recent
أخبار الساخنة

بيان صادر عن قيادة حركة فتح في لبنان حول جريمة اغتيال الشهيد القائد خليل الوزير ( ابو جهاد)



( الجريمة كانت الشهادة الدامغة على حالة الرعب التي تعيشها الحركة الصهيونية، والقيادة العسكرية في الكيان الصهيوني المحتل).

لقد تميَّز القائد أبو جهاد الوزير في حركة فتح بأنه الأشد إلتصاقاً بأرض الوطن الفلسطيني التاريخي، والأكثر عشقاً لرؤية أرضه، وبحره، وسمائه، وهي تتفجَّر بوجه الاحتلال الصهيوني، وتحت أقدامه، ليلاً ونهاراً. هذا الرابط المقدس مع الوطن ولد مع نشأة خليل الوزير في مدينة الرملة والذي ولد العام 1935، ثم لجأ إِلى قطاع غزة مع أهله العام 1948، وكان منذ طفولته المبكِّرة يعتصره الألم المرير، ولكنَّ الأمل الكبير كان كفيلا بتكوين طاقة التغيير، وهذا ما أوجد حالة عشق متوقِّدة بينه وبين أصابع الديناميت، والرصاص، والقنابل، يبحث عنها عند الصيادين وغيرهم، ويدفع ثمنها من مصروفه الشخصي، ويعرِّضُ نفسه دائماً للاعتقال، والتوقيف، والتحقيق، لأنه بعملياته التي استهدفت جنود الاحتلال، ومراكزهم أثار حالة الرعب والتساؤل لدى مختلف الأطراف. لكنه رغم كل المحاذير، ورغم تعقُّبه من مكان إلى مكان إلاَّ أنَّ الأيام علَّمته البطولة، وصنعت منه رجلاً قبل أوانه.

هكذا نشأ أبو جهاد، وهكذا طوَّر مفاهيمه الوطنية، والسياسية والثورية جنباً إلى جنب مع الرمز الشهيد ياسر عرفات، وأبو إِياد صلاح خلف، ومحمود عباس، وخالد الحسن، وفاروق القدومي وباقي رفاق الدرب. وكان رحمه الله من المؤسسين الذين تعيش فلسطين في ضمائرهم، ووجدانهم، وقلوبهم.

في مسيرة الشهيد أبو جهاد كانت مهامه الأساسية تتركَّز في أرض الوطن، وفي مجال التحدي المباشر ضد قيادات العدو المحتل، وضدَّ مراكزه الأمنية والعسكرية، ويتعمَّد التخطيط لتنفيذ عمليات فدائية عسكرية تهزُّ أركان القيادة الصهيونية. وهنا تجدر الاشارة إلى بعض العمليات التي كانت حسَّاسة جداً، وخطيرة جداً مثل عملية الشهيد كمال عدوان، وقائدتها دلال المغربي في 11/3/1978، وأيضاً عملية سافوي في 6/3/1975، والتي اضطرت المجموعة الفدائية عندما رفض العدو التبادل أن تفجِّر العبوات داخل فندق سافوي حيث كانت تتحصن، وذهب فيه عشرات القتلى بينهم العقيد عوزي يئيري قائد عملية فردان 1973. واستشهد في عملية سافوي سبعة من أبطال العملية.

ولا ننسى عملية ديمونا في 8/3/1988 في صحراء النقب، والتي انتقم فيها أبطال عملية ديمونا للشهداء الثلاثة الذين قضوا في مدينة ليماسول في قبرص، جراء انفجار وَضَعَه لهم الموساد الاسرائيلي وهم أبو حسن، وحمدي، ومروان كيالي. وفي عملية ديمونا الخطيرة والتي هزَّت أركان العدو ودوائره الأمنية إستطاع الابطال الثلاثة الذين قادوا العملية من إحداث، إختراق، والوصول إلى دائرة الخطر التي يقع فيها المصنع الذري، وتمكنوا من السيطرة على سيارة عسكرية، وقتل ثلاثة ضباط كانوا فيها، ثم أطلقوا النار على باص يُقلُّ عدداً كبيراً من الفنيين الذريين فجرح عددٌ كبير منهم، واستُشهد الأبطال الثلاثة بعد أن هددوا العدو الصهيوني في العمق، ووصلوا على بعد عشرة كيلومترات من الحاضنة الذرية.

