recent
أخبار الساخنة

إشكالية المثقف الفلسطيني في لبنان بقلم: الحاج رفعت شناعة

الصفحة الرئيسية


نتناول في هذه المحاضرة عدة عناوين لمعالجة الموضوع الأساس:

1- ما هي الثقافة؟

2- من هو المثقف؟

3ما هي الأعباء الملقاة على عاتق المثقف الفلسطيني؟

4- ما هي العقبات والتحديات التي يواجها هذا المثقَّف ؟

5- ماهي سبل التغلب على هذه العقبات؟
تعريف الثقافة: تتعدد المعاني التي ترمي إليها الثقافة في اللغة العربية، فهي ترجع في أصلها إلى الفعل الثلاثي ثَقُفَ الذي يعني الذكاء، والفطنة، وسرعة التعلُّم، والحذق، والتهذيب، والفنون،والعلم، والتعليم،والمعارف.

أما من حيث المصطلح فتعني: مجموعة المعارف والعلوم والفنون التي من أبرز متطلباتها الحذق, والعلم الذي يختص بالبحث في مختلف كليات الدين التي تعنى في شؤون الحياة كلها . والالمام بجميع قضايا التاريخ المهمة, والرقي في الافكار النظرية من سياسة وقانون وغيرها. إضافة إلى مجموعة من العلوم والخبرات والتجارب الدينية والاجتماعية، التي تشير الى الوجهة الصحيحة . وايضا يشمل غنى وازدهاراً فكرياً يقود عقل الفرد للجمع بين الثقافات المختلفة, والتنسيق فيما بينها, وذلك من خلال صقل الفرد لمواهبه بالمعرفة، والعلوم وممارسة التراثيات الادبية، والفنية والفكرية, ولا ننسى مجموعة العادات والتجهيزات التي يكتسبها الانسان من المجتمع, كونه عضواً فيه متمثلة بالعلوم والمعارف, والمعتقدات, والفنون والاخلاق .

ثَقفَ : ثَقفاً, وثقافةً, وثُقوفةً الكلام : حَذِقه وفهمه بسرعة . ثاقفَه غالبهُ.

ويقال ثاقفةُ فثقفهُ اي غالبهُ فغلبهُ. تثاقفا : تغالبا.

الثِقاف : الخِصام – الثِقِّيف : الحاذق جداً

الثقافة : التمكُّن من العلوم والفنون والآدابِ

المثقَّف : الرمح في عرف الشعراء – أو الرجل ذو ثقافة .

الثقِّيف : المتناهي في الحموضة, يُقال : خلٌّ ثِقِّيف ))

هناك فارق بين المثقف والمتعلم .

تعتبر اللغة المستعملة بعيداًعن أهدافها عن لغة الاختصاص لأن موضوعها الوطني بعيد عن الاختصاص ايضا . وتكشف اللغة هذه عن وعي جديد يرى في الثقافة قضية وطنية, وفي القضية الوطنية موضوعاً ثقافياً بامتياز . كأن الانتقال من الاحتكار اللغوي إلى لغة لا يحتكرها أحد هو انتقال من ثقافة طقوسية مغلقة إلى ثقافة جماعية متعددة الأصوات, تتكوَّن وتظل ناقصة على الدوام .

بما أن سلطة الحياة تفرض حياة السلطة, فإن التعليم, وفي سياق معين ينقلب على السلطة سراً أو علانية, وربما يفرض السياقُ الولاءَ, حتى تُنتهك بداهاتُ الكرامة الانسانية والوطنية, لما حصل في فلسطين التي قضت عليها الهجرة اليومية والاستعمار الانجليزي في آن .

وفي هذا السياق الوطني ولد المثقف المختلف عن المتعلم التقليدي, وولد كاتب ثالث يتصارع فيه المثقف والمتعلم معاً .

هناك من يُعرِّف المثقفين على أنهم (( إجمالي الأشخاص الذين يوظفون في أي مجتمع تعابيرهم واتصالاتهم نسبياً بوتيرةٍ أعلى من بقية أعضاء مجتمعهم .))

من المتعذر على المثقف أن يكون مثقفاً ما لم يحمل مغزىً سياسيا .... فعملُ المثقف مُعترف به كميدان عمل, وممارسات تتعلق بمطالب سياسية, وظروف العالم الذي يعيش فيه .

قديماً ارتبط المثقف بالسياسة, أما حديثاً فهناك مثقفون خارج هذا الاطار .

إنه المثقف العام الذي يعمل في توطين معرفته في خدمة مجتمعه بعيداً عن السياسة . وعندما يتخلى المثقف عن دوره في السياسة ويصبح اكثر إنغماساً في القضايا المجتمعية سواء أكانت خاصة تتعلق بمجتمعه, أو عامة تخص المجتمع الانساني, بعيداً من المواقف الانتقادية للسياسة, وفي الوقت عينه, وبطريقة غير مباشرة هو موظف لدى السلطة السياسية .

