recent
أخبار الساخنة

*عز الدين القسّام..*بقلم: هيثم أبو الغزلان*

الصفحة الرئيسية

لم يكن عبثًا اختيار الشيخ عز الدين القسّام الانتقال إلى فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني لمواصلة جهاده ومقاومته، ولم يكن استشهاده نهاية للقضية التي قاتل واستُشهد في سبيلها، فاستشهاده ألهب الجماهير الفلسطينية التي خرجت حاملة نعشه على الأكف لمسافة عشرة كيلومترات، فكان يومًا مشهوداً، حيث تم تقل جثامين الشهداء إلى حيفا، والصلاة عليهم في جامع الاستقلال، وشُيّعوا بتظاهرة وطنية كبرى، رجموا خلالها أفراد البوليس بالحجارة، حتى دفن في مقبرة قرية الشيخ، فيما وقفت القيادات التقليدية آنذاك موقف المتفرج، ولم تخرج في جنازته، بل سارعت إلى عقد لقاء مع المندوب البريطاني لتحذيره من عدم الاستجابة لمطالبهم السياسية!!
 
*تنظيم وعمليات*
لقد كتب "محمد عزة دروزة" الذي يعتبر أحد تلامذة الشهيد القسّام في "العُصبة القسامية": "كانت حيفا مركزاً هاماً من مراكز العمال العرب، الذين كان كثير منهم من مُشرّدي مُزارعي القرى التي بيعت لليهود المستعمِرين وأُجْلوا عنها… وكان لهؤلاء العمال حَيّ خاص مساكنه من التنك والخشب، فأخذ يظهر من هذه الطبقة رجال جهاد منذ سنة 1930م حيث أخذت تقع غزوات جهادية على المستوطنين ومستعمراتهم في قضاء حيفا، فُهمَ فيما بعد أنها من جمعيات أو حلقات جهادية.. سريّة مُحكمة التشكيل".
واستعرض الكاتب أميل الغوري في كتابه (فلسطين عبر ستين عاماً) الأعمال التي قام بها مجاهدو القسّام، ومنها: ملاحقة وتأديب الذين يخرجون عن الشعب ومصالحه، مثل التعاون مع الحكومة ضد الحركة الوطنية، والتجسس لحساب المخابرات البريطانية، أو بيع الأراضي لليهود أو السمسرة عليها للأعداء. وكان من أعمال القسّاميين العديدة الواسعة النطاق، التصدي لدوريات الجيش والشرطة، وقطع طرق المواصلات والإغارة على ثكنات الجيش ومراكز الشرطة، ومهاجمة حرس المستعمرات اليهودية، وزرع الألغام والمتفجرات فيها".
ومن العمليات المعروفة لجماعة القسّام هجوم على مستعمرة عتليت، وقتل عدد من الصهيونيين، وتصديهم لقافلة من السيارات كانت تنقل عمالاً صهيونيين والقضاء على عدد منهم.
استمرت الصدامات بين الثوار وقوى الاحتلال، وازداد عدد الهجمات على المستعمرات الصهيونية. واتسعت عملية اغتيال باعة الأراضي والسماسرة، الأمر الذي ضاعف من جهود الأعداء لمعرفة حقيقة من يقف وراء هذه الهجمات.
ويُحسب للقسّام ريادته في تشكيل منظمة مسلحة تخوض غمار المواجهة ضد المحتل، وأجمع المؤرخون الذين أرّخوا لمنظمته على أنه نجح في تجاوز أخطاء البدايات، فأثنَوْا على دقة تنظيمه، وقدراته الفائقة على الاختيار، والكتمان الشديد.
ونشط القسام في التغلغل في الأوساط الجماهيرية كافة من خلال عمله كمأذون شرعي، فحدّد القسّام أكثر فأكثر طبيعة توجّهه لتشكيل منظمة سرية تقاوم الاحتلال البريطاني والصهيوني، وذلك من خلال وعيه أن الاحتلالين البريطانيين والصهاينة هما وجهان لعملة واحدة. وظلّ القسّام يحشد لدعوته، ويقوم بتنظيم الناس، وبطرق سرية، وبشرط شراء المتطوع السلاح من ماله الخاص. وعشق الناس القسام لدقته في التنظيم والجدية المتناهية التي لمسوها منه. وقد ركّز القسّام على الفلاحين والعمال، إلا أن حركته لم تكن حركة طبقية، بل انضم إليها أناس من طبقات مختلفة. فالقسّام آمن بضرورة تعبئة الجماهير العامة والتركيز على النخبة التي ستفجّر الثورة. وعمل القسّام جاهدًا على نشر فكرة الثورة من خلال تهيئة الظروف الملائمة لها. فالعدو منظم ولديه الامكانات الهائلة التي سيستثمرها في حربه ضد المجاهدين.