أما الشهداء الثلاثة الذين قادوا العملية التاريخية فهم:

عبدالله عبدالمجيد محمد كلاب وهو قائد العملية، ومحمد عبدالقادر محمد عيسى المولود قرب الفالوجا، والثالث وهو أصغرهم سناً محمد خليل صالح الحنفي وهو مغرم بالشعر. هؤلاء هم الأبطال الثلاثة الذين نفَّذوا أخطر وأهم عملية عسكرية. وبالتالي رغم كافة العمليات التي خطط لها الشهيد أبو جهاد، إلاَّ أن هذه العملية كانت الدافع الأكبر لدى القيادة الصهيونية للإسراع بتنفيذ عملية إغتيال القائد الفلسطيني التاريخي خليل الوزير أبو جهاد في بيته القائم في العاصمة التونسية، بعد أن أُخذ القرار على أعلى مستوى قيادي في المجلس الحكومي المصغَّر.

وهكذا تمت عملية الاغتيال.

إنَّ تفاصيل عملية إغتيال الشهيد القائد خليل الوزير تؤكد مدى الأهمية البالغة لمسيرة هذا الرجل الذي كانت حياته من البداية وحتى النهاية تعجُّ بالعمل العسكري المقاوم ليل نهار.

خليل الوزير كان لا يرتاح ضميره، ولا يهدأ ولا ينام إلاَّ عندما يقضُّ مضاجع المحتل الصهيوني المغتصب للأرض، والقاتل الذي ارتكب الجرائم والمجازر يحق الأطفال والنساء والمسنين والمدنيين الفلسطينيين، وأيضاً اللبنانيين في قانا وكل أنحاء الجنوب والبقاع والشمال وبيروت، ولا ننسى مجزرة بحر البقر في مصر، وحمام الشط في تونس.

العدو الصهيوني في عملية اغتيال القائد أبو جهاد الوزير نسف كافة الخطوط الحمر التي كانت قائمة مع بعض الدول، وأيضاً مارس القرصنة الجوية، والبحرية، والبرية من أجل أن يصل إلى منزل المرحوم خليل الوزير، الذي يضمه مع أُسرته في مدينة تونس، ويرتكب العدو الجريمة تقريباً الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل 16/4/1988. وحصل ذلك بعد وصول أبو جهاد الوزير من ليبيا إلى تونس بعد أن أجرى حواراً مع الفصائل الفلسطينية حول الوحدة الوطنية. وعند وصوله إلى تونس العاصمة عقد اجتماعاً تقييمياً مع الأخ أبو اللطف فاروق القدومي، ثم غادر إلى منزله، حيث شاهد فيلماً وثائقياً حول مجريات الانتفاضة كعادته، لأنه كان يتابع كلَّ صغيرة وكبيرة في أرض الوطن، وعلى كل الأصعدة. وبعد ذلك مباشرة عكف على كتابة النداء اليومي الذي كان يوجهه لقيادة الانتفاضة، وأيضاً إلى جماهير الشعب الفلسطيني المنتفض.

في هذا الوقت كان قائد العملية الاجرامية قد وصل إلى تونس في رحلة تجارية بحرية قادماً من روما، واستقبله قائد مجموعة الموساد الذي وصل قبله إلى تونس، وتوجها لاستطلاع بيت القائد أبو جهاد الوزير، ثم توجها إلى مركز الانزال في رأس قرطاجة.

الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم السبت 16/4/1988 وصلت سيارة بيجو رمادية اللون وتوقفت أمام الڨيلا ، وتقدم منها ثلاثة أشخاص ومعهم إمرأة، وتحدثوا مع الحرس، وما إن فتح لهم البوابة حتى وجَّهوا الرصاص إلى رأسه من مسدس كاتم صوت، وعندما دخلوا اغتالوا السائق، كما اغتالوا المرحوم الشهيد مصطفى عبدالعال من مخيم البص الذي كان في غرفة نومه. وعندها دخل خمسة من عملاء الموساد من الباب الخلفي للڨيلا والتحقوا بمجموعة الاغتيال.

تنبَّهَ الشهيد أبو جهاد لشيء غير طبيعي يجري قريباً منه، فتناول مسدسه، ولكنه لم يتمكن سوى من إطلاق طلقة واحدة، إلاَّ أنَّ أربعة من عملاء الموساد أطلقوا عليه النار دفعة واحدة فأصيب بما يزيد على سبعين رصاصة.

ثم شهروا السلاح بوجه الأخت المناضلة أم جهاد لمنعها من التقدم. ثم انسحبت المجموعة التي ارتكبت المجزرة الجبانة.

وقامت أم جهاد انتصار الوزير رفيقة درب ابو جهاد منذ الانطلاقة بإجراء الاتصالات لتبلِّغ القيادة بما يجرى.

