هل وصل الشعب الفلسطيني، بمكوناته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الى مرحلة من اليأس تجعله يقف عاجزا عن مواجهة الازمات التي تعصف به وبقضيته الوطنية، خاصة مع الازمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم قدرتها على التوحد، ووصول المشروع الامريكي الاسرائيلي الى مراحل متقدمة من الخطورة لا يمكن مواجهة تداعياته الا بعقلية وثقافة وطنية وحدوية تختلف عن صيغ العمل الوطني بأساليبه التقليدية..
مناسبة هذا الكلام، هو واقع المشهد الفلسطيني العام الذي يتشابه، الى حد بعيد، مع ذلك المشهد الذي تشكل بعد النكبة لجهة غياب فلسطين، الشعب والقضية، عن دائرة الاهتمام الدولي وغياب الاستراتيجية الفلسطينية الموحدة التي ينبغي ان تشكل حاضنة لكل مكونات الشعب الفلسطيني، في ظل حالات احباط تعيشها التجمعات الفلسطينية على مختلف المستويات ما ادى الى اتساع الفجوة ما بين الحالة السياسية بعناصرها المختلفة والحالة الجماهيرية المتقدمة في تضحياتها والتي تفتقد لمرجعية وطنية تقود نضالها وتدافع عن مصالحها وتستثمر انجازاتها وتضحياتها، بحيث باتت الحالة الجماهيرية، وفي ظل الواقع الحالي، اشبه بسفينة فقدت بوصلتها ولا تعرف في اي ميناء سترسو..
وبدل ان تكون الحالة السياسية الرسمية والفصائلية عامل اسناد للحالة الشعبية المتقدمة في فعلها وتضحياتها، اصبح الواقع السياسي الراهن يلعب دورا معرقلا امام امكانية اي عملية نهوض مستقبلية تسعى الى التغيير، لأن النظام السياسي الحالي غير قادر على استيعاب اية متغيرات، كونه مصمم على مقاس عملية تفاوضية استنفذت اغراضها وانتهت مفاعيلها السياسية، وباتت بنظر الكثيرين عنوانا لتصفية القضية الفلسطينية بشكل تدريجي لدرجة وصفه من قبل البعض بان هذا النظام قد دخل فعليا غرفة العناية الفائقة ولا امكانية لمعالجته الا بتعاون الجميع. واستعراض الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمختلف التجمعات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها تؤكد الحاجة الى نظرة اكثر شمولية من قبل القيادة السياسية في تعاطيها مع واقع هذه التجمعات، خاصة وان بعضها بات عرضة لمخاطر وطنية كبرى تتخطى الوقائع الجغرافية لتطال المشروع الوطني الفلسطيني برمته..
لذلك امام هذا الواقع، وفي ظل تعدد اشكال العدوان على الشعب الفلسطيني، تحتل الحروب الاقتصادية والاعلامية والثقافية مكانة هامة في المشروع الامريكي الاسرائيلي الذي يسخر له كل وسائل نجاحه بما فيها اساليب الحرب النفسية التي يمكن ان تسحق شعوب بأكملها، خاصة تلك الشعوب التي لا تحوز على الحد الادنى من المنعة والتحصين الداخلي. ولنا ان نتذكر كيف ان اتفاق اوسلو قدم الى الشعب الفلسطيني بعناوين اقتصادية ستنقل الشعب الفلسطيني من واقع الفقر والحرمان الى واقع الرفاهية والحياة الرغيدة، ليتبين بعد ذلك ان كل ما قدم في تلك الفترة من قبل الدول المانحة لم يكن سوى خديعة كبرى هدفت الى الايقاع بفئة اجتماعية من الشعب الفلسطيني وقعت في افخاخ السياسة الامريكية واصبحت اسيرة لها معلنة بدء مرحلة جديدة لن تبن الا على انقاض المرحلة السابقة..
ولأن التحالف المعادي يدرك صعوبة تمرير مشاريعه ومخططاته السياسية ضد شعب صعب المراس ويمتهن العمل الوطني والنضالي، فقد تم تجهيز ادوات المعركة وجندّت لها ادواتها البشرية والسياسية والفكرية والاقتصادية والعسكرية والامنية، لكن هل نجح التحالف المعادي الامريكي الاسرائيلي في ايصال الشعب الفلسطيني الى مرحلة من اليأس تسهل له تمرير مشروعه السياسي؟
وفقا لعلم النفس الاجتماعي، يعرف اليأس بأنه احدى الامراض التي تصيب النفس البشرية، ويعني الوصول الى مرحلة ينعدم فيها الامل في تحقيق امر ما. وخطورة هذا النوع من الامراض انه غير مرئي ولا يمكن تشخيصه بسهولة كونه يصيب الروح والعقل في آن ويدفع بصاحبه الى التسليم بواقع قائم حتى لو كان سلبيا وقاتلا..
