recent
أخبار الساخنة

«الحلقة السادسة» من سلسلة يوميات لاجئ بقلم الكاتبة ياسمينا- خاص العودة

الصفحة الرئيسية


لم تكن تلك الخطوات سوى خطواتِ شابةٍ بالكاد يُرى وجهها مع انعكاس نور الشمس الخجول على صفحة الماء. وما زاد الأمر صعوبةً عيناها المتخفيتين وراء عدسات نظارةٍ سوداء قاتمة.

ظلّ عليّ في حالة حذرٍ وارتباكٍ وهو يراها تتقدّم نحوه بخطواتٍ واثقةٍ وبمشيةٍ ممشوقة، وبكلّ ثقةٍ هتفت باسمه.. وعندما اقتربت منه أكثر فأكثر وأزاحت تلك الستارة السوداء بيديها، تبسّم عليّ وصرخ قائلاً: "أهذه أنتِ؟!".

إبتسمت في وجهه وقالت: "تستغرب حضوري إلى هنا صحيح؟ لا تستغرب كثيرًا فأنا والبحر من أعزّ الأصدقاء، لطالما شكوتُ له همومي وأحزاني، وأظنّك أنت هنا الآن لنفس السبب. ثم بالمناسبة أين أباك؟ هذه أول مرة تكون منفصلاً عنه، صحيح؟".

فأجاب عليّ "أنا لم أساعده اليوم بأيّ عمل، كان نهاري ممتلئًا بكلّ ما لذّ وطاب من الأحزان والآلام. ثم أخبريني كيف كان مقالك الذي حدثتني عنه أنا وأبي، هل حقًا تحدثتِ عنّا وعن مشاكلنا في المخيمات وعن حجم الفقر والقلّة التي نعاني منهما، والتي بطريقةٍ أو بأخرى أجبرت والدي على ذلك العمل؟

كم أنا مشتاقٌ لأصبح عليًّا آخر، كم أنا مشتاقٌ ليراني الناس بصورةٍ أخرى وبعمل آخر.. حقًا لقد كرهتُ رائحة النفايات والحاويات! أريد أن أكون كغيري من الأطفال، أريد أن أذهب إلى الملاهي كل يوم، وأن ألعب كل يوم، وأريد ألعابًا كثيرة لي ولأخي الصغير.

لقد سئمتُ من تفكيك الملاقط الخشبية وتلصيقها لأصنع منها سيارة أو عربة كعربة أبي! وسئمت من تمزيق أوراق الكتب والدفاتر وجمعها على شكل كرةٍ ورقيّة ليتسنّى لي ركلها في غرفة بيتنا الصغيرة أنا وياسر، ثم ليأتي معلمي صباحًا ويصرخ في وجهي "لمَ مزّقتَ دفاتركَ وكتبك؟! ويقف ويؤنّب بصوتٍ عالٍ "أم لأنّ كتبكم تحصلون عليها دون مقابل!".

ولقد ضِقتُ ذرعًا بهذه الكنزة الرمادية التي أرتديها كلّ يوم، وهذا الحذاء القديم الذي أحضرتْهُ لي أمّي معها بعد أن تصدّقت عليها صاحبة المنزل الذي تعمل عندهم!

أما كان الأجدى بها إن أرادت الصّدقة أن تعطيني حذاءًا جديدًا، فقد كان حديث معلّمنا البارحة عن الإحسان والصّدقة، كان حديثه جد ممتع، وأكثر ما أعجبني منه ما قاله عن "أنفقوا مما تحبون".

لم هذا العالم متناقضٌ وغريب؟ هل لأنّني فلسطيني سأبقى ضحية الفقر والألم؟ هل لأنّني إبن مخيم أعيش في غرفتين متصدّعتين سأبقى بلا أمل؟

أين مجلّتكِ اللّعينة هذه التي كتبت عنّي؟ أين هؤلاء الذين يهتُفون بحقوق اللاجئ الفلسطيني منّي ومن فقري وجوعي وقلتي؟

وأين حقوق الإنسان هذه التي ضِقتُ ذرعًا بها، وأنا لا أجد منها أيّ شيءٍ يفرح قلبي!



(يتبع)

#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا



http://alawda-pal.com/index.php?s=47&id=1092
google-playkhamsatmostaqltradent