المصدر/ انتصار الدنان – العربي الجديد
قبل سنوات طويلة، عرف الفلسطينيون اللجوء والشتات. وفي مخيّمات لبنان، يعيشون ظروفاً صعبة، في ظلّ تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً بعد تقلّص دعم وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، التي كانت تؤمّن الطبابة وتوفّر فرص عمل للبعض، وغيرها من الخدمات.
لكنّ الواقع الجديد جعل نسبة كبيرة من الفلسطينيين في حالة قلق على مصيرها. وبات كثيرون يبحثون عن أية وسيلة تساعدهم على الهجرة، حتى إنّ كثيرين يبيعون أثاث بيوتهم بهدف توفير المبلغ المطلوب الذي يطلبه السماسرة من أجل الهجرة إلى بلاد أوروبية قد توفر لهم بعضاً من الإنسانية والكرامة والحياة اللائقة.
محمد عثمان
محمد جمال عثمان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، ويتحدّر من بلدة عكا في فلسطين، ويعيش في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان). ترك المدرسة في الصف التاسع الأساسي، بعدما أنهى امتحانات الشهادة الرسميّة. أدرك أن متابعة التعليم لن تجدي نفعاً، فاختار تعلّم مهنة النجارة التي يمكنه العمل بها كفلسطيني، وتقاضي أجر، ولو زهيداً.
محمد، كباقي الشباب الذين يشعرون باليأس والإحباط، يفكّر في ترك عائلته والمخيم ولبنان والرحيل إلى أوروبا. همّه الوحيد اليوم هو الهجرة. لا تعنيه الوسيلة، لكن هدفه ترك لبنان ليعيش في مكان آخر “أكثر رحمة”. يقول إن يوميّاته على حالها، في ظل أوضاع أمنية صعبة وانعدام الأمان والضغوط النفسية وتدهور الوضع الاقتصادي. يضيف: “أننا محرومون من حقوقنا الإنسانية. كلّ هذه العوامل تجعلني أفكّر في الهجرة اليوم قبل الغد. أحاول جمع المال المطلوب للسفر. وفي حال توفره، لن أترك فرصة للسفر إلى الخارج، حتى لو كانت الوسيلة قوارب الموت. لم أعد قادراً على احتمال الواقع الحالي في المخيم. نحن لا نعيش وقد تحولنا إلى أرواح تسير في أجساد متحجرة. هنا، نحن محرومون من كل شيء. في أوروبا، كلّ ما يحتاج إليه الإنسان متوفّر، من تعليم وطبابة وضمان واحترام. لا نريد إلا بعضاً من كرامتنا”.
أحمد طحيبش
أحمد علاء الدين طحيبش من بلدة عمقا في فلسطين، وهو في السادسة والعشرين من عمره، ويعيش في مخيم عين الحلوة مع أهله. لم يتابع تعليمه وترك المدرسة في الصف السابع أساسي. لم يكن يرغب بالتعليم لأنه لن يتمكن من إيجاد وظيفة بعد التخرّج، على ما يقول، علماً أن بعض العائلات تستدين المال من أجل التعليم، أو تحرم نفسها من أدنى احتياجاتها.
بدلاً من التعليم، اختار تعلّم مهنة السباكة. لكنّ مع بداية الأزمة السورية، تراجع العمل بسبب اقتحام اليد العاملة السورية الأسواق، وبأسعار أقلّ كلفة من اليد العاملة الفلسطينية أو اللبنانية، بحسب ما يشير.
يقول أحمد: “صرت في السادسة والعشرين من عمري، ولم أتمكن من التأسيس للمستقبل. حتى اليوم، لم أتزوج، ولا أظنني سأتزوج إن بقي الحال على ما هو عليه. الوضع الاقتصادي إلى تراجع، كما أن الظروف الاجتماعية صعبة. وما من بوادر لتحسّن الظروف الحياتية في المخيم. أبحث عن فرصة هجرة. صحيح أنّني سأترك أهلي، لكن إلى متى أبقى على هذا الحال ومن دون مستقبل؟ الحياة تسير بسرعة ولا تنتظر أحداً. لذلك، أجمع بعض المال حتى أتمكن من الهجرة”.
حسن موسى
إلى ذلك، يختلف حال حسن سيف الدين موسى عن حال العديد من الشباب الآخرين، فهو يبحث عن أي فرصة هجرة بهدف العلاج. في الوقت الحالي، يعاني من التهاب في العظام والمفاصل، ولا يستطيع تأمين العلاج لنفسه. ترك المدرسة بعد إتمام الصف التاسع الأساسي، واختار بيع أكواز الذرة بهدف تأمين مصاريف عائلته. يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، ويتحدر من حيفا في فلسطين، ويعيش في مخيم عين الحلوة. يقول: “لم أتمكن من الزواج بسبب عدم توفر الإمكانات المادية. أحاول ترك هذا البلد والهجرة إلى بلد أوروبي يوفر لي إمكانية العلاج والحياة الكريمة”.