ويسيطر الاحباط على النفس البشرية نتيجة الفشل الدائم وعدم القدرة على تحقيق فعل ما، وينطبق هذا الامر على افراد وعلى مجموعات كما ينطبق على مجتمعات وامم يمكن ان تصل الى حالات من اليأس، خاصة عندما تعجز عن ايجاد حلول لمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتكون النتيجة فوضى عارمة وعدم القدرة على ضبط الاوضاع، وبالتالي تغيب روح الجماعة وتنتشر المعالجات والحلول الفردية التي غالبا ما تكون على حساب المصالح العامة.
واليأس قد يكون حالة مؤقتة ناتجة عن اسباب آنية وراهنة، وبالتالي يمكن تشخيصها ووضع المعالجات السريعة لها، خاصة عندما يكون المجتمع مستعد لتقديم ثمن علاجه من يأسه. وقد تكون حالة دائمة يتطلب حلها اجراءات قاسية عادة ما تأخذ وقتا اطول. ويمكن استحضار الكثير من التجارب والنماذج التي عاشتها بعض المجتمعات والامم، منها من تمكن من تجاوز ازمة يأسه والسيطرة عليها بأوقات قياسية، ومنها من استفحل بها داء اليأس وظل اسيرا له وعاجزا حتى عن تشخيص المرض..
لا نعتقد ان هناك من يجادل ويناقش في حقيقة استعداد الشعب الفلسطيني لتقديم التضحيات من اجل حريته، بل ان هذا الشعب قدم من التضحيات ما لم يقدمه شعب آخر في التاريخ، ليس لأنه شعب احزان وجنازات، كما يحاول بعضهم من انصار العصر الامريكي الاسرائيلي ان يشيعوا ذلك، بل لأنه شعب يعرف معنى الوطن والأرض يحب الحرية ويناضل من اجل حياة حرة خالية من القهر والاستعباد وخالية من الظلم والاستغلال والارهاب الذي يتجسد في الاحتلال الاسرائيلي، كدولة منظمة وكمجموعات استيطانية تنتشر في طول الارض الفلسطينية وعرضها.
نموذجان بارزان يمكن استلهام تجربتهما الغنية في معنى مواجهة داء اليأس والانتصار عليه، وكيف ان إرادة الشعوب والامم الحية قادرة على تجاوز ازماتها ومعالجة مشكلاتها مهما كانت كبيرة اذا ما توافرت لها شروط وادوات ذلك، واذا ما عرفت كيف تستفيد من نقاط قوة هي حكما موجودة لدى كل الشعوب، لكنها تحتاج الى قيادات حكيمة تكون قادرة على اظهار هذه النقاط والمراكمة عليها..
المانيا واحدة من نموذجين يمكن استحضار تجربتهما. إذ بعد استسلام هذه الدولة الكبرى وانتهاء الحرب العالمية الثانية، خرجت المانيا من الحرب منهكة، محطمة ومدمرة على مستوى الدولة والمجتمع والاقتصاد وعلى المستوى البشري، حيث سقط من الالمان نحو خمسة ملايين قتيل اضافة الى ملايين الجرحى والمفقودين. ومن الطبيعي ان تفعل هذه الوقائع فعلها وتوصل الالمان، كمجتمع ودولة وافرادا، الى حالة من اليأس لم يسبق لهم ان عاشوها من قبل، الا ان ارادة الشعب الالماني كانت اقوى من كل المصاعب وتمكنت من التغلب على واقعها بعد ان عرفت كيف تستفيد مما تهيأ لها من عناصر قوة وعوامل ساهمت في التغلب على واقعها خاصة مع دخول "مشروع مارشال للدعم الاقتصادي" على خط المعالجات، وبلغت تقديمات هذا المشروع نحو 13 مليار دولار. وبفضله ونتيجة الاعتماد على العنصر البشري الذي كان العنصر الحاسم، تمكن الألمان خلال فترة قصيرة جدا من التغلب على يأسهم واوضاعهم الصعبة لينطلقون بمجتمعهم وانسانهم نحو الامام وليضعون بلدهم على سكة التطور الاقتصادى.
النموذج الثاني هي اليابان التي ضربت بقنبلتين نوويتين دمرتا مدينتين تعتبران الى جانب العاصمة طوكيو من اكثر مدن اليابان كثافة بالسكان هما هيروشيما ونكازاكي. اما على المستوى البشري، فقد بلغت خسائرها ملايين القتلى والجرحى وخسائر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي قدرت بنحو ربع الثروة الوطنية لليابان. لكن رغم كل هذا انتصرت ارادة الانسان الياباني التي تجسدت بنهوض اقتصادي وسياسي ابهر العالم لجهة انتصار اليابان على نفسها كأحد عمالقة الاقتصاد في العالم، رغم انها دولة تفتقر للموارد الطبيعية بسبب طبيعة اراضيها الجبلية، على عكس بعض دول العالم الثالث التي تخزن ثروات طبيعية هائلة لكنها تعيش اوضاعا اقتصادية صعبة.