وفي إحدى خطب القسام كان يخبّئ سلاحاً تحت ثيابه فرفعه وقال: "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتني مثل هذا". فأخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضراباً عاماً. كان يقول للناس في خطبه:"هل أنتم مؤمنون؟ ويجيب نفسه: لا، ثم يقول للناس: إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحد منكم بلا سلاح وجهاد".
وفكّر القسّام بأن لا يحصر نشاطه في منطقة جغرافية محدددة، لأن ذلك سيعطي فكرة عن نشاطه للبريطانيين فيحاصرونه ورجاله وينقضون عليهم، خصوصًا أن البريطانيين قد شددوا الرقابة عليه وعلى رجاله، واعتقلوا بعضهم، فقرر حينذاك الانتقال من حيفا إلى أحراش يعبد قرب مدينة جنين، وهناك حوصر ورفاقه من قبل (400- 600) جندي بريطاني معززين بالطائرات والمدرعات، وطلبوا منه الاستسلام فأبى وقال لرفاقه شعاره الشهير: " موتوا شهداء". ودارت معركة حامية غير متكافئة استمرت لساعتين وهناك مصادر تقول أربع ساعات وأخرى ثمانية ساعات، أسفرت عن استشهاد الشيخ القسّام وعدد من إخوانه: يوسف عبد الله الزيباري، وسعيد عطيه المصري، ومحمد أبو قاسم خلف، فيما اعتقلت القوات البريطانية: "نمر السعدي" و"أسعد المفلح" وقبض أيضًا على كل من "عربي بدوي" و "محمد يوسف" و "أحمد جابر" و "حسن الباير".. فيما تمكّن اثنان من الانسحاب. وتشير الإحصائيات العربية إلى مقتل نحو 15 شرطي وعسكري بريطاني فيما تقول التقارير الإنجليزية إن خسائر القوة المهاجمة كانت مقتل جندي واحد وإصابة آخر.
وجدت قوات الاحتلال عند نهاية المعركة مع الشيخ القسّام ذي اللحية البيضاء والمُسجّى على التراب بملابسه الدينية مصحفًا وأربعة عشر جنيهًا ومسدسًا كبيرًا، وكان "نمر السعدي" ما زال حيًا جريحًا حيث استطاع صحفي عربي أن ينقل عن لسانه أول الحقائق الخفية عن عصبة القسّام، وكانت هذه الحقيقة دليلًا على أن المجابهة المسلحة هذه كانت بقرار بدء الثورة منهم جميعا. أما الصحف فقد صدّرت عناوينها البارزة: (معركة هائلة بين عصبة الثائرين والبوليس) و (حادث مريع هزّ فلسطين من أقصاها إلى أقصاها).
 
*خلاصة التجربة*
أكد العديد من المؤرخين أن تجربة الشيخ "عز الدين القسّام" الجهادية تحتل موقعًا فريدًا ربما ليس في تاريخ العمل النضالي الفلسطيني المسلح فحسب بل وفي تاريخ العمل الجهادي والمقاومة في العالم العربي. فقد شكّلت ثورة القسّام وإخوانه وتلامذته منعطفاً في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، لأنّها تميزت بأنّها الثورة المسلحة المنظمة الأولى التي اعتمدت الكفاح المسلح أسلوباً لتحرير فلسطين من الاستعمار البريطاني والصهيونية واتبعت قيادتها طريقة إنشاء الجماعات الثورية.

google-playkhamsatmostaqltradent