recent
أخبار الساخنة

الدخول الأميركي في العقائدي وحتمية التغيير في قواعد اللعبة

الصفحة الرئيسية

 

كان لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المُعلن في السادس من ديسمبر/ كانون أول من عام 2017م، والذي تضمن اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل، عدة  أبعاد أساسية: السياسية منها، والسياساتية، والقانونية، وأيضاً العقائدية.
 ستركز هذه الورقة على البعد الديني العقائدي كونه يعتبر الأهم في ظل تحديات المنطقة، لما يعكسه من تغير في قواعد اللعبة بالنسبة لكل الأطراف ذات العلاقة. وليس المقصود أن الدخول الغربي وتحديداً الأميركي في المجال الديني هو أمر جديد، بل هو قديم متجدد، وإنما فُتح على مصراعيه في عهد الرئيس ترامب.
على الرغم من التخوفات من إثارة الصراع الديني في المنطقة، إلا أن فتح هذا الملف قد يفتح أبواباً جديدة للفلسطينيين، ويمثل أداة فريدة ترفع من قدرة الفلسطينيين على مواجهة قرار ترامب و السياسات الاحتلالية الإسرائيلية.

لمحة تاريخية
عملت الولايات المتحدة الأميركية بعد زوال "الخطر الشيوعي" عام 1991م على صناعة عدو جديد (العدو الإسلامي) لكي تبقى القوة المهيمنة على العالم. ويتضح ذلك جلياً من قول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في كتابه "الدبلوماسية من الحرب الباردة حتى يومنا هذا"، بأن: " ما تحتاج إليه أميركا هو تهديد واضح ومعروف وأيديولوجيا معادية، هاتان الخاصيتان من خصائص الحرب الباردة لم تعودا موجودتين، الأمر الذي يتطلب خلقهما بالقوة نفسها"[1].
تتضح في طروحات فرانسيس فوكاياما مشاعر العداء إزاء العالم الإسلامي، حيث يقول: "يبدو أن ثمة اتفاقاً عاماً – إلا في العالم الإسلامي – على قبول مزاعم الديمقراطية الليبرالية بأنها أكثر صور الحكم عقلانية". كما يذهب صموئيل هنتنغتون في أطروحته التي شرحها في كتابه "صدام الحضارات" إلى أن :"السنوات التي أعقبت الحرب الباردة شهدت البدايات لتغيرات مثيرة في هويات الشعوب والرموز التي تعود لتلك الهويات. وأخذت السياسات العالمية يُعاد صياغتها بما ينسجم مع الخطوط الثقافية". كما يقتبس في كتابه مقولة لمايكل ديبدن من روايته (البحيرة الميتة)، والتي تقول: "لا يمكن أن يكون ثم أصدقاء حقيقيون دون أعداء حقيقيين. فما لم نكره غيرنا لا يمكن أن نحب أنفسنا".[2]
جاء المنظرين أمثال فوكاياما وهنتنغتون ليصنعوا العدو الإسلامي في العقل والوعي الغربي، لتأتي بعدها المؤسسة العسكرية والأمنية والإعلامية لإعداد سيناريوهات التنفيذ على أرض الواقع. فنظرية صدام الحضارات لم تكن مجرد نظرية في العلاقات الدولية، وإنما كانت برنامج أٌنشأ في داخل مجلس الأمن القومي الأميركي، والأمن الوطني الموجه نحو خلق عدو استراتيجي وهمي ودائم. ويمكن القول أن أحداث 11 سبتمبر من عام 2001م كانت بمثابة إعلان حرب على العالم الإسلامي ذات آلية استراتيجية لا تقل أهمية عن المتبعة إبان الحرب الباردة.
البعد العقائدي لقرار ترامب وخيارات المواجهة
مما لا شك فيه أن قرار ترامب له بعد عقائدي وديني، وهناك تيار داخل الولايات المتحدة الأمريكية كان له أثر كبير في استصدار هذا القرار ( المسيحيون الجدد والمسيحيون الصهاينة)، وهو تيار ثابت وموجود بقوة يؤمن بأن "قيام اسرائيل هي مشيئة الله"، وبالتالي لا يوجد نقاش سياسي أو قانوني في هذه المسألة، ويتعاملون معها من منظور عقائدي بحت.
عن العلاقة مع الولايات المتحدة والخيارات الفلسطينية المستقبلية ما بعد إعلان ترامب، يرى حسام زملط رئيس مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة الأميركية وعضو المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بأن ما حصل فتح للفلسطينيين فرصة حقيقية لفتح الملف العقائدي الديني والاشتباك به، وأن البعد العقائدي لقرار ترامب قدم للفلسطينيين دعم دولي غير مسبوق، فانتقاد بابا الفاتيكان بشكل علني لقرار ترامب، مهم للغاية كونه يمثل طيف مسيحي أساسي. كما أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأزهر يومي 17 و18 يناير/كانون الثاني من عام 2018م، يمثل بحسب زملط تحدي وتصدي لهذا البعد الديني برسالة سامية وأممية من الشعب الفلسطيني. إلى جانب ذلك فإن هناك حراك مسيحي فلسطيني دائم يلعب دور مهم تجاه الرأي العام في واشنطن[3].