نطرح هذين النموذجين لا لنضع انفسنا مكان اليابان او المانيا اللتين عاشتا تجربتين مختلفتين، وتهيأت لهما ظروفا مساعدة قد لا تكون متوافرة على المستوى الفلسطيني، لكن يصبح الاستشهاد بهاتين التجربتين ذات قيمة من زاوية التأكيد على ان اي شعب قادر على صنع المعجزات والانتصار على ذاته وعلى اسبابه الخارجية اذا ما تهيأت له ظروف ذلك، سواء على المستوى النفسي بطغيان الكل على الانا ووضع العقل الجماعي والارادة الموحدة للشعب امام تحد وجودي، او على مستوى وضع الخطط الاستراتيجية والتنموية التي تتطلب قيادات شجاعة تكون قادرة على تحديد اهدافها، والذهاب بمجتمعها نحو اهداف مشتركة تصهر كل المجتمع باتجاه هدف واحد يعمل الجميع على الوصول اليه.. واضعين نصب اعيننا ان الاحتلال الاسرائيلي سيبقى يشكل عقبة فعلية وجدية امام اي محاولة فلسطينية تسعى للنهوض الاقتصادي. لكن هذا لا يعني للحظة الاستسلام للواقع تحت شعار الظروف. فلو فكرت اليابان والمانيا بهذه الطريقة لما استطاعتا تجاوز العقبات التي انتصبت امامهما ولما تمكنتا من اعتلاء قمة المجد السياسي والاقتصادي..
في حالتنا الفلسطينية تتداخل عوامل خارجية، اقليمية ومحلية مع بعضها البعض لتضاعف من حدة المشكلة. ونظرا لكون الاحتلال الاسرائيلي ذات طبيعة استيطانية اجلائية احلالية، وهذا ما يميزه عن اي احتلال آخر عرفه التاريخ، وبالتالي فان المعركة مع اسرائيل لا يمكن ان تحسم بالضربة القاضية بل بمراكمة النقاط والانجازات واحدة تلو الاخرى. وهذا ما يدركه اعداء الشعب الفلسطيني، دولا وافرادا، الذين سعوا وعملوا وسخروا كل وسائل اعلامهم لجعل اليأس جزءا من ثقافة فلسطينية قادرة على قتل النفس والروح لعقود وربما قرون قادمة.
بدأت ثقافة اليأس ببث سمومها منذ مرحلة ما قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، عندما انطلقت تلك النظرية التي كانت تقول: "ان ٩٩ بالمائة من اوراق الحل بيد امريكا". ليتبين بعد ذلك حقيقة الاتصالات السرية والعلنية لملوك ورؤساء وقادة عرب مع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية. ترافقت مع الترويج لنظريات وسيناريوهات لم تكن موجودة، في تلك الفترة، الا في اذهان اصحابها، فيما الحقيقة المرة التي كانت تتأكد يوما بعد يوم هي ان ثقافة اليأس والتدمير الذاتي فعلت فعلها لدى مجموعة نافذة يأست النضال وملّت المقاومة واصبحت ترى بثقافة المقاومة والتضحية عبئا عليها وعلى تطلعاتها المستقبلية بعد ان تخلت عن مشروعها الوطني الذي تأسست عليه لتعلن هزيمتها وانحيازها الى جانب المشروع الذي قاومته، وهي تعلم علم اليقين ان هذا المشروع يشكل ايضا نقيض وجودها.
كان رموز هذه الثقافة يروجون يوميا وكل لحظة لثقافة جديدة يريدون زرعها داخل المجتمع الفلسطيني، ويروجون ايضا لأوهام بامكانية لعب دور سياسي ما، الى جانب فتات المنافع التي كانت هذه الفئة تأمل بالحصول عليها في اطار النظام الذي بدأ يتشكل في المنطقة، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار النظام الدولي القديم. وكان واضحا من خلال النقاشات الفلسطينية الداخلية، خاصة تلك سبقت الاجتياح الاسرائيلي للبنان، ان هناك ميلا واضحا نحو التساوق مع مخططات التسوية الامريكية التي تحددت معالمها حينذاك في اتفاقات كامب ديفيد، وكانت تتجه نحو البحث عن نقاط تقاطع تضمن لنفسها، ولما تمثله من مصالح طبقية ضيقة، موقعا ما في اطار هذه المخططات.