إنَّ ادامة حيويته الثقافة الفلسطينية بحقولها المتنوعة, وبمضمون ديموقراطي تقدمي يحتاج الى رؤية . ونأخذ بعين الاعتبار أن سؤال الثقافة من اكثر الاسئلة تعقيداً وجدلاً بحكم تنوُّع فضاءاته وأدواته, وحاجة كل حقل من آداب وفنون ومجالات فكرٍ إلى موجِّهات, وامكانات, وادوات مخاطبة, وايصال إلى جمهور غير متواصل جغرافياً, وغير موحَّد في الذائقة والاهتمام .

هناك تحديات تواجه الثقافة الفلسطينية في الزمن الراهن, لأنَّ الوضع الفلسطيني منغرسٌ ومشتت في فضاءٍ إقليمي, ودولي منشغل بعيداً عن المسألة الفلسطينية . وهي تحديات مركزها إثراء الرواية عن المسألة الفلسطينية, وحراستها لحكايةٍ مستثمرةٍ لشعبٍ تعرَّض ولايزال لظلمٍ تاريخي, ونكبةٍ متواصلة من التسوية, والتذمرُ, والاختزال.

وهذا يستوجب إعادة الاعتبار الى الممارسة الديموقراطية التقدمية, للثقافة الفلسطينية, بالبعد الحضاري العربي والانساني .

ولا بد من العمل الجاد, لتوليد روابط ثقافية ومعرفية وتنظيمية (حيث يمكن) بين مكونات الشعب الفلسطيني كأفراد ومؤسسات ونشاطات الحفاظ على القيم الإجتماعية، والعادات والتقاليد المتوارثة، لحماية المجتمع من الإنحراف والانزلاق. ومن هذه القيم:
تهذيب السلوك الاخلاقي والتربوي داخل المجتمع الفلسطيني، والتعاون الجماعي لوضع الضوابط المطلوبة.
التوعية الإجتماعية لأهالي المخيمات،وتزويد القيمين على الأمر بالارشادات، وتعريفهم بالوسائل والأساليب التي يمكن إستخدامها بطريقة ممنهجة، ومدروسة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.
الحفاظ على المصالحة المجتمعية، والبناء على المداميك السلوكية الصلبة، القادرة على حمل الأعباء المتراكمة التي تهدد البناء المجتمعي إذا لم نمتلك الرؤية الواضحة، والادارة القوية.
تأهيل الكادر المثقف كي يمتلك الخبرة والادوات والوسائل، التي تمكنه من تحقيق خطوات ايجابية على طريق صناعة واقع متجانس اجتماعياً, ومترابط أخلاقياً ومسلكياً .

إنَّ امتلاك المعارف, والاحاطة بمختلف العوامل الايجابية, التي من شأنها رفع مستوى الوعي والشعور بالمسؤولية الجماعية, وأنّ الفرد جزءٌ من الكل المجتمعي, وأن الحفاظ على القدرات الذاتية, وتأثيرها في الوسط الاجتماعي, على طريق التحول الى الاطار المنشود القادر على التفاعل مع باقي المكونات المؤهلة للنضوج, وتشكيل الحالة الثقافية التوعوية التي تقود المجتمع وتحصِّنه .

من الاشكاليات الضاغطة التي يعاني منها المثقف الفلسطيني في لبنان بدايةَ غيابِ المؤسسة الثقافية القادرة على الانتاج, والتفاعل, وعلى الاستيعاب, بحيث تتحول الى مرجعية, تتعاطى بشكل موضوعي وعلمي, ومن موقع المسؤولية مع القضايا المطروحة عليها .

وتُخضع كافة المعطيات والاجتهادات للبحث, والتقييم, ثم تعميم الفائدة, ومراقبة النتائج العملية من أجل إغنائها مستقبلاً .

إن الثقافة ليست حالة فردية مع أهمية الفرد المثقف, وانما هي حالة مجتمعية متطورة, ومتفاعلة . صحيح أنها تعتمد في ظهورها, وبروزها, على قدرات فردية مميزة, تشكل الطليعة لهذا المجتمع, إلاَّ أنها في واقع الأمر هي الخميرة التي يتوقف عليها مستوى النهوض, والقدرة على تحمل المسؤولية .

إنَّ المثقف يستطيع أن يمتلك الأفكار الناضجة, ويستطيع أن يمتلك الجانب النظري في كيفية تطوير الواقع الاجتماعي, وتوجيهه, وارتقائه, ولكن العقبة الاساس تبقى في الجانب العملي والتطبيقي, وأيضا الاستدامة في مواكبة التطورات, والمتغيرات, والتحديات, والمعالجات العلمية والموضوعية .

إن المثقف الفلسطيني في لبنان هو حالة فردية مميزة ناشطة ومؤهلة, لكنها تفتقر إلى وجود بنية ثقافية, كما أنها تفتقر إلى الاهتمام من أصحاب القرار بوضع الخطط والبرامج لبناء الكادر المثقف, وتأهيله لتحمل المسؤولية, خاصة مسؤولية التغيير, والاصلاح, والتأثير, والبرمجة .