امتنعت حركة فتح ( كونها حركة لا ايديولوجية ) ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها عن إبراز البعد الديني للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن مما سبق يتضح أن قواعد اللعبة تغيرت، وأن العقائدية سيكون لها حيزاً في الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية القادمة.
لقد أصبحت قيمة البعد الديني للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أداة فريدة يمكن أن تجتذب الدعم من العالم الإسلامي بعد تراجع أهمية القضية الفلسطينية لصالح زيادة الاهتمام بالصراع  في سوريا والعراق في الأجندة السياسية في الشرق الأوسط. وارتفعت قيمته كثيراً بعد الأحداث الأخيرة، ولكن على الرغم من ذلك يمكن القول إن الجماهير العربية والدول العربية لم تتخذ أي ردود أفعال قوية وبحجم الحدث ضد إسرائيل.

معركة البوابات الالكترونية نموذجاً
في أهمية البعد الديني كأداة للمواجهة، فإن نجاح الحراك الشعبي وانتصاره في معركة البوابات الالكترونية بالمسجد الأقصى التي جرت في شهر يوليو/تموز من العام الماضي 2017م، لم يكن ليتم لولا حضور البعد الديني العقائدي، حيث أن الوازع الديني شكل أساساً قوياً لنجاح الحراك الشعبي الذي غلب عليه غياب السيطرة الحزبية، وكان من أهم أسباب الانتصار، لأن الوازع الوطني يخلق تجاذبات كبيرة أسس لها وزرعها الانقسام السياسي.

خاتمة
إن ضياع الشارع العربي والإسلامي وعدم غليانه بحجم الحدث يعود إلى ضياع الشارع الفلسطيني الذي يعاني من اختلال في المعيار الإجماعي الوطني وتجاذبات وتنافرات كبيرة بفعل الانقسام السياسي الفلسطيني ، وعليه فإنه لا يمكن انتظار حراك شعبي عربي وإسلامي بالمستوى المطلوب، إلا بتعزيز العقائدي في الوعي الفلسطيني أولاً، كون هذا البعد أو المجال هو الأهم في ظل تحديات المنطقة، وحينها يمكن زيادة إمكانات سرعة انتشار العدوى للعواصم العربية والإسلامية.

فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني

المراجع:
·       كامل. عمرو. حصان طروادة-الغارة الفكرية على الديار السنية. القاهرة: دار السنة الصحيحة، 2014.
·       مقابلة على تلفزيون فلسطين مع حسام زملط رئيس مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة بتاريخ 2/1/2018. https://www.youtube.com/watch?v=dBDmqJSvZXQ




[1]  عمرو كامل، حصان طروادة-الغارة الفكرية على الديار السنية (القاهرة: دار السنة الصحيحة، 2014)، ص 112.
[2]  المرجع نفسه، ص112-113.
[3]  مقابلة على تلفزيون فلسطين مع حسام زملط رئيس مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة بتاريخ 2/1/2018. https://www.youtube.com/watch?v=dBDmqJSvZXQ .
google-playkhamsatmostaqltradent