على مستوى السياسة الداخلية الفلسطينية، كان مرئيا للجميع ان هناك انحدارا سلبيا في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية سواء في علاقاتها الداخلية او على مستوى قدرتها على ابتداع حلول لازمتها المتواصلة منذ سنوات، وهي التي عرف عنها القدرة على طرح الحلول للمعضلات الوطنية التي صاحبت انطلاق العمل الوطني الفلسطيني، لكن هل يمكن رد ما تعيشه الحالة الفلسطينية الى اسباب داخلية فقط بمعزل عن المتغيرات التي تشهدها الساحة الاقليمية..
المؤكد ان الازمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية هي نتاج عوامل داخلية وخارجية في آن، لكن لا يمكن للعوامل الخارجية ان تجد طريقها وتفعل فعلها في الواقع الفلسطيني وتتغلغل في تفصيلات العمل الفلسطيني بجميع جزئياته، دون ان تجد ارضا داخلية خصبة وجاهزة لاستقبال الرياح الخارجية، ما يؤكد ان ما حدث من تغييرات على المستوى الداخلي الفلسطيني لجهة ضرب جميع صيغ الاجماع الوطني واستبداله بوصفات معلبة خارجيا، تم رسمه خارجيا وادير بحنكة من قبل مؤسسات سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية لتخدم هدف واحد: هو التدمير الذاتي والوصول بالمجتمع وبالشعب الفلسطيني الى مرحلة من الاحباط تجعله غير قادر على مواجهة مخططات الاعداء.
في المستوى السياسي، تكاد صورة المشهد الفلسطيني العام الحالي تقترب من ذلك المشهد الذي اعقب عملية التهجير الجماعي للاجئين قبل وبعد العام 1948، والشعور الذي انتاب قسما كبيرا من الشعب الفلسطيني بأن المشروع الصهيوني قد انتصر، لكن ما هي الا سنوات قليلة حتى انتفض الشعب الفلسطيني على ذاته وعلى محيطه ليعلن ثورة مسلحة قدمت تضحيات عظيمة قل ان تقدمه ثورة مشابهة. مما اعاد الثقة بالنفس للشعب الفلسطيني الذي اخذ قضيته بيده طارحا مشروعا سياسيا ما زال حاضرا حتى هذه اللحظة.. من هنا تكمن اهمية الدعوة الدائمة لتجديد بنية ومسار حركتنا الوطنية في اطار صيانة المشروع الوطني التحرري.. بديلا لخيارات القيادة السياسية التي ما زالت تفتقر إلى الإرادة السياسية الضرورية وتحصر نفسها في خيارات وتحركات سياسية تفتقد للبعد الوطني.
والحركة الوطنية الفلسطينية التي نتحدث عنها اليوم هي ليست تلك الحركة التي انتجت ثورة معاصرة انبثقت من معاناة وتضحيات شعب ما زال واقفا صامدا ومستعدا لتقديم التضحيات. بل حركة وطنية مختلفة تتأرجح بين عصرين: عصر النضال والثورة والانجازات العظيمة وعصر السلطة والثروة والترويج للهزيمة، وفي ظل تحديات داخلية وخارجية تطال كل عناوين القضية الفلسطينية، وعدو يحتل ارض بدعم من قوى دولية، وكل هذا يأتي مترافقا مع اختلال كبير في ميزان القوى لصالح اسرائيل. انها حركة وطنية تجمع ما بين عدة شرعيات في آن: ثورية وشعبية وقانونية، اقليمية ودولية وعدة مرجعيات تتداخل فيما بينها في كل تفاصيل الحياة الفلسطينية. ورغم ان كل جزئية من تلك المخاطر التي سبق ذكرها تكفي لاشعال ثورة، فان هذا بنظر البعض لم يكن كافيا ليكون مبعثا للقلق باعتباره لا يعرقل المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني وهو الاحوج ما يكون لعمليات تغيير تستجيب للتطورات والمستجدات الاقليمية والدولية.
الشعب الفلسطيني اليوم هو امام مرحلة جديدة تتميز باندثار وانهيار البنى القديمة للحركة الوطنية الفلسطينية، نتيجة مغادرة فئة اجتماعية كبيرة ووازنة للنضال الفلسطيني بصيغته التقليدية، ليس هذا فقط، فقد اخذت تنظر وتروج لثقافة جديدة تبرر سياساتها التي كانت تقترب اكثر فأكثر من سياسات اعتبرتها سابقا تصفية للقضية الوطنية الفلسطينية. وقد نجحت هذه السياسة، ولو بشكل نسبي، في ايصال قطاعات واسعة تنتمي الى الفئات الوسطى في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الى حالة من اليأس والاحباط لم يعد بالامكان اعادتها الى موقعها السابق، واصبح من الصعوبة السيطرة عليها او اخراجها من واقعها الذي بات يشكل عبئا على الحركة الوطنية وعلى الحالة الشعبية، خاصة نتيجة التحالف الذي نشأ، بعد التوقيع على اتفاق اوسلو وقبل ذلك ربما، بين هذه الفئة القليلة افرادا لكنها الواسعة النفوذ السياسي والامني والمالي وبين اصحاب الثروات ووسطاء الاحتكارات الذين باتوا يغلبون مصالحهم الطبقية على مصالح الشعب، وبهذا المعنى تصبح دعوات المقاومة والانتفاضة للخلاص من الاحتلال وكأنها دعوات موجهة الى هذه الفئة التي ربطت مصالحها الطبقية باستمرار الواقع الراهن حتى لو كان الاحتلال هو سببه وهو الذي يتحكم بجميع مفاتيحه..