وهذا يتطلب أولاً وقبل كل شيء وجود المرجعية المركزية سواء أكانت وزارة الثقافة, أم دائرة الثقافة في منظمة التحرير, أو مفوضية الثقافة الوطنية, أم مراكز الدراسات لأن مثل هذا الاطار الاختصاصي, والمسؤول هو الذي يستطيع مواكبة التطورات, وإجراء الأبحاث الموضوعية حول مختلف التحديات, واعتماد الخطط والبرامج المركزية, لوضعها موضع التنفيذ, من خلال المثقفين النُخبة, الذين يمتلكون الافكار, والقدرات, وكيفية توصيل القناعات المطلوبة, وترسيخ المفاهيم .

دور المثقف التوعوي, والارشادي, والتوجيهي, مع توسيع دائرة الفعل والتأثير, وانضاج المفاهيم المتعلقة بتحصين الثقافة ومحاربة الانحرافات, وعمليات التسميم, وتزييف الحقائق التي يسوِّقها الاحتلال الصهيوني، هي بحاجة إلى التعاطي الايجابي, ومد يد التعاون من أجل مواجهة عمليات التخريب, والتزوير, والاستئصال الثقافي التي تقودها مؤسسات صهيونية حاقدة, مستخدمةً كافة الوسائل والأساليب العنصرية.

ونقصد بعملية التعاون أن يكون هناك توافق جاد, وصادق مع إدارات المدارس, وقيادات المؤسسات الاجتماعية, والثقافية , والتربوية, وأيضا مع القيادات النقابية على اختلافها, ومع الجمعيات المحلية .

وهذا يعني استنهاص عملية التغيير نحو الافضل, ووضع منهجية جديدة للتعاون بين مختلف الفرقاء الذين تجمعهم قضية واحدة, وهدف واحد وشعبٌ واحد, ومصير واحد .

وعلينا أن لا نستهين بالعقبات الكأداء التي توجه المثقف أثناء تأديته لمهامه الاصلاحية, واطفاء حرائق الفتن والخلافات سواء اكانت سياسية, ام دينية, ام وطنية. فالواقع الفلسطيني المأزوم بسبب الانقسام الحاد, وغياب المصالحة رغم كل الاتفاقات التي تم توقيعها, وهذا ما شكل هما كبيرا على عاتق كل الحريصين على الوحدة الوطنية والمهتمين بالشأن العام. وعبئا ثقيلا, وحاجزا سياسيا بل ووطنيا امام التقارب الحقيقي, والنيات الصافية, وتعزيز الثقة المتبادلة فالهم كبير على المثقف الفلسطيني الذي يعتبر نفسه معنياً اكثر من غيره من اجل ازالة الغمامة السوداء, والاحقاد التي تغذيها وسائل الاعلام . هذا الواقع المؤلم يفرض على المثقف الفلسطيني الانطلاق دائما من المتطلبات الوطنية الوحدوية التي تشكل القواسم المشتركة أمام الجميع رغم شدة الخلافات .

إن العنوان الثقافي الأبرز والدائم للحقل الثقافي الفلسطيني، هو حراسة الرواية التاريخية الفلسطينية. فالشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج يقاوم حالات واسعة تقوم على التزييف والتشويه والانكار، والتي طالت فلسطين وشعبها، جغرافياً، وتاريخياً، وديموغرافياً، وتراثياً. والشعب الفلسطيني انطلاقاً من عمق جذوره الثقافية هو الأقدر على أن يروي بأدوات ووسائل وسبل متنوعة، وفاعلة ما واجهَ الشعبَ الفلسطيني، وما يواجه في مواقعه المتعددة من تطهير عرقي، وتهجير، وتنكيل وتمييز وحروب، واجتياحات، وحصار، وتجويع. وما يبدعه من أشكال مقاومة وصمود، ومن تمسك بقيم إنسانية. فمسيرة الحكاية الفلسطينية مليئة بالقيم التي تلهم الروائي، والقاص، والسينمائي، والشاعر، والمؤرخ والفنان التشكيلي، والمسرحي، والمصور، والموسيقي و المغني والمهتم بالتراث الشعبي، وكل مكونات الحكاية والرواية الفلسطينية.

على القوى السياسية والحزبية والتنظيمية التي تقود على الارض أن تفتح الأبواب أمام المثقفين الحريصين على النسيج الوطني، وعلى التراث الوطني، كي يكونوا شركاء في النقاش، والقرار، لأنهم يمثلون العنصر الفاعل والمؤثر في حماية مستقبل المجتمعات الفلسطينية، وتراثها، وطموحاتها القومية والانسانية.

شكراً لكم على حسن استماعكم.




عضو المجلس الثوري لحركة فتح

2/12/2018

google-playkhamsatmostaqltradent