الجائحة التي تجتاح الكرة الارضية من كافة اطرافها صعبة و خطيرة و معقدة ،
لكنها اكثر تعقيدا و ايلاما عندما يتعلق الامر باللاجئ الفلسطيني ، ذلك لان معاناته
مركبة و مضاعفة و لا تشبه معاناة غيره من الناس . فإن كان اللاجئ يتساوى
مع غيره من البشر بعدم الاختلاف في الاصابة و الاعراض النفسية و الصحية
التي يمكن ان يسببها الوباء ، و انه مثل الاخرين مضطر للاخذ بكل اسباب
الوقاية كالعزل الصحي و الابتعاد عن الاخرين خوف العدوى و التوقف عن
العمل الاعتيادي و الالتزام بالتعليمات التي تصدر عن المؤسسات الحكومية
و الصحية ، الا ان هذا اللاجئ لا يتساوى مع بقية الناس في المساعدات الحكومية
و التعويضات عن الاضرار و لا في الرعاية الصحية لو قدر الله و اصيب
بالعدوى . و لان اللاجئ بحاجة للرعاية و المساعدة و التعويض عن البطالة
الاجبارية ، و لان معظم اللاجئين اصلا يعانون من اوضاع اقتصادية صعبة،
و لانهم اصلا محرومون من معظم الوظائف . و لان المخيمات مكتظة
و شبه محاصرة و لان الاوضاع الصحية كارثية قياسا بالمجتمعات المستقرة
التي تتمتع بالحياة الطبيعية التي يكون فيها العلاج و الدواء مجانيا ، فإن المعاناة
تكون قاسية بل و مأساوية في بعض جوانبها . في هذه الحالة من المسؤول
عن حل المشكلات الطارئة التي يمر بها اللاجئ ؟ الدول الحقيقية " لا اشباه
الدول " ، الدول التي تسري بها القوانين و التي تتحمل حكوماتها المسؤولية
عن شعوبها في اوقات المحن فرضت قوانين صارمة ، اوقفت الكثير من
من المؤسسات الاقتصادية و المرافق الحيوية و اعلنت حالة الطوارئ ، و
منعت العمل ما عدى الضروري جدا بما يمكن الناس من الاستمرار في
الحياة الكريمة كالمستشفيات و الصيدليات و المراكز التموينية و البنوك و
المواصلات الاساسية التي لا تكتظ بالركاب و الاطفائية و غيرها من
المؤسسات التي لا غنى عنها لخدمة المواطن . و كثير من الدول منعت
التجوال ، او فرضت التباعد الاجتماعي ، و حجرت على كل من اصيب
بالعدوى و على كل من اقترب منه ، ذلك حفاظا على حياة البشر و لمنع
انتشار الوباء القاتل . نعم .. الحكومات التي تعرف انها مسؤولة عن شعبها
و تعرف ان هناك هيئات حكومية و برلمانية و قضائية تراقب اداءها و
شعوب لا تسكت عن حقوقها ، قامت باجراءات غاية في القسوة و لكنها
ضرورية حتى لا تنفلت الامور و يعم الوباء و الفوضى و يخسر الناس
حياتهم و اموالهم و امنهم ، لكن في المقابل قامت بواجبها تجاه شعوبها .
لم تقل للعامل و الموظف و رب العائلة و للسائق و الفلاح و الطيار
و ربان السفينة و لبائع العصير و القهوة اجلسوا في بيوتكم حتى ينتهي
كل شيئ و يرفع الوباء. لم تقل كل فرد مسؤول عن عائلته ، نحن لا علاقة
لنا باحتياجاتكم و بخسائركم ! الحكومات التي انتخبتها شعوبها قالت لهم
التزموا بيوتكم ، توقفوا عن اعمالكم ، ساعدونا و ساعدوا انفسكم لوقف
انتشار الوباء ، و الدولة مسؤولة عن خسائركم و مستعدة دائما لتقديم خدماتها
لكم . ربما قامت بعض الدول العربية بشئ من هذا ، او بالحد الادنى على الاقل .
و بقي اللاجئ الفلسطيني بلا حائط يستند عليه ، بلا داعم الا الله ، ثم
من اصحاب الايادي البيضاء الذين قاموا بواجبهم تجاه العائلات المحتاجة و
الاشد فقرا . لكن كل هذا لا يفي بالاحتياجات الضرورية المطلوبة . و هنا يلاحظ
تقصير الانروا بل يمكن القول غياب الانروا عن المشهد المأساوي و هي المؤسسة
المعنية بشكل رئيسي بوضع اللاجئين . و كأن هذه المؤسسة تتقصد اذلال اللاجئ
الفلسطيني لعله بعد ذلك ينصاع للحلول التصفوية و بالاخص منها صفقة القرن
الامريكية الصهيونية التي يشارك في تطبيقها بعض العرب . ان هذه المؤسسة
مطالبة الان و اكثر من اي وقت مضى بتحمل مسؤولياتها في ظل هذا الوضع
الاستثنائي الصعب ، فالمعاناة كبيرة ، بل اكبر بكثير مما يظن الجالسين
على كراسيهم ووراء الشاشات يشاهدون البرامج و يتنعمون بالخيرات على
حساب الفقراء من ابناء شعبنا . ان في المخيمات عائلات لا تجد قوتها اليومي
و يتضور اطفالها جوعا و الما و قهرا . ان الوضع يحتاج لمواقف مسؤولة
تتناسب مع هذه الظروف ، و تساهم في رفع الضيم و المعاناة .
ماهر الصديق