لعل هذا ما يفسر عدم النجاح في جعل الانتفاضات التي اندلعت في اكثر من مناسبة ذات صبغة شمولية، سواء على المستوى الجغرافي او الاجتماعي، رغم ان الاسباب الموضوعية لاندلاع انتفاضة جماهيرية شاملة هي ناضجة ولا تحتاج سوى الى القرار السياسي الذي ظل غائبا لسنوات وما زال حتى الآن.. هذا ما حدث مثلا خلال الانتفاضة الشبابية عام 2016 التي ظلت تصارع الاحتلال وجنوده لعام ونصف ولم يتسع مداها خارج اطار مدينة القدس، رغم عنف الاحتلال وحملة القمع التي لجأ اليها كالإعدامات في الشوارع وحملات الإعتقال الواسعة ضد نشطاء الإنتفاضة والناشطين في فصائل العمل الوطني الفلسطيني، الى ان تراجعت الانتفاضة شيئا فشيئا لتتحول الى حالات فردية تنتقل بين منطقة واخرى. كل هذا القمع وحملات الاعتقال الهستيرية ومشاريع الاستيطان والضم وازدياد المخاطر على مدينة القدس، فان شرائح معينة من المجتمع الفلسطيني احجمت عن المشاركة في فعاليات الانتفاضة ووقفت مترددة، غير قادرة على اتخاذ قرار مصيري بالانحياز الى جانب خيار الانتفاصة.
ان الجزء الاكبر من ممثلي هذه الفئة ورموزها باتوا اليوم يحتلون مواقع قيادية هامة سواء على مستوى السلطة ومؤسساتها، الاجهزة الامنية والوزارات، او منظمة التحرير ومؤسساتها او على مستوى الهيئات الاجتماعية والاقتصادية واصحاب الاحتكارات الكبرى. لذلك فإن الخيار الذي سلكته هذه الفئة الاجتماعية بمغادرة مسار النضال الوطني بصيغته التوافقية الوحدوية المؤسساتية وامعانها في سلوك طريق التعبية، هو أحد ابرز عناصر وأسباب انهيار البنى القديمة للحركة الوطنية التي كانت قائمة على الشراكة والوحدة والقواسم المشتركة التي انتجت انتصارات سياسية وانجازات وطنية كبرى. لكن بدل ان يتم المراكمة على ما تحقق من هذه الانجازات بسياسات وصيغ تضع كل الشعب الفلسطيني امام هدف واحد وتسخّر من اجله كل الطاقات، تم التضحية بكل ما تحقق لتدخل الحالة الفلسطينية نفقا مظلما لا زلنا نصارع على الخروج منه ..
اما على المستوى الاقتصادي، فالفاجعة اكبر، إن كان على مستوى الخيارات الاقتصادية التي تم اللجوء اليها بحكم الوصفات الخارجية للمؤسسات المالية الدولية، والتي لا يمكن ان تبني اقتصاديا فلسطينيا قويا ومتحررا من كل اشكال التبعية، او على مستوى الترويج لسياسات انهزامية ونشر الفساد وكسب الولاءات وتوزيع المنافع والمغانم بما شجع ثقافة الراتب والوظيفة في ظل اوضاع اقتصادية غاية في السوء، وكل هذا لا يمكن ان يقود سوى الى مجتمع مشرذم لا يستطيع الوقوف على قدميه، وهذا هو الهدف الذي يريدوا ان يصلوا اليه.
مثل هذه الاستنتاجات لم تعد سرا، بل ان خبراء الاقتصاد يطرحون الكثير من علامات الاستفهام حول الاصرار على ذات السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل سياسيي اوسلو التي تستجيب بشكل حرفي لرغبات المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة، وهي سياسات لم ولن تقود، في حال استمر العمل بها، سوى الى جعل المجتمع الفلسطيني برمته اسيرا للسياسات الغربية والاسرائيلية. ولعل هذا هو سبب اصرار الفصائل والشخصيات الوطنية الفاعلة، بل هذا هو اصرار منظمة التحرير بمجلسيها الوطني والمركزي على اعادة النظر ببروتوكول باريس الاقتصادي لعام 1995، الذي يكرس تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاسرائيل وسيطرتها المباشرة..