المتابعون للعملية يؤكدون أن التخطيط للعملية إستغرق خمسة أشهر، أما تنفيذ العملية، فقد استغرق خمس دقائق.

في هذا المجال، ولإبراز الأهمية القصوى لدى العدو لتنفيذ هذه العملية فلا بد أن نذكرَ حجمَ الأسلحة والوسائل الجوية، والبحرية، والبرية التي استخدمت في هذا العدوان الاجرامي على منزل الشهيد القائد خليل الوزير، معتمدين على ما ذكرته الصحف كافة خاصة الصحافة الاجنبية.

صحيفة الواشنطن بوست ذكرت أنَّ من 30 إلى 40 عنصراً من الكومندوس نزلوا على الشاطئ التونسي. كما شارك في التنفيذ عناصر من وحدة العمليات الخارجية جهاز الموساد، وتُسمى ضفادع العمليات الخارجية.

والمصادر التونسية نفسها أكدت بأن حوالي ثلاثين رجلاً قاموا بحراسة المفاصل الاستراتيجية التي تؤدي إلى المكان المحدد. وتؤكد أن هذه المجموعات كانت مزوَّدة بطائرة صهريج تضم مستشفى وغرفة عمليات استخدمت للتشويش على الاتصالات، وتبثُّ ذبذبات مضادة. كما كانت هناك طائرة بوينغ (707) رقمها 4 /9771 متواجدة قريباً من الشواطئ التونسية، وبقيت حتى تم تنفيذ العملية.

أما صحيفة سواجرارف فورنشن الأميركية فقد اكدت يومها بأن المئات من الاسرائيليين كانوا متورطين في هذه العملية، وهم أفراد مجموعة الموساد، وجنود الوحدة البحرية ( حماية الساحل)، وثلاثون جندياً من الدورية التابعة للقيادة العامة. وأنَّ الجنود أبحروا على متن أربع سفن صواريخ اثنان (ساغر5)، واثنان ساغر (4).

واحدى السفن حملت طائرتي هجوم مروحيتين من نوع كوبرا لمساعدة الجنود عند الحاجة. وكان على ظهر السفينة العميد إهودا براك المسؤول عن المهمات الخاصة آنذاك في الجيش الإسرائيلي. أما السفينة الثانية فكانت بمثابة مستشفى عائم، وعلى متنها طائرة مروحية من طراز (بل ، 206) وفيها طبيبان وممرضون. وكان على متن سفينتي ساغر 4 مجموعة من الخبراء في مجال الاتصال، وتحليل الوثائق إضافة إلى أفراد الموساد. كما حلَّقت في الأجواء محطتا وقود طائرتين من طراز (707) ومهمتهما تزويد الطائرات الأخرى بالوقود.

أما خطة الاغتيال فقد وضعها دان شومرون، وايهودا باراك بتكليف من المجلس المصغَّر في الحكومة.

إنَّ حشد مثل هذه التحضيرات الهائلة عسكرياً وبشرياً وأمنياً، وتخطيطاً وتنفيذاً لم تكن لتتم لو لم يكن القائد الفلسطيني المسُتهدف وهو خليل الوزير قد مزَّق بعملياته التي خطَّط لها، وأشرف على تنفيذها النسيجَ الداخلي الأمني الصهيوني، وأنه أرعبَ الموساد الصهيوني بجرأته، وذكائه، وإصراره على تحقيق أهداف حركة فتح، الحركة الوطنية الرائدة والواضحة في نضالها، ومسيرتها، ومواقفها الوطنية والسياسية والتاريخية.

في هذه المناسبة الحزينة لأننا فقدنا قائداً تاريخياً أعطى حياته كلَّها لقضيته، ولشعبه، وترك نموذجاً قيادياً شريفاً وأخلاقياً وثورياً، لم يفكر بنفسه، وانما كان دائماً يفكِّر بأن تبقى حركة فتح حركة عظيمة ورائدة، كان يدرك بنظرته الثاقبة والاخلاقية والشفافة أنَّ مصالحَ حركة فتح الوطنية، فوق كل الاعتبارات الشخصية والمادية، والطموحات الذاتية. الوفاء للشهيد أبو جهاد ولفتح، ولفلسطين لا يكون إلاَّ عندما نقتدي بسيرة الشهيد القائد أبو جهاد ضمير حركة فتح، ومفجِّر انتفاضتها الأولى.

المجد والخلود لشهدائنا الابرار.

الحرية لأسرانا البواسل.

والشفاء لجرحانا الأبطال.

وانها لثورة حتى النصر

قيادة حركة فتح في لبنان

إعلام الساحة



16/4/2020
google-playkhamsatmostaqltradent