكر و
الخداع و هو ما يفتقده الكثير من الناس ، فهم قادرون على تحمل الاهانات و حتى
الصفعات و الشتائم ، لا يغضبون بل يبتسمون في وجوه مخالفيهم بينما قلوبهم
تشتعل من الداخل و عقولهم تعمل بالتخطيط للانتقام . هكذا هم جبناء لا يواجهون
و لكنهم حاقدون ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض . و من كانت طبيعته بهذه
الخساسة و النقص فانه قابل للتلون و لتغيير المواقف كما يغير ثيابه الرثة . و جاهز
للارتماء باحضان اي جهة معادية للوطن و الامة و العقيدة من اجل مصالحه
المادية و المعنوية . و تبقى ميزة يتمتعون بها تضاف الى ميزاتهم المتعددة الاوجه،
ميزة العنصرية ! فكل من ينطبق عليه الكلام آنفا لا بد ان يكون عنصريا وضيعا
كارها لكل من يحمل في نفسه روح الكرامة و عزة العقيدة و حب التضحية و الفداء
من اجل عقيدته و امته و وطنه و شعبة و حقه . و في هذه البقعة البائسة على خريطة
العالم هناك امة مبتلية بمفسدين وكلاء للصهيونية و الغرب ، و هناك احتلال لقطعة
مقدسة من بلاد العرب ، و شعب يأبى الاستسلام . و هناك من يريد القضاء
على مقاومة هذا الشعب بعدما فشلت القوة العسكرية الصهيونية على مدار عشرات
السنين من القيام بتلك المهمة و بعدما فشلت الصهيونية بمكائدها و دسائسها من اجتثاث
القضية و اذابة ما تبقى من اصحابها في المجتمعات الاخرى . فكان لا بد من تحريك
الادوات الرخيصة المتواجدة في بلاد العرب . فكانت السهام تنهمر من كل حدب و
و صوب تشكك بعدالة القضية و تدعو للتطبيع مع الصهاينة . كان لا بد لهم من اجل
استكمال مشروعهم من الضغط و التضييق و استعمال وسائل الاعلام و الدراما و
و البيانات و اللقاءات المباشرة او عبر القنوات الفضائية ، حتى بدا الصهيوني هو
" الشقيق" و الفلسطيني هو العدو ! و واكب هذه الحملات بعض السياسيين و العسكر
و رجال الدين ، فالقوا على الفلسطيني مسؤولية مصائبهم الاقتصادية و السياسية
بل ان كل اخفاقاتهم التي سببها الفساد السياسي و الاداري و التبعية لامريكا و
" اسرائيل" وضعوها على فلسطين و الشعب الفلسطيني . فإن كان هذا شاملا
بلاد العرب من محيطها الى خليجها و بنسب متفاوته ، فان البعض من ابناء
الشعب اللبناني الشقيق برزوا اكثر من غيرهم في هذا المضمار و سبقوا بذلك
اقرانهم في السعودية و الامارات ، فلم يفوتوا فرصة الا و حشروا بها الفلسطيني
حتى الوباء استخدموه للتحريض عليه ، و حتى لقمة الخبز و ازمة المحروقات .
كل ازمة من ازمات النظام السياسي غير المتوازن كان للفلسطيني حصة
في الملامة و الاتهام . اؤلئك العنصريون لا يرون ايجابية في الفلسطيني ، لا
في دعم اقتصاد بلدهم من قبل الاثرياء و المغتربين الفلسطينيين و في مساهمة
اللاجئين في كافة المجالات الحيوية التي تنمي الاقتصاد و العلوم و الحياة العامة .
انهم لا يرون هذا الكم الهائل من الظلم الواقع على الفلسطيني بموجب قوانين
غير انسانية ، و هذا التضييق الذي يشمل التنقل و العلاج و البناء ، و مع ذلك
فانهم دائما في الجانب الايجابي الداعم لامن لبنان و سلمه الاهلي و استقراره
الاقتصادي ، و انهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع و لا يتدخلون بالشؤون
اللبنانية لا من قريب و لا من بعيد الا ما يتعلق بالخدمات الضرورية للاجئين .
فلماذا هذه النغمة التي تتنقل من مكان الى مكان و من وزير الى نائب و من
حزب الى حزب و من طائفة الى طائفة ، لماذا هذا الانهيار الاخلاقي المبني
على الكذب . هم يعلمون علم اليقين ان الفلسطيني ليس مسؤولا عن مشكلاتهم
فلماذا يستخدم اللاجئ الفلسطيني دائما و يتم وضعه على رأس القائمة ؟ انها
ليست العنصرية وحدها بل هي الصهينة ، هذه حقيقة يجب ان يدركها كل
مواطن شريف حر في الوطن العربي . يراد لهذه الامة ان تبتلع من قبل
الصهاينة و هذا لن يكون الا بمساعدة ادواتهم و معهم الجهلة الذين يتبعون
اسيادهم على غير هدى . ان الذي يستهدف القضية الفلسطينية و شعبها المكافح
في هذه المرحلة التطبيعية انما يعمل بشكل مباشر او غير مباشر في المسار الذي
يخدم اهداف المشروع الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية .

ماهر الصديق



       

  
     

google-playkhamsatmostaqltradent