ورغم الارقام الخادعة التي تصدرها بعض مؤسسات السلطة الفلسطينية، والتي تعطي صورة كاذبة عن حقيقة الاوضاع الاقتصادية في المناطق التي تشرف عليها السلطة، لأن الصورة اكثر مأساوية. لكن بالرغم من ذلك، فان الارقام المعلنة من قبل هذه المؤسسات تقول بأن الدول المانحة قدمت لمناطق السلطة الفلسطينية خلال الفترة منذ عام ١٩٩٣ وحتى عام ٢٠١١ نحو ٢٣ مليار دولار، اضافة الى اموال المقاصة القادمة عبر اسرائيل والتي تبلغ نحو مليار دولار سنويا، وهي قيمة الضرائب المفروضة على البضائع التي يتم استيرادها لحساب مناطق السلطة الفلسطينية والتي تتم برضى السلطة وفقا لاتفاق باريس الاقتصادي لعام ١٩٩٥. هذه الارقام تجعل السلطة الفلسطينية من اكبر المستفيدين من المساعدات الاقتصادية في العالم من حيث نصيب الفرد. وهو ما يؤكد ان اكثر من ثلاثة ارباع ايرادات السلطة هي مرتهنة بالكامل لاسرائيل والدول المانحة..
النظرة الاولى لحجم المساعدات المقدمة تظهر ان الارقام كبيرة مقارنة مع عدد السكان، وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: طالما ان السلطة الفلسطينية كانت من اكبر المستفيدين اقتصاديا من المساعدات، فما هو السبب المباشر في تردى الاوضاع الاقتصادية، ولماذا باتت اوضاع الفلسطينيين الاقتصادية اسوأ بكثير عما كانت عليه عام ١٩٩٣؟ ومرد ذلك بكل تأكيد سياسات الاحتلال الميدانية وشروط الدول المانحة والمؤسسات المالية التي افشلت جميع الخطط التنموية التي تم وضعها منذ توقيع اتفاق اوسلو. وهذا ما يجعل التساؤل محقا ومشروعا عن اصرار قيادة السلطة ومنظمة التحرير على نضال يكون مرهونا بالكامل للارادتين الامريكية والاسرائيلية.
نموذج آخر يشير الى ان سعي البعض، دولا وافرادا، لجعل فئة اجتماعية وازنة من المجتمع الفلسطيني وهي الفئة المتوسطة، التي تعتبر عامل توازن في المجتمع، رهينة للسياسات الغربية لم يعد اتهاما بل حقيقة تؤكدها السياسات اليومية والعلاقات القريبة والبعيدة لرموز تلك الفئة الاجتماعية التي تمسك بزمام القرار السياسي والاقتصادي والامني الفلسطيني. ووفقا للمعطيات الرقمية فان السنوات الاخيرة، خاصة تلك المرحلة التي كثر فيها الحديث عن بناء مؤسسات الدولة، شهدت تزايدا ملحوظا في عمليات منح القروض البنكية لاغراض السكن والاستهلاك. وبلغ الرقم عشرة مليارات دولار خلال ست سنوات فقط (اي من عام ٢٠٠٦ وحتى عام ٢٠١٢)، ما اعطى انطباعات خادعة عن ازدهار الاسواق العقارية والمراكز التجارية الاستهلاكية وبعض قضايا الترفيه، وهو ما اشر الى حالة ثراء تعيشها مناطق السلطة، فيما غالبية افراد المجتمع تعيش اوضاعا اقتصادية صعبة تؤكدها نسب البطالة المرتفعة.. هنا تكمن خطورة اعتماد هذه الفئة على اموال الدول المانحة التي في حال قررت قطع او تخفيض دعمها المالي لمؤسسات السلطة فان من سيدفع الثمن هو ليس هذه الفئة فحسب بل المجتمع بأسره. وهنا يصبح الهدف واضحا وجليا بتحويل الجزء الاكبر من قيادة ورموز هذه الفئة من قيادة كانت ترسم وتقود النضال الفلسطيني بكل ما يمليه ذلك من احترام لقواعد التوافق والشراكة الوطنية الى قيادة تعمل على التخلي والقطع مع كل قواعد الوحدة الوطنية، وتذهب باتجاه تغليب سياسات الفرد والتفرد والاحتكار في رسم القرار السياسي الذي لا يمكن ان يتصادم مع اي من افرازات مرحلة اتفاق اوسلو..
