ما حدث في المية ومية ليس مجرد تفصيل عادي في حياة الفلسطيني، سيأتي اليوم الذي يتأرخ فيه هذا اليوم في المدونة الفلسطينية باعتباره الضربة القاضية في مسار تكسير الشخصية الفلسطينية، وهو يشابه في مضامينه و تجلياته الانكفاء العسكري الفلسطيني في التسعينات إن لم يكن اقسى من حيث استتباعه بالخطاب السياسي المرافق(الفلسطيني الغريب.(
إن ما هو مستغرب هو الصمت الفلسطيني المطبق، و صمت القوى اللبنانية التي يفترض أن الفلسطيني وقضيته جزءًا من ارثها وعقيدتها السياسية، واذا كان الصمت اللبناني يرتبط بمخاض تشكيل الحكومة و باعتبارات اقليمية فإن غياب الاطر الفلسطينية عن التحرك باعتبارها الممثل(الشرعي) للشعب الفلسطيني في لبنان يبدو اكثر من مستغرب، فحتى لحظة كتابة هذا المقال لم تجتمع الاطر المرجعية الفلسطينية المفترضة، فهل تبقى في محل المفعول به أم تتحرك لملاقاة القوى الرسمية اللبنانية عند نقطة تمثل المصلحة اللبنانية والفلسطينية المشتركة.
على أن المواقف الفلسطيني ، كما الجهود الفلسطينية يجب ان تكون مواقف وجهود استثنائية و تلحظ التالي:
• الاقرار ان السلاح الفلسطيني (المقدس ) بات عبئاً على الوجود الفلسطيني، فمضاره عظيمة لجهة مساهمته المباشرة في تدمير مصالح الإنسان الفلسطيني، وطالما أن مبرر هذا السلاح لم يعد قائماً وانه صار بعيداً عن الصراع مع العدو ،فإن العمل يجب ان يكون على واحد من اثنين ، اما المسارعة الى تنظيمه بشكل جدي او تسليمه للدولة اللبنانية و تحميلها مسؤولية حماية الوجود الفلسطيني وامنه وكرامته.
• ان الإشتباكات التي تحدث بين الحين والآخر ، بغض النظر عن مسبباتها المباشرة، باتت تقدم المخيم بصورة قاسية تعزز الصورة النمطية عن المخيم الفلسطيني باعتباره وكراً لخارجين عن القانون وهو ما يدمر الجهود الكبيرة التي تعمل من اجل تحسين صورة المخيم، ففي الماضي القريب ، كان هناك مناطق لبنانية كثيرة شبيه بحالة المخيم، ان كان في البقاع او في الشمال، وكنا نقول أن ما يحدث في المخيم يحدث في مناطق لبنانية، أما الان فإن الأماكن الوحيدة التي تحدث فيها اشتباكات دموية و مدمرة هي للأسف المخيمات الفلسطينية.
• ان أسوأ تجليات احداث المية ومية وما قبلها، إنها تبدوا من حيث الشكل والمضمون، باعتبارها تشكل تهديداً للأمن القومي اللبناني، وهذه حقيقة لا يمكن القفز عنها، وتضعف الموقف الفلسطيني على الرغم من أن هناك علامات استفهام كبيرة حول التوقيت والأسباب المباشرة والغير مباشرة لهذه الأحداث.
كذلك الأمر بالنسبة للمستوى اللبناني فكما أنه مطلوب من الفلسطينيين أن يتحركوا سياسياً لصياغة جهد فلسطيني موحد، جدي وفاعل ، فإن المطلوب لبنانيا:
• الحذر من تكسير الشخصية الفلسطينية عبر تبهيت صورة ممثليها، إذ ان من شأن ذلك أن يصب في خدمة الجهود الامريكية لفرض صفقة القرن التي رفضها لبنان الرسمي و يعتبرها متعارضة مع مصالحه العليا.
• ان تسارع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الى القيام بواجها المرجعي، من خلال طرح الموضوع الفلسطيني بابعاده السياسية ، الاجتماعية والإنسانية ، باعتبارها هيئة حكومية ومسؤولية.
• عدم استخدام احداث مخيم المية ومية في المزايدات الداخلية، خاصة لجهة استخدام خطاب حاد وقاسي ، يشبه الى حد ما الخطاب الذي ساد في حقبة السبعينات، وهو خطاب تلقاه الفلسطيني بطريقة سيئة ساهمت في تعزيز مخاوفه و احساسه بأنه وحيد ، مكشوف ، بدون حماية او غطاء .
• الانتباه جيداً الى سيطرة حالة (كراهية الأجنبي- xenophobia )، فبين التفلت الفلسطيني و الحزم اللبناني تتسرب هذه الحالة التي تستغل الماضي واحداثه والحاضر وتطوراته كي تنتج مفاعيل لا تخدم مصلحة الطرفين.
من حق الجيش اللبناني ان يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة لحماية الأمن القومي اللبناني، غير أن السؤال الي يطرح نفسه، لو أن القيادة الفلسطينية قامت بما هو مطلوب منهاعلى صعيد تثبيت الأمن فهل كنا سنكون أمام مثل هذا الإجراءات؟ والسؤال الأخر، أمام كل ما يحدث ما هي المصلحة الفلسطينية من حالة الشلل التي تسود الهيئات القيادية الفلسطينية؟
إن ما هو مطلوب منها الأن واكثر من اي وقت مضى، هو صياغة مبادرة فلسطينية جدية وفاعلة، تعمل تحت سقف احترام السيادة اللبنانية ، و تحترم القوانين اللبنانية و تحفظ هوية وكرامة المجتمع الفلسطيني و تنشيط وتفعيل المطالبة بالحقوق الفلسطينية في لبنان.
وهو مطلوب ايضا من احزاب لبنانية وازنة كحزب الله، حركة امل، المستقبل والحزب التقدمي والاحزاب اليسارية والقومية، فإذا كان الخطاب التحريضي (المزايدات) متوقعة من احزاب، فإن الحركة باتجاه المساهمة في انقاذ الوجود الفلسطيني مطلوبة من هذه القوى والأحزاب .
واخيراً وليس اخراً ، اذا كانت النتيجة تصب حكماً في تكسير الشخصية الفلسطينية، فإنها جاءت نتيجة لمغامرة مجنونة وهدامة، وعليه فإنه لم يعد مسموحاً لأي شخص ، جماعة، مجموعة ، أن تنقض على المصلحة الفلسطينية العليا، وقيام حركة شعبية تقف بحزم بوجه المقامرة بالمخيم الفلسطيني اصبح امر اكثر من ضروري و مصيري.