بقلم محمد حسون
منتدى الإعلاميين الفلسطينيين - قلم
من منا لا يعرف أنيس ! من منا لا يعرف ذلك الأخرس الذي تختبئ في ماء عينيه كل حكايا المخيم ، فلم يكن هذا الرجل بالأخرس بل كان ينطق كل ما فيه دون أن يحرك شفاهه ، ولم يكن موته عابرا" في مخيمنا كمرور سحابة عابرة دون أن تمطر أو كقطار العمر دون توقفه عند محطات في حياته التي عايشها في مخيم عين الحلوة.
رحل أنيس محمود حمد "أخرس المخيم" من بلدة الصفصاف في فلسطين عن عمر يناهز 66 عاما" ، ولد بعد 4 سنوات من نكبة فلسطين ولجوء أهله إلى لبنان في بلدة جويا جنوب لبنان ، لينتقل إلى مخيم عين الحلوة مع عائلته ليصيبه مرض الحمى منذ صغره ليفقده النطق والسمع معا" ، والتي حاولت العائلة علاجه مرات لترسله الى مصر عبر وكالة الأونروا مع عدة أطفال ليتعالج ويتعلم ، ولكنه اختار حضن أمه ، ولم يتحمل البعد عنها ليرجع إلى المخيم ليلعب ويلهو مع الاطفال ، ولكنه عانى الكثير الكثير وتحمل الأذى منذ صغره حتى مماته من الصبية الذين يلحقونه وحتى الكبار ، ولكنه كان أكثر حبه للأطفال ويلاعبهم ، فمن منا لا يذكر أنيس حينما كان يتجول في شوارع المخيم وأزقته وسوقه وكيف كان يحمل أكياس فيها حبات من الشوكلاته المغلفة (والبونبون) يوزعها أثناء خروج الطلاب من المدرسة أو يفتح حديثا" صامتا" مع أي أحد من المارة مستخدما" الإشارات ليعبر عن ما بداخله أو ما يريده ، فاستحالة أن تنظر إليه وتمعن النظر في عينيه ولا تسرح بما تخبأ من أسرار وقصص.
فأنيس أيضا" كان صياد ماهرا" في البر والبحر ويحب صيد الأسماك والعصافير مستخدما" بارودة سلاح الصيد القديم من بارود وكبسولة ، فلم يكن صابرا فقط على ما أصابه وما يحصل معه ، بل تعدى صبره كل شيئ ومن كل شيئ ، فهو يحب كل شيئ ويحبه كل شيئ ، حتى القطط يحبونه كثيرا" ويشاركونه وينامون بجواره ويطعمهم وله قصصا" رائعة معهم ، وأيضا" هو الذي عانى من الحروب والإشتباكات بسبب الخوف والهلع لديه ، ومن الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 سبب له خوفا كبيرا" جدا" لما كان يرى من هول الاحداث والمشاهد والملثمين من الجواسيس الذين كانوا يرعبوه ويخبر أمه عنهم ليصف لها عن أشخاص يغطون رؤوسهم .
فرحل أنيس بعدما عانى من مرض السكري ، رحل وأخذ معه كل شيئ من المخيم وترك لنا كل شيئ ، ما هو جميل منه وما هو شيئ من جميل وكثير من قبيح منا ، فحتى صمته نطق على لسان غيره عند موته ، فليس الصمت سوى عبرة .. فهل نعتبر من صمت رحيله.