وجاء العام 2017 ليقدم صورة اكثر سوداوية ومأساوية على مستقبل الفئة الوسطى والمجتمع الفلسطيني. ونعود من جديد لارقام المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية، حيث بلغ إجمالي قيمة القروض البنكية، حتى نهاية ذلك العام 8 مليارات دولار منها 1.5 مليار كقروض حكومية لصالح البنوك العاملة في فلسطين، فيما بلغت قيمة القروض المقدمة لافراد من الضفة الغربية 5.5 مليار دولار، بينما بلغ الرقم في غزة 986 مليون دولار. وفي مقارنة بسيطة بين القروض الممنوحة للضفة وتلك الممنوحة لقطاع غزه، يتضح لنا ان التركيز على الضفة ليس بريئا، والا كيف يمكن تفسير ان الضفة التي يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة حصلت على (84) بالمائة بينما لم تزد نسبة القروض التي منحت لقطاع غزه عن (16) بالمائة مقارنة بعدد سكان يقترب من مليوني انسان.. وان النسبة الاكبر من هذه القروض كانت بغرض الاستهلاك الغير منتج..
وتزداد المشكلة صعوبة مع تقليص كبير في مساعدات الدول المانحة المخصصة للسلطة الفلسطينية خلال السنتين الماضيتين والتي ترافقت مع تلاعب اسرائيل بأموال المقاصة وممارسة سياسة الابتزاز المالي مع السلطة، الامر الذي لم تجد السلطة حلا له الا عبر اللجوء الى الاقتراض من البنوك، وهنا تبدو التخوفات في مكانها حول قدرة السلطة الفلسطينية على سداد ما عليها من ديون للبنوك اذا ما قررت الدول المانحة قطع مساعداتها لسبب او لآخر، ما يؤكد حقيقة ان السلطة الفلسطينية تقف عارية امام اسرائيل لا تملك شيئا من ادوات الصمود لا السياسي ولا الاقتصادي والاجتماعي.
كيف حصل هذا ومن له المصلحة في تحويل المجتمع الفلسطيني الى رهينة بيد الدول المانحة واداة للابتزاز المالي تستحضرها في بعض المحطات خاصة تلك التي تتطلب قرارات وطنية مصيرية؟ والسؤال المقابل هي يمكن المعالجة، واذا ما كان من خيار للتغيير فمن اين يمكن ان يبدأ؟
نقطة الانطلاق يجب ان تبدأ من ثابت اساسي وهو ان الشعب الفلسطيني واحد موحد تجمعه قضية واحدة وحقوقه موحدة، وان تفرق وانتشر على مناطق مختلفة، وان جميع مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية والامنية تعود لسبب سياسي واحد هو الاحتلال الذي ما زال يحتل ارضا فلسطينية، وان حركتنا الوطنية، حتى لو امتلكت عناوين سلطة فهي ما زالت حركة تحرر وطني لم ترقى بعد الى مستوى السلطات السياسية كتلك الموجودة في دول وانظمة سياسية مستقرة. غير ان الاقرار بهذه الحقيقة لا يكفي ما لم يعاد الاعتبار الى مسألتين: اولا البرنامج السياسي الذي يجب ان تتوحد في اطاره جميع المكونات الفلسطينية. وثانيا باعادة الاعتبار لدور جميع التجمعات الفلسطينية، خاصة تلك الموجودة خارج فلسطين باعتبارها شريكا اساسيا في العملية الوطنية وليس رديفا مكملا تستحضر في المناسبات الوطنية فقط..
على المستوى الداخلي الفلسطيني ورغم قناعة واقرار الجميع بلا استثناء، بأن لا امكانية للتعايش مع الاحتلال وسياساته واستيطانه، الا ان هذا يبقى كلاما لا معنى حقيقيا له ما لم يقرن بسياسات جدية تقطع بشكل كامل مع الاحتلال وافرازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، وهذا امر تفرضه الوقائع الميدانية وتفرضه ايضا تجارب مرة لفترة اكثر من ربع قرن من السياسات العربية والفلسطينية التجريبية والخاطئة. وهنا يصبح الامر ملحا الوصول الى قناعات مشتركة حول السياسات والاستراتيجيات الفلسطينية داخليا وخارجيا..
كلمة السر الغائبة عن السياسة الداخلية الفلسطينية حتى اليوم هي "الوحدة الوطنية". فحتى هذه اللحظة، لا زال كل طرف من طرفي الانقسام يكابر بأن ما يقوم به من سياسات واستراتيجيات انما هو الصواب، وسياسات الآخرين هي الخطأ، فيما تجاربنا تقول: لا يمكن لاي طرف سواء كان حركة فتح او حركة حماس تحمل عبء القضية الفلسطينية بمفرده، لا بل ان الطرفين منفردين ومجتمعين لن يكونا بمستوى التحديات ما لم يقتنعا اولا بأهمية الوحدة الوطنية بعيدا عن الصيغ السابقة وبعيدا عن منطق الصراع على السلطة. والتحدي بالنسبة لهما هو بقدرتهما على الاستجابة لصياغة استراتيجية فلسطينية موحدة في مواجهة المشروع الاسرائيلي الموحد.
يجب مغادرة ذلك المنطق اليائس والبائس الذي يحمل في ثناياه خفايا انهزامية لجهة وضع الحالة الفلسطينية والوحدة الوطنية امام برنامجين: اما برنامج المقاومة واما المفاوضات.. بينما المنطق المجرب يؤكد اننا لسنا مطالبين بالانحياز حكما الى واحد من هذين الخيارين.. فهناك الخيار الذي اعتمده الشعب الفلسطيني في اكثر من مرة: مقاومة عسكرية في غزة تدافع عن التراب الوطني من اي اعتداء وانتفاضة شعبية في الضفة تعتمد جميع الاشكال النضالية بما فيها المقاومة المسلحة وحركة لاجئين في الخارج تمارس دورها الوطني من موقع المشاركة الفعلية.. هذا هو الثالوث النضالي الذي يجب ان يستثمر وطنيا بحيث يتم افساح المجال لطاقات الشعب الفلسطيني الكامنة والمستعدة لتحمل مسؤولياتها الوطنية..
اكدت التجارب السابقة اننا قادرون على الوصول الى برامج وطنية تعكس القواسم الوطنية المشتركة.. فهناك اعلان القاهرة ووثيقة الاسرى، وهاتين الوثيقتين هما انضج ما توصلت اليه الحركة الوطنية الفلسطينية خلال العقود الاخيرة، لكن كانت المشكلة على الدوام عدم رغبة الطرفين بالوصول الى نتائج ايجابية، لأن الصراع على السلطة هو الذي يفسر نزوع حركتي فتح وحماس لعقد صفقات ثنائية تقتل التعددية السياسية والحزبية وتضع المشروع الوطني كله في مهب الريح، إذ لا امكانية لصيانة المشروع الوطني الموحد وحمايته من اي عبث في ظل غياب الاكثرية الوطنية التي تناضل من اجل التطوير الديمقراطي للنظام السياسي.
ان طرفي الانقسام لا يخجلان من نفسيهما حيث يعترفان بأن لا عيب في الصراع على السلطة، غير ان الصراع على السلطة في الحالة الفلسطينية هو تهمة كبيرة نعم، حيث الصراع هو على سلطة مقيدة الصلاحيات على جزء من الارض وعلى جزء من الشعب، بينما الصراع على السلطة يكون مشروعا في دول مستقرة وانظمة سياسية مكتملة، وبالتالي فان ما يجب ان يحكمنا كفلسطينيين هو ليس قوانين الاكثرية والاقلية، بل قوانين حركات التحرر الوطني القائمة على التوافقات وعلى القواسم المشتركة وعلى الشراكة في كل ما له علاقة بقضايا مصيرية تطال الكل الفلسطيني.. فهذا ما حصل في فيتنام مثلا عندما توحد نحو (47) حزباً ومنظمة في جبهة تحرير جنوب فيتنام وكانت النتيجة انتصارا مدويا، وما حصل في جنوب افريقيا ايضا عندما توحدت جميع الاحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية في المؤتمر الوطني الافريقي الذي ناضل تحت شعار واحد اوصل بالنهاية الى الانتصار..
عند ذلك تغلق الابواب امام التدخلات العربية والاسرائيلية والخارجية، فكلما تفككت الوحدة الوطنية الفلسطينية الائتلافية، كلما تعاظم وتفاقم شرور واضرار هذه التدخلات التي تفعل فعلها في الاوضاع الفلسطينية، وتؤثر اكثر فاكثر كلما كانت الحالة الفلسطينية ممزقة مشتتة، نتيجة للاوضاع الداخلية الفلسطينية..
لذلك نقول: ان الشعب الفلسطيني بما يمتلكه من مخزون نضالي قل ان يتوافر في شعب آخر، قادر على الصمود والمضي قدما نحو مشروعه الوطني، لكن هذا يبقى مرهونا بتوافر الشروط التي على القيادة الفلسطينية ان توفرها سواء على مستوى علاقاتها الداخلية او لجهة خياراتها الوطنية ونظرتها الى نفسها والى اطراف الصراع.. وهذا ما يتطلب من جميع مكونات الحالة الفلسطينية، منظمة، سلطة، فصائل، لجان واتحادات شعبية، مؤسسات وحراكات مدنية وغيرها.. ان تتحمل مسؤولياتها لجهة صناعة "واقع ثوري فلسطيني جديد" على انقاض الواقع الذي يريدون تكريسه في مجتمعنا باعتباره ثقافة جديدة هي جزء من منطقة وعالم قيد التشكيل.